مدينة وجدة …والشرق المغضوب عليه
ميمون الجلطي
وجدة المدينة الحدودية، أو المدينة المحاصرة التي أصبحت معاقة مشلولة الحركة وكل من يزورها يشعر بالعزلة ويصطدم بالحدود المغلقة مدينة وجدة المدينة التي لها غرب وليس لها شرق، مدينة مكسورة الجناح، لا تستطيع أن تحلق، ومبتورة الذراع، واليد الواحدة لا تصفق.
مدينة وجدة العتيقة كانت في الماضي وفي ظروف تاريخية ملجأ آمنا للمواطنين الجزائريين، إبان الثورة، فكانوا يلجؤون إليها ويلقون كل الدعم والمساعدة من إخوانهم المغاربة، وقد استقروا هنا بصفة دائمة طيلة الثورة وحتى أن آثار مضارب خيامهم لا زالت شاهدة أمارتها اليوم ومرسومة على ضواحي وجدة بسهول أنكاد.
مدينة وجدة كانت هي القلب النابض لاقتصاد المملكة وكانت هي من تنشط العملة وتدعم سيولة البنوك وكانت جل المدن تستمد طاقة اقتصادها من وجدة هذه المدينة المعطاءة التي كانت تنعش اقتصادها بنفسها وتغدق على غيرها بخيرها هي اليوم تعاني وتحتضر، وتزداد مواجيع، وطالها النسيان وتنكر لها الجميع.
وجدة سيظل فيها الفقير فقيرا، وتزداد فيها الحالة المعيشية سوءا وتقهقرا لن تخرج من أزمتها لأن اقتصادها متوقف على فتح الحدود ولأن المسؤولين القائمين على شؤونها لا يملكون حلولا بديلة كما صرحوا هم بذلك وليس عندهم عصا سحرية لإنقاذ المدينة من الحالة المزرية والعصا السحرية التي يخيل لهم أنهم يملكونها هي التي ضربوا بها اقتصاد الجهة الشرقية في مقتل، وقاموا بتسييج الحدود، ومحوا التهريب المعيشي من الوجود.
وبعد إغلاق الحدود إنقلب السحر على الساحر وضربت الأزمة أطنابها بالمنطقة الشرقية ووجد مسؤولو الدولة أنفسهم أمام حالة مستعصية لا حل لها ولا سبيل وأصبح الفقر هو المصير فأصاب مدينة وجدة الجمود والركود وشلت الحركة التجارية بأسواقها فلا بيع ولا شراء، وتجار يشتكون من تراكم الديون ومواطنون بلا كرامة يعيشون على الفتات، وأصبحت الحياة المعيشية صعبة ولا تطاق.
وجدة المدينة المغضوب عليها من طرف كبار الدولة لا نصيب لها من الإستثمار ولا حظ لها في التنمية، وحتى مؤسساتها لا يديرها إلا من تراهم الدولة مسؤولون فاشلون ومتاكدة بأنهم لا ينجحون لكن وما سجله التاريخ فعندما كان الوالي السابق محمد مهيدية دائم التواصل مع المواطنين وكان يتردد كثيرا على المناطق الحدودية ويتواصل مع ساكنتها هذا التصرف لم يرضي أصحاب القرار فسارعوا بتنقيله إلى جهة طنجة كعقاب لمن يخرج عن البروتوكول ويخرق الفيتو المضروب على جهة الشرق ولأن الشمال عندهم أولى بالإهتمام من الشرق وما فيه
ثم عينوا مكانه الوالي الحالي الذي لم يراه الناس منذ مجيئه حيث اعتكف بمكتبه وأغلق الباب على نفسه وهذا ما يعجب الماسكين بالأمور ويجعل مقامه يطول.
وكذلك السيناريو نفسه تكرر مع قائد قيادة أنكاد السابق الذي كان رجل تواصل وحلول ويهتم بالساكنة الحدودية ويتفقدها وكان يساعدها إداريا ولا يخيب لها طلب لكن عندما اكتشفته عيون الداخلية لم يدم فيها طويلا وقاموا بترحيله إلى مدينة العيون لأنه الجنوب أهم عندهم من الشرق وتلك المناطق هي من تستحق رجال أكفاء وقد كان بعده من نصيب قيادة أنكاد الحدودية اليوم، قائد لا يحرك ساكنا ولا يحيي ولا يميت، ولا يهش ولا ينش.
هكذا هو الشرق المغضوب عليه أزمة اجتماعية خانقة وحدود مغلقة، تشديد الخناق، وقطع الأرزاق، البطالة، وكساد التجارة ومسؤولون يتفرجون على الوضعية، من وراء زجاج مكاتبهم وكأن الأمر لا يهمهم أو كأنهم بدون صلاحيات لا يتحركون إلا بأوامر الرباط ومن يتجاوز ذلك فقد جنى على نفسه بالرحيل هي هكذا جهة الشرق المهمشة محرومة حتى من الكفاءات وما يخصها ويليق بها مسؤولون ليس لهم أي تواصل بالمواطنين يعتكفون في مكاتبهم ولا يخرجون مهمتهم الوحيدة الإنصات لهواتفهم وتنفيذ أوامر معاليهم، فهؤلاء هم من يطول مقامهم بالشرق المغضوب عليه ويبقى الوضع على ما هو عليه.