حلول مناسبة ذكرى الإسراء والمعراج في ظرف الجائحة التي حلت بنا فرصة ثقة في الله عز وجل ورجاء كبير في فرجه جل في علاه يكون قريبا
محمد شركي
لا يجب أن تمر بنا مناسبة ذكرى إسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الظرف العصيب الذي جعل الناس يتوجهون إلى خالقهم ضارعين ليكشف عنهم بلاء الجائحة النازلة بهم دون أن نجعل منها فرصة تزود بالثقة فيه سبحانه وتعالى والأمل في فرج منه قريب .
من المعلوم أن الحديث عن هذه الذكرى العظيمة التي هي معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي على رأسها معجزة القرآن العظيم وهوالذي أخبر عنها . ومن المعلوم أن هذا الحدث العظيم والعجيب قد حدث في فترة عصيبة مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كذبته قريش ، وألبت عليه غيرها من القبائل ، وفقد زوجه خديجة رضي الله عنها ، وعمه أبا طالب وكانا معا يؤازرنه ويقفان إلى جنبه أمام تكذيب المكذبين وجحود الجاحدين ومكر الماكرين .
في هذا الظرف العصيب بالذات، جاءته جائزة الصبر على المكروه من عند رب العزة جل جلاله ، وهي جائزة نال بها مكانة بين أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وكانت الجائزة عبارة عن سفر لم يسافره أحد من قبله صلى الله عليه وسلم ، سفر أرضي تلاه سفر سماوي عرّف خلاله الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام مكانته عنده وعند ملائكته ورسله الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين . لقد كان الحدث العظيم في مقام النبي العظيم الذي طوى له رب العزة المسافات وطوى له الزمن ، وكشف له حجب الغيب ، فرأى من آيات ربه الكبرى التي لم يرها بشر من قبله ، وقد ثبت الله عز وجل بذلك قلبه ليواصل أداء مهمته العظمى وهي هداية البشرية جمعاء إلى صراطه المستقيم ليكونوا من الناجين قبل أن يحين زوال الدنيا بقيامة يقيمها ، ويجمع فيها الأولين والآخرين في يوم سماه يوم الدين، وهو يوم جزاء بنعيم مقيم أو بعذاب أليم في الجحيم .
واستحضار هذا الحدث العظيم لا يكون بمجرد سرد أطواره ، فكل طور فيه يطول عنه الحديث ،و كلها غرائب وعجائب تبهر العقول، وتهز الأفئذة ، ولا تستوعب إلا بقدر ما يكون في الأفئدة من إيمان راسخ بالغيب وهوالخبر اليقين .
ولما كان المقام مقام اعتبار بحلول مناسبة هذا الحدث العظيم ، فإنه يتعين علينا ، ونحن نمر بظرف عصيب بسبب جائحة لم تكن في الحسبان أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد به البلاء ، فصبر ، واحتسب ، ونال الجائزة العظمى التي لا تضاهيها جائزة ، ولم يجازى بمثله بشر من قبل .
لقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذج مناجاة الله عز وجل حين حل به البلاء حيث قال : “
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك “
هذه هي المناجاة التي ناجى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ساعة فقدان الأحبة ، وظلم العشيرة ، وتجهم العدو ، وهي ساعة شدة وبلاء .
وتبدأ المناجاة بشكوى من ضعف قوته البشرية ، ومن قلة حيلته وهو في هذه الحال من الافتقار إلى رحمة ربه ، ومن هوانه على الذين كذبوه ، وباستعطاف ربه بأن لا يكله إلى عدو يتجهمه أو قريب ملّكه أمره . مناجاة لا يبالي فيها بشيء من البلاء إن كان ربه راضيا غير غضبان ، ومع ذلك يسأله سعة عافيته ، وبتعوذ بنور وجهه الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل به غضبه أو يحل عليه سخطه ، ويترضاه بالعتبى حتى يرضى ، ويفرده سبحانه بالحول والقوة .
