لعبة كرة القدم في الوطن العربي من وسيلة تخدير الشعوب بالنسبة للأنظمة إلى وسيلة قدح زناد الوعي السياسي بالنسبة للشعوب
محمد شركي
لا تكاد فرق كروية في الوطن العربي تتأهل إلى بطولة كأس العالم أو البطولة القارية في آسيا وإفريقيا حتى تسارع الأنظمة إلى ركوب ظهرها لتستعملها في قضاء مآربها خصوصا إذا كانت تمر بأزمات داخلية خانقة حيث تموّه على ذلك بحدث تأهلها الذي تشد إليه أنظار وقلوب الشعوب العربية طيلة خوض فرقها الكروية مباريات الإقصائيات .
وكلما تخطت تلك الفرق دور من أدوار المنافسة تنفست الأنظمة الصعداء آملة أن تصل إلى بعض الأدوار المشرفة في البطولة العالمية الميئوس من بلوغ دورها النهائي أو إلى الدور النهائي في البطولة القارية. وشتان بين مشاعر الشعوب ببلوغ فرقها الكروية الأدوار وبين قصد الأنظمة ، فهذه الأخيرة تعتبر ذلك وسيلة تخدير تخدر بها الشعوب إلى حين ، و قد دأبت خلال فترة التخدير على تمرير قرارات ما كان لها أن تمرر في غير ظرف إجراء المباريات الكروية .
ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر التي نقلت إليها منافسات البطولة القارية بفعل فاعل وبقصد قاصد، وكان من المفروض أن تجرى في المغرب علق فيها متزعم الانقلاب على الشرعية والديمقراطية الأمل الكبير على فوز الفريق المصري في ظرف داخلي يتسم بالاستبداد ، ومصرفي منتهى التردي سياسيا واقتصاديا وحقوقيا وقد حضر افتتاح البطولة وهو يأمل أن يختتمها بحصول الفريق المصري على الكأس واللقب إلا أن رياح اللعبة جرت بما لم تشته سفن آماله ، فكان ذلك زيادة في حجم الاحتقان السائد في أوساط الشعب المصري الذي فجع بموت رئيسه الشرعي وقد دبر مقتله بليل ، ودفن بليل ، ولم يحظ ككل ميت بما يحظى به أموات المسلمين لأن جنازته اعتبرها الحاكم المستبد نذير شؤم من شأنها إذا جرت كما ينبغي أن تفجر الوضع في البلاد، وهو وضع قابل للانفجار في كل وقت وحين، وليس من مصلحة المستبد ، ولا من مصلحة من دعمه وأوصله إلى سدة الحكم بواسطة انقلاب عسكري دموي إقليميا وغربيا أن يقع ذلك الانفجار قبل أن يتم تمرير ما بات يعرف بصفقة القرن المخزية التي تهدف إلى الإجهاز الفاضح والمكشوف على قضية الشعب الفلسطيني وقضية الأمة العربية قاطبة .
ولقد خاب أمل الانقلابي المستبد حين خرج الفريق المصري في الطور الأول من التنافس وأعرض الشعب المصري عن حضور باقي أطوار المنافسة التي لم تعد تعنيه بعد إقصاء فريقه الذي كان يعلق عليه أملا غير أمل المستبد ،ذلك أن فوز فريقه كان يعني انتصارا رمزيا على الفشل الذريع الذي يملأ كل آفاق وطنه بسبب تسلط الاستبداد عليه .
وكمصر الجزائر التي تعرف حراكا شعبيا، وشعبها هو من علم باقي الشعوب العربية الحراك ضد فساد الأنظمة ، وقد سبق حراكه كل حراكات الربيع العربي بأكثر من عقدين من السنين ، وقدم من أجله ضحايا كثر يعدون بالآلاف وقد سحقهم الجيش الذي يديره ضباط مستبدون ومستنزفون لخيرات ومقدرات البلاد. ولقد جاء تخطي الفريق الكروي الجزائري لأدوار البطولة الإفريقية في ظرف تخطي الشعب لأدوار حراك لم تخب جذوته ، ولا زالت الآمال المعلقة عليه عريضة .
ولا شك أن النظام في الجزائر يأمل أن يخفف وصول الفريق الكروي الجزائري إلى الطور النهائي من شدة الضائقة التي يمر بها أمام حراك شعبي يزداد قوة كل جمعة ، في حين يعتبر فوزه بالنسبة للشعب رمزا معبرا عن أمله في الفوز على نظام فاسد مستبد يسعى من يدعمونه إقليميا وغربيا إلى تمديد عمره حتى لا يكون الشعب الذي سن الحراك لباقي الشعوب العربية قدوة لها ، ويكون ذلك بداية تحول كبير في وضع الوطن العربي برمته .
ومن المستبعد أن يتمكن النظام في الجزائر من استعمال فوز الفريق الجزائري كمخدر لتخدير شعب لم يعد قابلا للتخدير بفضل تنامي وعيه السياسي .
و من المؤكد أن فوز الفريق الجزائري الذي كان النظام يريده لصالحه قد أفضى إلى ما لا يخدم مصالحه حيث خلق تقاربا بين شعوب المغرب العربي وبين الشعب الجزائري خصوصا الشعب المغربي الذي هلل لفوز الفريق الجزائري بالرغم من خروج فريقه الكروي في الطور الأول، وكان ذلك التهليل انتكاسة للنظام الجزائري الذي أغلق حدود البلاد مع البلد الشقيق والجار ، وحرم الشعبين معا من صلة الرحم . ومعلوم أن النظام الجزائري منذ انطلاق الحراك الشعبي بادر إلى الحديث عما سماه مؤامرة خارجية تقف وراءه، وهي مقولة متهافة لم تعد تجديه نفعا وقد سقط قناعه وانقسم طغاته على بعضهم البعض ،فسجن فاسد مستبد فاسدا مستبدا مثله ، والشعب على وعي تام بفساد الجميع وقد رفع سقف مطالبه وهوالمطالبة برحيلهم جميعا .
وأخيرا يبدو أن لعبة كرة القدم في الوطن العربي صارت نقمة على الأنظمة سواء فازت الفرق الكروية أم تعثرت ، ذلك أن التعثر لا يزيد الشعوب العربية إلا حقدا على أنظمتها ، والفوز لم يعد مخدرا يخدرها بل صار رمزا يعبر عن آمالها في تحقيق فوز يخلصها من الفساد والاستبداد