مناجاة ليلة الجمعة
كمال الدين رحموني
يا رب إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي. وإن غضبت علينا فمن يرضى عنا؟
هل بلغت بنا ذنوبنا أن نُحرَمَ بيوتَك ؟ فكيف وقد أصبحتْ بيوتُك جزء من كياننا؟
هل بلغت معاصينا عَنان السماء، حتى نسمعَ المؤذنَ ينادي بأعلى صوته الذي تخنُقه الدموع:
” صلوا في بيوتكم” ولو قالها مع الأذان لزادتنا ألما وأسى ؟
يا ربنا، من شدة الألفة، حين ينادي المؤذن للصلاة، ينسى الواحد منا أن المساجدَ مغلقة، وأبوابَها مُوصَدة، فإذا به يُهِمُّ خارجا ملبيا النداء، فيتذّكر، فيُوَّلي راجعا كئيبا حزينا، فلا جماعةَ اليوم، وكأن منادٍ ينادي: “بيوتي مغلقة ، بيوتي مغلقة ، بيوتي مغلقة…..
أيّ شعور ينتابنا، وأيُّ سؤالٍ جوابُه يُحرِجُنا، فهل هو الإعراضُ منك عنّا، بِسَبْق الإعراض منا؟
أغضبُك يا رحيمُ حَلَّ، لأننا غوَيْنا، كما غوى الذين من قبلنا، وأنت سبحانك القائل:
” ومن يَحْلِلْ عليه غَضبي فقد غَوَى”؟ ومع الإقرار بالذنب، فلا زلنا نرجو مغفرتك لأنك قلت بعدها: ” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى”، ولأنك لمّا قضيتَ الخَلْقَ كتبتَ في كتابك فوق العرش : ” إنَّ رَحمَتي غَلَبَتْ غَضَبي .
هل الحرمانُ من بيوتك- التي أذِنتَ أن تُرفَع، ويُذْكَرَ فيها اسمُك، ويسبّح لك فيها رجالٌ بالغدو والآصال- لأننا لسنا منهم، أم نحن منهم، لكننا قصّرنا وسهوْنا وغَفَلْنا وتغافلنا، وتراخينا وتهاونّا، فكان العقاب: إن بيوتي في وجوهكم مغلقة ؟
هل عَمَّ الشرُّ أرضَك وعبادَك، فلم يَعُد فيها كثيرُ خيرٍ، أم لا زال فيها من الخير، فأردتَ أن تَقرعَ قلوبنا، وتفتحَ أبصارَنا، وتُعرّفَنا حقيقةَ أنفسِنا، وتُؤدّبَنا، فكان الحرمانُ من بيوتك بما كسبت أيدينا؟
إلهنا، هل تَوَلّيْنا فأردتَ استبدالَنا بقوم آخرين، نخشى أن نكون ممن قلت فيهم:
” وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.
هل ستأتي بقوم غيرِنا تُحبُّهم ويحبّونك؟ فأيُّ أرض تُقِلُّنا، وأيُّ سماءٍ تُظلّنا، إذا حرمْتَنا عفوَك ومُسامحَتَك؟ فيا ربنا لا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا بما فعل السفهاء منا.
هل كفَرْنا نِعمَك، ونسينا شُكرك، فأردت أن تُذكِّرَنا بقولك: ” إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ” ؟
أيكون البلاءُ بهذا الحجم، جنديا من جنودك، فيصيب عبادك بعظيم الهلع، وهل من بلاء أعظم من أن تحرمنا من بيوتك؟
ربنا، لقد ضاقت علينا أرضُك بما رحُبت، ، وضاقت علينا أنفُسُنا، وتَيَقَّنّا أن لا ملجأ منك إلا إليك، وربما بدأت الضمائر تصحو من رَقدتها، وتستيقظ القلوب من غفلتها، وها هي تتضرع إليك بعد أن قَسَتْ،وها قد جاء بعضُ بأسك، وسُدّت المداخل من كل جانب،ولم يبق باب سوى بابك، فلا تردّنا خائبين، ولا عنك مطرودين، ولا من رحماتك محرومين. وها نحن نُقرّ بين يديك أننا لم نَعْصِك استهانةً بك، ولا استهتارا بقدرتك، بل عجزًا، وضعفًا ووهنًا منّا، فأنت الذي خلقتنا من ضعف، ومن تمام ضعفنا أننا نعصيك بالليل والنهار، وبالعشي والإبكار.
فاللهم ارحمنا ما وسعتْ رحمتُك كلَّ شيء، واعفُ عنا ما وَسِعَ عفوُك كلَّ شيء، ورُدّنا إليك ردًّا جميلا ، واجعل لنا من هذا الهمّ فرجا، ومن هذا الضيق مخرجا، وارفع عنا الوباء وعن المؤمنين والناس أجمعين، ولا تُولِّ وجهك عنا، فليس لنا ربٌّ سواك فندعوه، وليس لنا إلهٌ غيرك فنرجوه. وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد، طبِّ القلوب ودوائها، وعافيةِ الأبدان وشفائها، ونورِ الأبصار ودوائها