ليتني كنت مغربيا
بقلم : بوشعيب حمراوي
.. هكذا صرح لي العديد من الأشقاء العرب والأصدقاء الأوربيون، وهم يتابعون موجة التلاحم والتضامن التي اكتسحت الشارع المغربي وغطت صفحات منصات التواصل الرقمية.. هكذا دونوا وغردوا، وهم يتحسرون على علم لم ينتفعوا به، بل صار وباء ونقمة عليهم. وعلى مال وجاه لم يقيهم زحف هذا الكائن القاتل والغادر، الذي أنجبته مختبراتهم عن قصد أو غير قصد…إيطاليون وإسبانيون وفرنسيون وغيرهم كثيرون.. ودوا لو كان بإمكانهم امتلاك أجنحة، والتحليق في اتجاه المغرب.
هؤلاء يستغربون كيف أستطاع المغرب (البلد النامي)، أن يحد من زحف فيروس كورونا، بعد مرور ثلاثة أسابيع، من تسلله الأراضي المغربية. وكيف أن دولهم التي تفوقه علما وحضارة، تحولت في نفس الفترة إلى مستنقعات للفيروس، ولم تعد قادرة على احتضان كل المصابين بالداء داخلها. امتلأت المستشفيات وغصت الممرات والأروقة، ونصبت الخيام الطبية،. و غم كل هذا تضاءلت فرص ظفر المصابين من مواطنيها، بسرير أو (فرشة أرض)، من أجل العلاج، أو حتى ضمان المتابعة الطبية للخاضعين للحجر المنزلي.. وبات البحث عن فرصة علاج ، كانتظار فرصة الفوز في اليانصيب.
صحيح أن هناك بعض المغاربة سامحهم الله، لم يفطنوا بعد إلى أن المرحلة تتطلب إرجاء كل عتاب أو انتقاد، وأن الوقت لا يسمح بالاحتجاج واللجوء إلى ردود أفعال غير محسوبة العواقب، تضر بأحد شرط للنجاة. والمرتبط بالتقيد اللازم والتام بالإجراءات الاحترازية، التي نعتمد عليها من أجل وقف زحف هذا الكائن المجهول. هؤلاء الذين يرتكبون الحماقات بقطع مدة الحجر المنزلي، والتجمهر من أجل التنديد أو الدعاء … لكنهم قلة قليلة. عددها في انخفاض مستمر. بعد أن بدءوا يدركون خطورة ما يقدمون عليه جرائم في حق أنفسهم وأسرهم وأقاربهم وأصدقائهم والمغاربة كافة وفي حق الإنسانية جمعاء.
تعالوا معي لنجري مقارنة بين ما قد يخسره مواطن لم يتوصل شهادة التنقل خارج منزله. أو منع من تجارة أو تنقل أو تأدية خدمة خاصة .. وبين ما قد يتعرض إليه من ضرر في حالة عصيانه ورفضه الاستجابة.
فحالة تعذر الخروج لعدم توفر رخصة التنقل، أو حالة الاستجابة لنداء الوقاية، قد تكلف صاحبها خسارة يوم عمل، أو ضياع خدمة أو تجارة، أو حتى يوم جوع للأسرة، أو.. لكنه في حالة العصيان وعدم الامتثال للإجراءات الاحترازية. سيكون الضرر أخطر وأشمل.. حين يخرج المواطن إلى الشارع العام متجاوزا كل الإجراءات الاحترازية، التي وضعت لحمايته من الوباء. من أجل الاحتجاج والتنديد، والمشاركة في تجمعات مجانية. حيث يمكن لشبح الإصابة بفيروس كوفيد 19، الانتشار والتمدد بحرية. عدوى الفيروس قد تصيبه من صديق أو قريب أو عابر سبيل. فينقله بدون شعور إلى أفراد أسرته، وكل من يجالسهم بعدها.. فما قيمة خسارة المواطن لمبلغ مالي أو حرمان ظرفي من حاجة أو خدمة.. أمام خسارة العمر، وخسارة أسرة وقتل أناس أبرياء وتدمير بلد بأكمله.
