النظام الجزائري الجديد يؤكد على قضيته الأولى في “معاداته للوحدة الترابية المغربية مهما كلفه الثمن ولو طال الزمان”
عبدالقادر كتــرة
أكد رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، في أول لقاء له مع مديري ومسؤولي مؤسسات إعلامية، مساء الأربعاء 22 يناير 2020، تطرق فيه لعدّة قضايا داخلية وخارجية، تشغل الرأي العام الوطني الجزائري، إذ تحدث الرئيس عن المشاورات وتعديل الدستور لتحقيق مشروع “الجزائر الجديدة”.
وفي الشق الدولي، سلط الرئيس الجزائري الضوء على العلاقات الجزائرية الفرنسية، والأزمة الليبية، واتحاد المغرب العربي، وقضية الصحراء الغربية، ومساعي الجزائر لاستعادة أدوارها كاملة كقوة إقليمية في المنطقة.
وحول سؤال عن واقع اتحاد المغرب العربي الذي ينظر إليه على أنه متنفس الشعوب بالمنطقة، والتأخير الكبير في تجسيد هذا الحلم، وإن كانت هل هناك من مبادرة لتحقيق الوحدة المغاربية، أجاب رئيس الجزائر، “صحيح.. الكثير يتكلم عن الحلم.. العالم بالأمس واليوم مبني على التكتلات، فالاتحاد الأوروبي مثلا هو القوة الثالثة عالميا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا”.
وأضاف أنه بشأن اتحاد المغرب العربي، “التفرقة لا يمكنها أن تخدم شعوب المنطقة، لكن لا للشتم ومحاولة فرض الأمر الواقع.. لم نشتم أبدا الشعب المغربي الشقيق، لا رسميا ولا غير رسمي، فالدول لا تبنى بالشتم” وزاد قائلا “الجزائر وقعت 37 اتفاقية بشأن اتحاد المغرب العربي، بينما لم يوقع البعض سوى 7.. كذلك، بناء الاتحاد لا يكون بالوساطة الأجنبية.. ليس لنا مشاكل مع غيرنا، مشكلتنا مع البناء والتنمية وخدمة البلاد والعباد.. لنا دول صديقة تفرح لمّا نفرح وتحزن عندما نحزن، ونترك الباقي للمستقبل”.
وحول قضية الصحراء المغربية، هاجم الرئيس الجزائري تبون الدول الافريقية التي فتحت تمثيليات قنصلية لها في مدينة العيون عاصمة الصحراء المغربية، وكذا الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم بقرارها تنظيم تظاهرة رياضية “فوتصال”، قائلا :”جمهورية الصحراء الغربية، تبقى عضوا مؤسسا للاتحاد الافريقي.. ما حدث بشأن منافسة العيون هو طعنة في الظهر، وهذا ضد الشرعية الدولية، وهذا خرق لكلّ الوثائق الأساسية للاتحاد الإفريقي وهيئة الأمم المتحدة..”.
وشدد على معاداة الجزائر للوحدة الترابية المغربية مهما كلفها الثمن ولو طال الزمان، “فإن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار، وقد قالها الرئيس الزعيم الراحل هواري بومدين، بأننا لن نخضع أبدا لسياسة فرض الأمر الواقع”، كاشفا عن الوجه الحقيقي الثاني للنظام العسكري الجزائري بعد تنصيب نفسه “ناطقا رسميا باسم “بوليساريو”” بل هو “بوليساريو” .
ولكن لا بد من تذكير السيد أن وحدة المغرب الترابية واقع تاريخي وحقيقي لا جدال فيه الرئيس (وهو يعلم ذلك علم اليقين) ، وأن الشعب المغربي كان ولا زال يُكنُّ للشعب الجزائري كل الاخوة والاحترام بحكم أواصر الدم والقرابة وعلاقات الجوار، وامتزجت دماء أبنائه بدم إخوانهم الجزائريين في مقاومة الاستعمار الفرنسي لتحرير الجزائر.
