بركة الوطواط
بقلم : محمد العرجوني
اليوم كنت مع حلم آخر. حلم نصفه من واقع مضى والنصف الآخر من حلم حقيقي.
أخذت إذن قيلولتي الحجرية/الكورونية وأنا أفكر في الخفاش أو الوطواط، كما يحلو لي تسميته وكلي غضب على الصينيين الذين قيل إنهم السبب في تسريب عدوى الفيروس الذي نقلوه عن هذا الكائن الذي نسجت حوله قصص مأساوية في جميع الثقافات. وتذكرت نصا علميا كنت درسته لما سمي فيما بعد بالجذوع المشتركة والذي يحاول، من خلاله، رجل العلم تبرئة هذا الكائن من كل التهم التي ألصقت به في كل الثقافات ظلما وعدوانا. وبالمناسبة وأنا سارح في ذكرياتي تذكرت قصصي او قصص أطفال جرادة مع الخفاش. في الصيف مع الغسق. كان هذا الكائن يخرج في سرب وكنا نرميه بالتراب او بالحجر فيتفرق السرب، ثم يجتمع. ونسمع أمهاتنا تصرخ : ابتعدوا عن “طير الليل”… هنا غفوت… وحلمت….
أنا طفل. ممدد. بطني تؤلمني. أسرع في كل لحظة إلى المرحاض. المغص يؤلمني. وجهي شاحب. أمي تراقبني وتمدني بالماء. تطلب مني ان آكل. لكن شهيتي غائبة. يدخل أبي راجعا من الشغل. يتأسف وانا على هذه الحالة. تقول له أمي : لم يأكل شيئا…” كرشه جارية” الإسهال هدّه … ربما ضربة طير الليل…
فينهض أبي من غير اكل. يقودني إلى حمام الحي : حمام علي بنعيشة. لم يكن بعيدا. كنا نسكن بالقرب منه. لماذا الحمام؟ ليس من أجل الاستحمام. هناك كان يوجد شخص إسمه السي مبارك. كان رحمه الله يشتغل بالحمام وفي نفس الوقت كان معروف عنه انه مختص في “إشفاء ضربة طير الليل”. كيف؟ كان يأخذ نصف شفرة… من غير تعقيم… ثم يتمتم ويبدأ في فصد الطفل المريض. يفصده على مستوى الصدغين بضربات خفيفة ومسرعة مع تمتمات غير مفهومة… ينزف شيئا ما، الطفل الشاحب من صدغيه… فيطليه وراء الأذنين بقليل من القطران… تعرضت لنفس الطقوس…. بكيت في صمت من ألم الفصاد… ورجعنا إلى المنزل… معطر برائحة القطران و أسرعت لأفرغ بطني… متألما أيضا من كثرة الإسهال…
الحلم غير الواقعي :
وانا في قيلولتي رأيت وطواطا حط على كتفي. فهمس في أذني : قم! أنت “مسقى” (أي أصبحت لمناعتي مضادات) … منذ طفولتك من فصيلتنا… لن يؤذيك فيروس كورونا… قم فلك قوة الإشفاء… خذ نصف شفرة كالسي مبارك… وافصد كل عليل… يشفى… لك منا بركة الخفافيش بكل أنواعها… انت مختار ديمقراطيا…
قمت خائفا وفي نفس الوقت فرحا، فأخبرت من هم من حولي. اعتقدوا أنني فقدت صوابي من كثرة الحجر. ومن حسن حظي سمعنا دقات على الباب. فتحت الباب. فارتمت سيدة علي، وهي تبكي : أنا مصابة بكورونا… وانت الشافي… هذا ما رأيت في منامي…
إنبهرت… لم اصدق… لكن أدخلتها… والكل كان مذعورا… أخذت شفرة… فصدتها… فزغردت… وخرجت…
فلم تمر بضع لحظات حتى توالت الدقات على الباب… خرجت… إستغربت… كان هناك طابور أطول من قطار رواية أكاثا كريستي … كلهم على علم بقوتي الخارقة…. وطبعا مع الأيام كنت في حاجة إلى نظام… فوظفت طواقم مختلفة التخصصات لمساعدتي…
وكالعادة رايت بعض جواسيس المخابرات العالمية… فكان خوفي ان يتم اختطافي… من قبل بعضها….
استفقت… حامدا الله… وفي نفس الوقت متألما… لانني لا أستطيع فعل أي شيء… في ظل الجائحة… سوى أن أبقى على الحجر… والنوم…. والحلم….
محمد العرجوني
خلال الحجر 08-4-2020