إسماعيل الصنابي، الناجي من حادث الدراجات المائية بالسعيدية يحكي قصة تعذيبه ومعاناته، بعد سنة، في “جحيم” السجن الجزائري
عبدالقادر كتـــرة
في 29 من شهر غشت 2023، أقدم عناصر من خفر السواحل الجزائرية التابعة للحرس الحدودي الجزائري في المياه على الحدود بين المغرب والجزائر، على قتل اثنين من المصطافين المغاربة يحملون الجنسية الفرنسية واعتقال ثالث، فيما نجح رابع من موت محقق بعد أن تمكن من العودة سباحة إلى شاطى مدينة السعيدية المغربية الحدودية .
وعند عودة الفرنسي المغربي إسماعيل الصنابي إلى فرنسا بعد سنة قضاها في سجن النظامالعسكريالجزائري، قدم روايته لعذابه ومعاناته في تصريحات مؤلمةومؤثرة لصحيفة “لوموند” الفرنسية المشهورة بتاريخ
28 نونبر 2024 .
وتعود تفاصيل الحادث المأسوي الوحشي إلى يوم 29 غشت 2023، حين تاه أربعة مصطافين من المغرب باتجاه المياه الإقليمية الجزائرية خلال رحلة بالدراجات المائية.
أطلق حرس خفر السواحل الجزائرية الرصاص عليهم، حقدا وغلا، وقُتلوا اثنين منهم وتم إلقاء القبض على أحد ركاب الدراجة المائية “جيت سكي”، إسماعيل الصنابي، 27 عاما، وهو فرنسي مغربي، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة وثلاثة أشهر بتهمة الدخول غير القانوني إلى الجزائر وتهريب المركبات بمبرر أنه لا يتوفر على وقائق للدراجة المائية .
وفي نهاية غشت 2024، تم إطلاق سراح إسماعيل الصنابي في الجزائر بعد دفع غرامة كبيرة قدرها 100 ألف أورو، وبالتالي تم تخفيف مدة سجنه. بعد العودة إلى فرنسا بين عائلته وأحبائه، قدم الفرنسي المغربي لوسائل الإعلام الفرنسية، ولا سيما صحيفة “لوموند” الفرنسية المرموقة، شهادة تقشعر لها الأبدان حول ظروف اعتقاله واحتجازه في الجزائر.
وأشار الصنابي، حسب الصحيفة الفرنسية بأصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية في الجزائر واصفا إياها بممارسات تعذيب خطيرة للغاية، بل ومهينة.
وستستمع إليه الشرطة الفرنسية قريبا في سياق شكوى ضد “مجهول” بتهمة القتل العمد قدمتها، في شتنبر 2023، عائلات المصطافين الذين قتلهم خفر السواحل الجزائري.
ولا يمكن للسلطات الجزائرية أن تتجاهل أو تخفي هذه الاتهامات المتعلقة بالتعذيب، وعليها أن تتفاعل وتقدم التوضيحات الكافية والمقبولة والمعقولة.
وسيفتح القضاء الفرنسي تحقيقا مستقلا للتأكد منها بغية التوصل إلى حقيقة وقائع ذلك اليوم الذي عاشه الصنابي واعتبره “جحيما” لم يستطع الخروج منه حيث لا زالت تحاصره ذكرى تلك العطلة الصيفية التي كادت تصيبه بـ “الجنون”.
يحكي إسماعيل الصنابي هذا الفرنسي المغربي البالغ من العمر، اليوم ، 28 عامًا قصته مثل “الأحمق” المصاب بالصدمة، “لم أتوقع ذلك “، تتنفس زوجته إسراء.
في 5 شتنبرالماضي، تمكن إسماعيل الميكانيكي من العودة إلى منزله، في “كليشي سو بوا” (سين سان دوني)، إلى أولاده الثلاثة (6 سنوات، 4 سنوات و3 سنوات)، بعد سنة قضاها في الجزائر.
لم يتمكن من نسيان كابوس تلك الليلة من 29 غشت 2023، التي ألقي القبض عليه من قبل وحدة خفر السواحل الجزائرية أثناء إبحاره على دراجة مائية مع ثلاثة من أقاربه، حوالي الساعة الثامنة مساءً، بعد أن تاه الشبان الأربعة، بسبب نقص البنزين، وسط الضباب في المياه الإقليمية الجزائرية أثناء محاولتهم العودة، بعد رحلة طويلة في البحر، إلى شاطئ السعيدية، وهي بلدة حدودية تمتد من الجزائر إلى شمال شرق المغرب .