ولا شك أن السيد الرئيس يتذكر أن مدينة وجدة الصامدة، مدينة الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة وعائلته (والده رحمه مدفون بمقبرة سيد المختار، كما أوصت والدته بدفنها جوار والده لكن السعيد بوتفليقة رفض)، كانت ملجأ للمقاتلين الجزائريين إبان الاستعمار الجزائري ومقرا للقيادة العسكرية المقاومة والتي تسمى بجماعة وجدة، مع الإشارة إلى أن هذه المدينة قصفها الاستعمار الفرنسي بسبب ذلك.
ولا شك أن السيد الرئيس يعلم علم اليقين أن عشرات الآلاف من الجزائريين لجؤوا إلى المغرب، بلدهم الثاني، إبان الاستعمار وبعد الاستقلال وشبوا وترعرع أبناؤهم بمختلف المدن المغربية، وحتى زعماءهم كالرئيس الراحل محمد بوضياف، وغيرهم ممن حصلوا على الجنسية المغربية.
ولا شك أن السيد الرئيس متأكد من أن الصحراء مغربية لا جدال في ذلك، ولم يقبل المغرب أي مساومة من الأنظمة العسكرية الجزائري السابقة التي زرعت عصابة في الصحراء ودعمتها ماديا ولوجيستيا وسياسيا… بل تدخلت عسكريا في الصحراء المغربية في حرب امغالا 1 و 2 و 3 سنة 1976..، ووظفت أمول خزينة الجزائر بعشرات مليارات الدولارات من مداخيل البترول والغاز الجزائريين لشراء ذمم عدد من الرؤساء للاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية المزعومة وأقحمتها بغير شرعية ولا قانون دولي في منظمة الوحدة الإفريقية الاسم السابق للاتحاد الافريقي…
إن السيد الرئيس يتذكر جيدا ما اقترفه النظام العسكري للرئيس الراحل هواري بومدين صباح يوم عيد الأضحى من سنة 1975، حين طرد بالقوة أزيد من 45 ألف مغربي كانوا يعتبرون أنفسهم جزائريين انتقاما من المغرب لتنظيمه المسيرة الخضراء نحو الصحراء، حيث فرق الأب عن أبنائه والأم عن أطفالها وجردهم من ممتلكاتهم وأموالهم، لا زال جلُّهم يعاني نفسيا، وأصبح عددهم، اليوم، أكثر من مليوني مواطن مغربي ضحايا الطرد.. وهو الفعل الذي اعتبر كارثة إنسانية لا زالت تبعاته بردهات المحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية.
لا بد للسيد الرئيس أن يتذكر العملية الإرهابية المتمثلة في تفجير فندق “أطلس أسني” بمراكش سنة 1994، لصرب استقرار المغرب والسياحة بمدنه ، من فعل جزائريين وتخطيط المخابرات الجزائرية وذلك باعتراف ضابط سابق في المخابرات الجزائرية والذي تعرض لتهديدات بعدما كشفه تورط الجزائر في تلك الأحداث الإرهابية.
هذه الأحداث الإرهابية التي هددت أمن واستقرار المغرب، دفعت الحكومة المغربية إلى فرض التأشيرة على الجزائريين القادمين إلى المغرب، ما دفع الجزائر فيما بعد لفرض التأشيرة على القادمين من المغرب وإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر سنة 1994.
لا شك أن السيد الرئيس يعرف شديد المعرفة أن السلطات الجزائرية عملت لسنوات طوال على نقل المهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء واللاجئين السوريين إلى الحدود الجزائرية المغربية وترمي بهم هناك وترغمهم على عبور الحدود نحو المغرب في محاولة لزعزعة استقراره وخلق أزمة اقتصادية له..