ها هو الشعب الإيطالي يحصد حصيلة ما جناه على نفسه من تهور ولامبالاة. الإيطاليون أصروا على الاحتفاء بعيد الحب يوم 14 فبراير 2020، دون أدنى احتراز أو حماية.. حيث قضى الإيطاليون ومعهم المئات من السياح الأجانب، بعضهم حلوا من موطن الوباء (الصين)، ليلة حمراء، كلها عناق وتقبيل واحتكاك جسدي. فكان لهم يومها ما أرادوا من زهو ومتعة. كما كان بعدها للدخيل (كورونا) ما أراد.. وتمكن من إيجاد المناخ الخصب للتوسع والانتشار والفتك بهم. إذ بعد أسبوع فقط، تمكن قتل أول إيطالي.
لو فطن الإيطاليون لما قد يتعرضون له من ضرر، لاكتفوا بإهداء أحبتهم، قناع ومطهر وقفاز وباقة ورد. بلا سلام ولا كلام، أو حتى بطاقات بريدية. خصوصا أن الأمن البحري الإيطالي سبق واحتجز نهاية شهر يناير (قبل عيد الحب)، ما لا يقل عن 6 آلاف سائح، كانوا على متن سفينة سياحية، وذلك لحين اختبار صحة امرأة صينية، والتأكد من عدم إصابتها بفيروس كورونا. وهاهي الدولة تغوص في بركة الوباء. وزاد ارتفاع عدد المسنين بها (نحو 23.3% من مواطنيها فوق سن 65)، من خطورة الوضع داخلها.حقيقة أقر بها رئيس الصليب الأحمر الصيني (صن شوبينج)، الدولة التي تغلبت على الوباء واحتفت بانتصارها. قال إنه وقف على عدة ثغرات في طرق تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية. وأن إجراءات الحجر المنزلي لم تكن جادة.
فليعلم المواطن المغربي، أن عزيمته وتلاحمه وتضامنه، هو من سيمكنه من تخطي الأزمة. وأن العالم بأكمله، يتابع كيف أن هناك أسلحة أخرى تفوق العلم والطب، يمكنها القضاء على فيروس كورونا. وأن تلك الأسلحة، هي صناعة مغربية مائة في المائة. هي مزيج بين الشجاعة والحب والوفاء والوطنية الحقة. خلطة يصعب الجمع بين كل مكوناتها الروحية الأصيلة. مكنت المغاربة من تحصين أنفسهم وتقوية مناعتهم بحمل شعار (الوقاية خير من العلاج).
فكما اعتكف الأطباء والخبراء والعلماء داخل المختبرات الدولية من أجل إيجاد لقاح مضاد لفيروس كوفيد 19. فإن المغاربة يدركون أن انتظار اكتشاف العلاج سيكون طويلا. وأن آلة القتل الكورونية ماضية في حصد الأرواح. لذا قرروا الاعتكاف داخل منازلهم، والالتزام بكل شروط السلامة والوقاية، من أجل إرهاق الرحالة الصيني. وإرغامه على مغادرة بلدنا.
لن ننتظر اكتشاف علاج قد يتطلب أشهر و ربما سنوات. فاكتشاف أي دواء أو لقاح وخصوصا المضادات الحيوية للفيروسات، يتطلب بالإضافة إلى نجاعة ونباهة الأطباء و العلماء بمختلف اختصاصاتهم.. مدد زمنية ليست بالقصيرة. وقد تمتد إلى عدة سنوات. من أجل الوقوف على مدى فاعلية اللقاح، وتفادي تعريض مستعمليه لمضاعفات صحية جانبية، قد تكون أخطر.. وهو ما قد يفتح للفيروس فرص الانتشار واكتساح كل الشعب.
فاللقاح قد يتم اختباره على الفئران مثلا أو القردة أو غيرها من الحيوانات التي يرى الأطباء أنها ضرورية كاختبار أولي.. وتتطلب التجربة عدة أشهر من أجل الوقوف على فعاليته ومن أجل التأكد بأنه لم يخلف أية مضاعفات جانبية. بعدها يتم الانتقال لاختباره على الإنسان. وإن تبين نجاحه. فعليهم انتظار عدة أشهر وربما سنوات للتأكد من أنه لن يصيب المعالج بأمراض أخرى جانبية. وعند التأكد من كل تلك المراحل.. تعمل الأطر الطبية على مزج اللقاح بمواد أخرى كيماوية تتطلب وقتا لإيجادها، تمكن المريض من تفادي تعرض مستعمليه، لتلك المضاعفات. وبعدها تتم تزكيته من طرف الجهات المختصة دوليا وكذا منظمة الصحة العالمية. ليبدأ استعماله .. وعندما يخرج الدواء للبيع.. سيجد فيروس كورونا وحده يسكن المغرب..