ويتذكر الناجيان كيف قتل بلال قيسي، وهو فرنسي مغربي بالغ من العمر 28 عاماً، وعبد العالي مشيور، مواطن مغربي بالغ من العمر 40 عاماً كان يعيش في ضواحي باريس، برصاصات أطلقها عناصر الدورية الجزائرية، فيما تمكن محمد قيسي، 33 عاما، شقيق بلال، من السباحة بعيدا والعودة إلى عائلته في المغرب.
اعتقلت عناصر خفر السواحل الجزائرية إسماعيل: “لقد فقدت شقيقين بلا مقابل “، يردد وهو يدخن سيجارة أخرى: ” لا أريد حتى أن أتذكر
هذا اليوم، لقد بدأ بشكل جيد للغاية”، وكان يظن في نفسه أن هؤلاء الحراس الجزائريون قدموا ليساعدونهم، كما اعتاد الحرس الحدودي المغربي مساعدة المواطنين الجزائريين كلما تاهوا وضلوا طريقهم.
خضع إسماعيل لاستجواب إرهابي وعنيف حيث أظهرت السلطات الجزائرية جنون العظمة والعجرفة الذي لا يمكن تصوره من خلال طرح أسئلة سخيفة وغبية ووهمية عليه، من قبيل “هل زرت إسرائيل” أو “هل تشرب الخمر” كما كان عناصر الأمن الذين استجابوه يطلبون منه استظهار سور من القرآن الكريم.
ثم تعرض للضرب المبرح على أيدي الحراس الجزائريين الذين وضعوا رأسه في دلو من الماء لتعذيبه وإهانته، حسب تصريحاته، كما كان أحد عناصر الحراسة يستمتع ويتلذذ بتمرير شعلة ولاعة تحت لحيته، والتقاط صور له بجانب الدراجة المائية المخترقة بالرصاص كما لو كانوا يعرضون كؤوس انتصار أو غنائم حرب.
تعرض إسماعيل لعذاب أليم وعاش في جحيم أثناء الاستجواب قبل أن يضطر إلى اجتياز امتحانات المحنة القانونية.
تمت إحالة إسماعيل الصنابي الفرنسي المغربي، بعد محاكمات سريعة، في 30 غشت 2023، على القاضي، وهو لا يزال يرتدي سروال السباحة، قبل أن يحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة “الدخول غير القانوني”، وهو الحكم الذي تم تأييده في محكمة الاستئناف. كما تمت متابعته بتهمة “تهريب مركبة عبر الحدود البحرية دون أوراق “الجت سكي” وهي في ملكية صديقه محمد قيسي”، وهي تهمة أدت إلى سجنه 6 أشهر وغرامة قدرها 100 ألف يورو. وتم تمديد الحكم فيما بعد إلى السجن لمدة عام عند الاستئناف.
أخبر حراس السجن الجزائريون إسماعيل السجن بوفاة صديقه عبد العالي مشيور، بسخرية مروعة حيث أظهر له ضابط شرطة، على هاتفه، صورة صديقه “جثة هامدة”.
ثم علم من أخيه الذي جاء لزيارته في السجن بوفاة بلال قيسي الذي قتله خفر السواحل.
عومل، يقول إسماعيل الصنابي كرهينة رغم كونه سجين مثل أي سجين حيث تم احتجازه في أربعة سجون مختلفة في ظروف غير إنسانية وفقد 30 كيلوغراما.
تم إطلاق سراحه من السجن في 28 غشت الماضي، بعد دفع غرامة قدرها 100 ألف أورو لتجنب قضاء سنوات في السجون الجزائرية.
يقول إسماعيل الصنابي في حكايته لصحيفة “لوموند” الفرنسية: “لقد تراكمت الديون على أقاربي… لقد دفعت فدية، وكنت رهينة”.
وعندما غادر السجن، يواصل إسماعيل قصته، تعرض للتهديد من قبل السلطات الجزائرية التي منعته من الحديث عن احتجازه في الجزائر تحت طائلة الانتقام، ويقول: “إذا تحدثت، فلا تنس أن لديك عائلة في الجزائر”.
وحتى الآن، لم يتعاف إسماعيل من حالة الرعب التي عاشها في الجزائر، والتي خلفت آثارا نفسية لدرجة أنه يزور طبيبا نفسيا مرتين في الأسبوع، ويختم قصته قائلاً: “أطالب بالعدالة”.