إن رئيس الجزائر الجديد على علم بأن النظام العسكري الجزائري بادر إلى حفر خنادق على الحدود الجزائرية المغربية لمنع أي اتصال وأي عبور وأي تقارب وقطع صلة الرحم بين أبناء العمومة بل والأخوة من البلدين الشقيقين التي جمعتهم وتجمعهم منذ عشرات السنين قبل الاستعمار الفرنسي وإبانه…، وردّ المغرب ببناء جدار لحماية حدوده من السوء.
لا شكّ أن السيد الرئيس على علم بأن مئات الآلاف من الأقراص المهلوسة بأنواعها وتركيباتها المختلفة كانت تصنع بالجزائر وتهرب إلى المغرب لتدمير شبابه بحجة أن أطنانا من مخدر الكيف تعبر من المغرب إلى الجزائر…، بدل التعاون والتنسيق للقضاء على هذه الآفة أو على الأقل الحد منها.
لا شك أن السيد الرئيس يعلم علم اليقين أن الحرس الحدودي الجزائري قتل عشرات الشباب المغاربة الذين كانوا يمارسون التهريب المعيشي مضطرين فيعودون جثثا إلى أسرهم ، كما كان حال شأن الشباب الجزائري المتواجد بالحدود الجزائرية المغربية، في الوقت الذي لم يسجل التاريخ أبدا أن أطلق الحرس الحدودي المغربي رصاصة واحدة على هؤلاء الجزائريين الإخوة بل كانوا يعبرون الحدود بالمئات بطريقة غير شرعية وعند توقيفهم يتم إرجاعهم إلى بلدهم الجزائر معززين مكرمين.
والأخطر من هذا، السيد الرئيس، كان يتم دعوة الصناع المغاربة المختصين في الزخرفة بالجبس للعمل في فيلات المسؤولين والأثرياء، وكلما همُّوا بالعودة إلى المغرب للاحتفال بالأعياد الدينة مع أسرهم، يتم طردهم تجريدهم من هواتفهم وأموالهم أجرة عرقهم وحتى من ملابسهم وأحذيتهم إن كانت ذات قيمة.
السيد الرئيس على علم بأن الاتحاد المغاربي تم تأسيسه بتاريخ 17 فبراير 1989 م بمدينة مراكش بالمغرب، ويتألف من خمس دول تمثل في مجملها الجزء الغربي من العالم العربي وهي : المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا. وذلك من خلال التوقيع على ما سمي بمعاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي. تعد اقتصادات الدول الخمس مكملة لاقتصاد بعضها البعض، حيث إن الاتحاد في حال تفعيله سيحقق الاكتفاء الذاتي لكل هذه الدول في معظم حاجياتها .
تبلغ مساحة دول هذا الاتحاد مجتمعة 6،041،261 مليون كيلومترا مربعا، وهي مساحة تفوق مساحة الاتحاد الأوروبي. ويبلغ عدد سكان الاتحاد المغاربي حوالي 100 مليون نسمة 80٪ منهم يعيش في المغرب والجزائر كما أن البلدان يملكان أقوى اقتصادين في هذا الاتحاد، حيث إن مجموع اقتصاد البلدين يساوي ٪75 من الاقتصاد الإجمالي لدول الاتحاد. عاصمة الاتحاد هي مدينة الرباط في المغرب. تونس هي الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمس التي قامت بدسترة الاتحاد في دستورها ( الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها. الفصل 5، دستور تونس 2014).
وأخيرا، نأمل أن يتحلى حكام الجزائر الشقيقة بالعقل والحكمة والرشاد وينظروا إلى مستقبل الشعوب المغاربية ويوجهوا مجهوداتهم إلى تنمية بلدانهم وضمان كرامة شعوبها ويعملوا على بناء صرح المغرب الكبير من أجل أبنائه وتجنيبهم ويلات الأزمات والآفات والقهر والفقر، كما فعل ويفعل ساسة دول الشمال في أوروبا وأمريكا وآسيا، ولأن التاريخ لا يرحم…