البعد الديني في أغاني الألتراس
أحمد الجبلي
لم يعد خافيا على أحد ما وصلت إليه أغاني وأهازيج الجماهير المشجعة لفرقها في كرة القدم من صدى عربي وعالمي، منها ألتراس الرجاء العالمي والوداد البيضاوي تحديدا، وذلك من خلال أهازيجها وأغانيها التي تميزت بلحن خاص، وكلمات خاصة، وأداء متفرد، معبرة بذلك عن حبها لهذه الرياضة وولعها بفرقها فأقسمت على مساندتها وعدم التخلي عنها، وأحيانا تهتف هذه الجماهير معبرة عن الأوضاع الاجتماعية في البلاد، وأحيانا أخرى تعلن عن موقف من بعض أهم قضايا الأمة مثل القضية الفلسطينية.
لقد لاحظ العالم أجمع أن في كل أشعارها وأغانيها وهتافاتها يوجد حس ديني مثير حيث نجد مجموعة من المفردات دائما حاضرة بقوة في إبداعاتها، التي أصبحت عابرة للقارات تتلقفها الإذاعات ويترجمها المحبون وعشاق الكرة من كل الأجناس، من مثل: الله، الرب العالي، رب العالمين، إن شاء الله، صاحب الكون، رحمة ربي، التوبة، القيامة، تغيير المنكر، فضلا عن قراءة الفاتحة ترحما على دماء الشهداء داخل المدرجات.
إنها كلمات من القاموس الإسلامي المحض، وليس في الأمر غرابة أو شيء من عجب لكون هذه الجماهير الغفيرة مغربية مسلمة تسلم أمرها لله وتذعن له في سرها وعلانيتها، في حلها وترحالها، في فرحها ومشاكلها، لأنها تعلم أن لا ملجأ إلا إليه سبحانه، إليه المشتكى وإليه المناب.
ففي خطابها للصوص البلاد والمفسدين والمرتشين والمستكبرين الذين يأكلون أموال الشعب بغير وجه حق تخاطبهم هذه الجماهير بقولها: ” لا تحلموا بالدخول للجنة.. لأننا سنلتقي عند مولانا وسيحاسبكم على ما اقترفتم في حقنا” إنها لم تتوجه إلى أكذوبة المواثيق الدولية، ولا إلى الأبواق التي تدعي الدفاع عنها، ولا إلى أمريكا أو روسيا، إنما هو الإيمان بوجود يوم يرد فيه الناس لرب العالمين مصداقا لقوله تعالى (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) وقوله: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار). وأما عن رد الفعل الذي ينبغي أن يكون كرد طبيعي ضد الظالمين واللصوص فإن هذه الجماهير تعبر عن خيارها السلمي معبرة عن وعيها بأنها لا تملك حيلة سوى الرضا بما قسم الله قائلة “بحكم ربي راضي” وقولها “الحساب غدا عند ربي” ولكنه استسلام للقدر يحمل معنى الدعاء ودعاء المظلوم ليس بينه وبين الله حجاب.
وهي التي رفعت أكف الضراعة إلى الله في مدرجاتها الغاصة وبصوت واحد تتلو سورة الفاتحة ترحما على دماء شهداء مسجدي نيوزيلاندا، وبهذا الفعل الذي يغضب العلمانيين عندنا والملحدين، قد أعطت هذه الجماهير موقفا واضحا من الإرهاب عندما يطال المسلمين في كل بقاع العالم، واعتبرت هؤلاء الرجال المقتولين غدرا شهداء عند ربهم يرزقون لأنها تدرك أنهم جزء لا يتجزأ منها لأنهم إخوانهم مسلمون يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون، كما عبروا عن حزنهم ليس بإضاءة الشموع في الشوارع وإنما على الطريقة الإسلامية وهي قراءة سورة الفاتحة ترحما عليهم لأنها سورة ذات خصوصيات يعرفها هذا الجمهور لعل الله تعالى يرحم هؤلاء وهي السورة التي بدأت بالرحمة (الرحمان الرحيم)، وهو تعبير عن حس ديني متجذر لا يمكن طمسه أو إزالته بتحليلات مجتمعية تدعي التحليل النفسي للمجتمع المغربي، أو مقالات مدفوعة الأجر تعمل على اعتبار المغاربة قليلي التدين بإجراء إحصاءات والتقاط الأرقام من الشواطئ والملاهي ودور الدعارة.
وأما عن قضيتنا المركزية، قضية فلسطين السليبة، فإن هذه الجماهير قد أبدعت في تصريف مواقفها علانية واضحة لا مواربة فيها ولا تمويه، داعمة خيار المقاومة كخيار وحيد واعية بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن مؤتمرات السلام ما هي إلا مؤامرات استسلام تخدم العدو الصهيوني ولا تخدم الشعب الفلسطيني في شيء. ورغم أن القضية الفلسطينية آية من آيات الله، وقد سمى الله سورة في كتابه بسورة الإسراء كناية عن المسجد الأقصى، فإن الحس الديني كان قويا في أغاني هذه الجماهير، حيث تدعو الله تعالى بأعلى صوتها قائلة: “إن شاء الله في القدس الفرحة تدوم” كناية عن أمل في نصر مؤزر يوم تتحرر فيه فلسطين كل فلسطين.
وأما التعبير عن الرغبة في الذهاب إلى هناك من أجل الجهاد ضد العدو الغاشم الصهيوني الذي استولى على الأرض والعرض فقد عبرت عنه كلماتها: ” حبيت نمشي..شكون يديني”.
إنه تعبيرعن الوضع الاصطناعي المزيف الذي يفصل بين الدول الشقيقة بحدود وضعها الاستعمار ففرق بها بين الأمم حتى تنقطع الصلات، ويمنع التطوع لمد يد العون للأشقاء المكلومين الذين يئنون ولا يصلنا سوى أنينهم ليزيد كل غيور ألما وحسرة على بيت المقدس والمسجد الأقصى الذي يدنس من طرف أجلاف وأوباش الصهاينة الغاصبين.
فمهما حاول العلمانيون الحديث نيابة عن هذه الجماهير المغربية المسلمة ومغازلتها ودغدغة مشاعرها تحت يافطة الحقوق والمساواة بين الرجل والمرأة سواء في الإرث أو في أن تكون المرأة ندا للرجل مساوية له في كل شيء، فيما فيه نصوص قطعية الدلالة والثبوت، فإنهم بحديثهم إنما يحاربون دين هذه الجماهير ومعتقداتها، وهي لا تريد أن يمس دينها ومعتقدها لأنها تعلم أن بدون دينها ستختل كلماتها وتضطرب ألحانها لكون القلب الذي يعبر ويحب والعقل الذي يبدع ويصنع الكلمات والأشعار مشبعان بهذا الدين وتعاليم هذا الدين، وهي التي صدحت بأعلى صوتها قائلة: “لا نركع إلا لرب العالمين”، فلا داعي إذن للسباحة ضد تيار جماهيري غفير يقدر بأربعين مليون مسلم كلهم يؤمنون بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا ولا يقبلون من أي كان أن يتطاول على آية واحدة من كتاب ربهم ولا حديث واحد من سنة نبيهم.