الحميمية الصامتة
محمد شحلال
بعد متعة قراءة السيرة الذاتية للسيد محمد السهلي،واستحضار سجل الذكريات الأليمة التي كانت ،،قاعدة عامة،،بين جل الأهالي،فقد استوقفني حديث الكاتب عن حياة الخيمة التي لم يخل منها العديد من صفحات الكتاب.
كان أغلب سكان مسقط الرأس يقيمون انئذ في الخيام التي تصنعها النساء ويتنافسن في جودتها،وكان الأهالي يحرصون على نصب هذه الخيام في أماكن ،،استراتيجية،،تراعى استيفاء مجموعة من الشروط التي توفر حياة الأمن والطمأنينة.
لم يكن بوسع عائلة الكاتب أن تنصب خيمتها في مكان منبسط بسبب طبيعة منطقة،،المعدن،، الوعرة،لذلك كانت الأسر هناك وفي الأماكن المشابهة، تقسم موقع الخيمة أو،،ثامزيرث،،إلى قسمين : قسم علوي يخصص للطبخ والجلوس،واخر سفلي يخصص عادة للنوم والضيوف،ويعرف ب،،ثيسي،،يتوسطه عمود بين الدعامتين يرفع عليه الفراش والأغطية.
لقد كانت كل الخيام تشترك في المكونات الأساسية،وهكذا وبجانب مكان الطبخ،فإن ربات البيوت،كن يقمن المنتضد أو،،الرحل،،الذي توضع فوقه أوعية الدقيق وباقي مستلزمات الطبخ ،بينما يخصص أسفله لنوم الأشخاص المسنين لمناعة المكان لا سيما عند نزول المطر.
عند تعدد أفراد الأسرة،فإن البعض منهم، كانوا ينامون في الامتداد الذي يلي ،،ثيسي،،والمعروف ب،،إوقافن،،وهو موقع مميز في الخيمة لأنه يتحول خلال فصل الحرارة إلى مجلس ،،مصنف،،بعدما يرفع جزء من الحصير لاستقبال الهواء المنعم الذي يعرف محليا ب،،الهيف،،!
تلك باختصار هي الأجزاء التي يرتادها ساكنو الخيام،بينما تؤدي باقي الأماكن أدوارا أخرى لا يعرفها إلا من سكن الخيمة.
غير أن ما استوقفني وأنا أطل على الماضي البعيد حينما كانت الخيام هي المقر الأساسي والمتحرك لأغلبيةالأهالي ،هو طبيعة الحياة الزوجية التي انتظمت في هذه الربوع بسلاسة رغم اختلال جل الشروط.
وهكذا فإن السؤال المؤرق الذي يستفزني كلما زرت مسقط الرأس،هو كيف مارس اجدادنا واباؤنا حياتهم الطويلة وهم يعيشون في أجواء مشتركة وهل كانت لهم حميمية؟
متى تبادل هؤلاء الأزواج البوح والرغبات وقد سيقت زوجاتهم إلى،،مضاجعهم،،دون سابق إنذار ،ومع ذلك أنجبوا خلقا كثيرا تتعذر الإحاطة بحيثيات حصول ذلك.
هل كان هؤلاء الناس خالين من المشاعر الإنسانية المشروعة،أم أنهم اختاروا حبا صامتا قسريا امتثالا لإملاءات حياة الخيام المشتركة ؟
ما زلت أشفق على أولئك الأزواج الذين كانوا عاجزين عن مناجاة بعضهم البعض من خلال أسمائهم الحقيقية أمام الوالدين بصفة خاصة،بل كانوا يتواصلون بألقاب ومصطلحات تفي بالغرض بسبب الأعراف الثقيلة والحياء المتوارث.
لقد رأيت في زمن الطفولة أشخاصا لا يتحررون من قيود الخيمة إلا عندما يخرجون للحصاد برفقة زوجاتهم أو أثناء رحلات الاحتطاب أو زيارة الأصهار،فإذا عادوا إلى الخيام،لزموا واجب التحفظ ليقتصر التواصل- رغم فقره- على ما لا يخرج عن المألوف،ومع ذلك استمر الإنجاب وبنيت أسر سليمة على حساب حاجيات النفس التي طالما خضعت لقمع منهجي أملته أعراف يصعب الطعن في وجاهتها.
ليس هذا وحسب،فقد كان بعض الاباء والأبناء ينجبون في الخيمة الواحدة دون أن يتجرأ احد على تفكيك أسرار هذا النوع من الحياة التي يستحيل أن يتقبلها الجيل المعاصر بعدما خرجت الخيمة عن الخدمة.
لست أدري هل كان أجدادنا مجحفين في حق الأزواج وهم يجردونهم من الحقوق الطبيعية من خلال سن طرق الحياة المحكومة بقيود قاسية،أم أن هذا العرف قد جنب أو الساكنة كثيرا مم المحظور الذي تغول في زمن الأسمنت ؟!