هل مازال لنقط المراقبة المستمرة معنى؟
هشام البوجدراوي
بقلم هشام البوجدراوي
مع نهاية كل أسدوس دراسي يتساءل الآباء عن تفسير وتأويل معدلات التلاميذ، وعن مدلول الميزات التي تقابلها. فمعظم الأولياء يجدون صعوبة في التعرف على مستوى أبنائهم بالمقارنة مع المعدل المحصل عليه، وكذا في فهم بعض العبارات المتداولة والسلوكات الشائعة من قبيل: (ترتيب التلاميذ حسب المعدل المحصل عليه والإشارة إليها ببيان النقط، ميزة لوحة شرف ، ميزة تشجيع، معدل 10 يمثل عتبة النجاح، كل تلميذ حصل على معدل يفوق 10 لا يحتاج إلى دعم) .
إن أغلب عمليات التقويم، داخل المؤسسات التعليمية، تتجه إلى قياس ومقارنة إنتاجات المتعلمين من خلال معطيات كمية تسعى فقط إلى ترتيب التلاميذ والمفاضلة بينهم. هذا الواقع يجعل اهتمام المتمدرسين وأوليائهم ينصب على التعرف على المعدل المحصل عليه والترتيب داخل مجموعة الفصل على حساب تأويل وفهم النتائج الكمية واستثمار الملاحظات المرفقة بها في تتبع تطور مستوى التحكم في الكفايات.
هذه الإشكالية تجرنا إلى طرح التساؤلات التالية:
هل لنقط فروض المراقبة المستمرة ومعدل الأسدوس مدلول بيداغوجي يمكن من التعرف على درجة تمكن التلميذ من الكفايات؟ ما الغاية من ترتيب التلاميذ من أعلى معدل إلى أدناه؟ هل يمكن أن نقوم عمل التلاميذ بطريقة مغايرة على التي عليها الآن دون اللجوء إلى منحهم نقطة عددية لها آثار نفسية سيئة على التلميذ والأسرة؟
يعتبر التقويم من اللبنات الأساسية التي تبنى عليها الحصص الدراسية. فهو يأخذ جزءا مهما من زمن التعلمات يقدر تقريبا بخمس المدة الزمنية المخصصة للدرس، يتوزع ما بين تقويم تشخيصي وتكويني وإجمالي. وخلال عملياته، تظهر وظيفتان أساسيتان للتقويم: تتمثل الأولى في الوظيفة البيداغوجية والتي تهتم بتوجيه وضبط التعلمات والحكم على مدى تحقق الأهداف، بينما تظهر الوظيفة الثانية كوظيفة اجتماعية تهدف إلى إخبار مجالس المؤسسة والأسرة حول مدى اَلتحكم في الكفايات. لكن غالبا ما تنحرف هذه الوظائف عن غاياتها، فتتجه نحو ترتيب التلاميذ والمفاضلة بينهم أو تستعمل لإحكام النظام وتحقيق الضبط داخل القسم، مما يترتب عنه آثار نفسية تصل بالتلميذ حد الاحباط وضعف الانخراط وعدم الثقة في الذات.
ومن خلال واقع حال منظومتنا التربوية، يمكن القول أن هناك تغليب للوظيفة الاجتماعية على حساب الوظيفة البيداغوجية، نتيجة عدم الوعي بالآثار السلبية لاعتماد النقطة في تقويم إنتاجات التلاميذ، بالإضافة إلى أن نظام التقويم بشكله الحالي (منح نقطة عددية) لا يساعد على كشف التعثرات وتحديد مستوى تملك الكفايات. هذا المعطى يظهر من خلال تبني الأساتذة للتقويم التكويني كأحد آليات تصحيح مسار التعلمات. لكن في حقيقة الأمر هذه العملية لا تعتبر تقويما تكوينيا من اللحظة التي تمنح نقطة لمنتوج التلميذ. إذ لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن درجة التحكم في الموارد والكفايات.
وكتلخيص لما سبق، يمكن القول أن النقطة ليست أساسا لبناء أو تدعيم التعلمات. فهي لا تعني شيئا بالنسبة للمؤسسة والأسرة والتلميذ. ولا تعتبر مؤشرا يعكس مستوى التحكم في الموارد ولا القدرة على حل المشكلات، بل تقارن فقط التلميذ بالنسبة لمجموعة القسم من خلال معدل تقريبي لا معنى له. وعليه فالعمليات التقويمية بمختلف أنواعها تحتاج إلى تجديد وتطوير وتجويد من خلال فتح نقاش جاد حول مدى مصداقية النقطة العددية، بشكلها الحالي، في تحقيق أغراض التقويم، ومدى تناسبها مع نموذج التدريس بالكفايات. وهنا سأختم بمجموعة من التساؤلات التي تؤيد فكرة التخلي عن النقطة العددية في تقويم إنتاجات التلميذ:
ما الغاية من منح نقطة عددية أو معدل للتلميذ؟ هل يمكن اعتبار تلميذ حصل على 10/20 أنه تمكن من جزء من الكفاية أم أنه امتلكها كاملة أم أن التعبير العددي يدل على أن التلميذ تمكن من إنجاز نصف التمارين المقترحة في الفرض وعجز عن إنجاز الباقي؟
هل التقويم المعتمد بشكله الحالي يتناسب مع نموذج التدريس بالكفايات أم أن هناك أشكال أخرى من التقويم تتجه أكثر إلى وصف السلوكات والانجازات وجمع البيانات من خلال وضعيات دالة واستخلاص معنى معين منها بهدف اتخاد قرار يهم التوجيه أو التعديل أو الإشهاد ؟
أليس من حق التلميذ ارتكاب الخطأ خلال انجازه “للتمارين” التقويمية أم أن أي خطأ أو سهو خلال الامتحان يكلف التلميذ التقهقر إلى المراتب الدنيا؟
هل النقطة العددية تعطي مؤشرات عن ماذا يستطيع التلميذ إنتاجه وما لا يستطيع؟ بمعنى هل تركز على انجازات التلاميذ والمسارات المتبعة للوصول إلى حل الوضعيات التقويمية أم أنها فقط تهتم بمقارنة النتائج بمعيار معين؟
أليس لعملية ترتيب التلاميذ حسب المعدل المحصل عليه آثار نفسية تصل في بعض الأحيان إلى درجة الاحساس بالدونية والاحراج؟ ألا تكرس المؤسسات التعليمية الطبقية الاجتماعية والفكرية مع العلم أن الذكاءات متعددة والكفاءة لا تقاس بمدى القدرة على الحفظ وانجاز التمارين ولكن بالقدرة على حل المشكلات مع السماح بالاعتماد على دعائم ووسائط متاحة خلال الامتحان؟
ألا تندرج النقطة العددية في إطار منطق النقص والقصور بحيث تبين نتائجها الفارق بين ما يستطيع التلميذ فعله وما لا يستطيع؟ ألا تندرج أيضا في إطار منطق الثواب والعقاب؟
ألا تشجع النقطة على بعض السلوكات السلبية كالغش والتدليس والمنافسة غير الشريفة؟
بقلم هشام البوجدراوي