إن إحياء حدث الإسراء والمعراج، ونحن في شدة بسبب وباء حل بالبشرية وقد أعجزها علاجه و أيأسها الخلاص منه يجب أن يكون سيرا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباعا لنهجه في مناجاة الخالق سبحانه وتعالى إلا أنه عليه الصلاة والسلام ناجاه وهو أحب خلقه إليه ، وقد شهد له بعظمة خلقه ، وعصمه من الذنب ، ونحن على أسوء خلق ، وقد عظمت ذنوبنا ،وملأت ما بين السماء والأرض ، ولم ندخر جهدا في إغضاب جبار السماوات والأرض .
فيا ليت شعري أيحق لنا أن نناجيه سبحانه وتعالى بما ناجاه به خير البرية ؟ وكيف تستقيم مناجاتنا له ،ونحن على هذه الحال السيئة و على هذا الانحراف عن صراطه المستقيم ، وقد تجاسرنا على شرعه وهديه ، وبدلنا ما بلغنا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فغيبناه وأحللنا مكانه أهواءنا ، وما نفخ فيها الشيطان .
ومع ذلك لا مفر منه سبحانه وتعالى إلا إليه، نناجيه كما ناجاه صفيه وخليله وحبه ومصطفاه عليه الصلاة والسلام ،ونحن الآثمون ، ونقول :
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، وهوان كل الناس أمام جائحة أعجزت الجميع ، يا أرحم الراحمين إلى من تكلنا إلى وباء يتهددنا أم إلى خلق لا ينفعنا ولا يضرنا ، ولا يغني عنا شيئا ، نعود بك من غضبك ، ومن حلول نقمتك مقرين لك بالذنب ، لا ننكر منه شيئا ، غير أن عافيتك أوسع لنا يا أرحم الراحمين ، نعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بنا غضبك ، أو تحل علينا سخطك ، لك العتبى يا مولانا حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضا ، ولا حول ولا قوة إلا بك أنت ربنا العلي العظيم.
اللهم إنا نتشفع لديك بحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم الذي ناجاك ، فأكرمته بمعجزة الإسراء والمعراج ، وأريته ومن آياتك الكبرى أن تقبل مناجاتنا لك وقلوبنا منكسرة ، ودموعنا منهمرة ، والبلاء اشتد بنا، وأعجزنا دفعه ،وقلت حيلنا معه أن تجود وأنت الجواد ، وترحم وأنت أرحم الراحمين ، وتعجل برفع البلاء ، وتبدل خوفنا أمنا ، ولا تخيب رجاءنا وأملنا فيك ، فأنت علينا قادر ، ونحن عبيدك الضعفاء المذنبون المستغفرون ، وأنت ملاذنا إليك المفر ، وأنت الملجأ ،ولا حول ولا قوة إلا بك ، فارحم من ناداك وناجاك ، وسألك ، واستعطفك ،وأجر من استجار بك ولا مجير له إلا انت ، وقد وسعت رحمتك كل شيء ، فلا تجعلها يا مولانا تضيق عنا . اللهم إنا نستغفرك عن كل ذنب تعمدناه ، وعن كل ذنب استهنا به ، وهو عندك عظيم أن تنظر إلينا بعين الرحمة والرأفة . اللهم إنا نخشى غضبك وسخطك فأمنا منهما يا مولانا يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا تسألك بأحب أسمائك إليك ألا ترد لنا دعاء ، ولئن رددت دعاءنا يا مولانا فمن ذا الذي ندعوه سواك لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين ، ربنا مسنا الضر ،وأنت أرحم الراحمين ، فلك الحمد مولانا ، والصلاة والسلام على الذي أسريت به في أرضك وعرجت به في سمائك ، وكشفت له حجب غيبك صلاة وسلاما تامين دائمين ما دام ملكك قائما ، وسلطانك مهيمنا ، وجلالك أبديا ، آمين .