ثابت الدِّين في زمن الوباء
كمال الدين رحموني
في زمن الوباء، تغير كلٌّ شيء – تقريبا-، وكما أحدث الوباء “انقلابا” على مستوى الفهم والتقبّل والتفاعل، وخلّف ضغطا مختلِف الآثار، بفعل “صدمة” الوباء، كذلك فَعَلَ على مستوى منظومة البنية الاجتماعية من عادات وتقاليد، وممارسات، ونظامِ حياة يومية، و”خلخلة” قيم ثابتة، وتعطيل مشاريع مستقبلية. والمقصود بالتغيير جانبُه الإيجابي، بحيث برز كثير من التغيير من خلال مظاهر إيجابية ظلّت مطمورة في ثقافة المجتمع المغربي، بفعل هيمنة الحياة المادية، وانشغال الناس بالقوت اليومي ، والسعي لتحسين مستوى العيش الكريم. وحين ظلّ المواطن يصرف جامَ اهتمامه على هذا الهدف، – وفي غياب التوازن المطلوب في الأخذ بنصيب الحياة بقدَر، أي التوازن بين المطلوب دنيويا، والمرجوِّ أخرويًّا، توارتْ بعض القيم الإيجابية التي تربت عليها أجيال توارثتْها كابرا عن كابر، بفعل تشبُّع هذه الأجيال بعامل موضوعي، يتمثل في الدين باعتباره رافدا أساسا في حياة المغاربة. وقد كشف الوباء منذ بدايته، – بالرغم من ضمور كثير من هذه القيم-، كيف لازال عامل الدين حاضرا بفطرة الخير التي أودعها الله في النفوس، فلا يكاد يخلو حديثُ مستجوَب في وسائل الإعلام، بمختلف مواقعهم الوظيفية والاجتماعية، إلا ويختم حديثه بعبارات، تؤكد ثابت الدين في الأزمة، و تُرجع أمر الوباء إلى الله ومشيئته، وتجأر إليه بالدعاء لرفع الوباء، مما يترجم حضور البعد الديني في حياة الناس، بالرغم من تواريه، إما اقتناعا أو تقاعسا أو ممارسة، إلى أن أحياه الوباء مِن ضمور، وضخّ فيه معنى الحياة من جديد. ومن تجلّيات حياة القيم التي كان للوباء-بعد الله- الفضلُ في إحيائها، كثيرٌ من السلوكات الإيجابية، التي اندفع إليها كثير من الفعاليات، والهيئات، والمجموعات الشبابية: إسهاما ، وإبداعا، وتوعية، وتجنُّدا من أجل التخفيف من وطأة الوباء. وما أجمل أن تُقرَن كلُّ الفعاليات، ومقاربة التعبئة الوطنية في مواجهة الوباء، بالعنصر الغائب -لحد الآن- الذي يزيد في تعزيز هذه التعبئة، ويعظظ الفرح بالعمل الذي يبذله الناس، في هذه الظروف، ألا وهو عنصر الدين، وأثره الإيجابي في تحفيز المغاربة على الاستمرار ومواصلة هذا العمل الصالح، وبيان قيمته، والإشادة بهذه التضحيات التي يقدمها المغاربة، وعلاقتها بالأجر والثواب الذي أعده الله لكل من ينفع الناس، بل حين يعلم المسارعون إلى نفع الناس بالجزاء الرباني العظيم، فإنَ الحافز المعنوي لديهم يزداد، ومنسوبَ التطلع إلى الأفضل يرتفع، ذلك بأن نفع الناس يجلب محبة الله، فقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا رسول الله ! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله ؟ فقال : أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل، سرورٌ تدخلُه على مسلم، تكشفُ عنه كُربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطردُ عنه جوعا، ولَأَنْ أمشيَ مع أخ في حاجة، أحبُّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا.”رواه الطبراني . هذا في الظروف العادية فكيف في حالة الوباء المنتشر، وقد أصاب الناسَ الفزعُ والهلع، أليس أجرُ العمل الصالح فيه يتضاعف؟ ولذلك حريٌّ بوسائل الإعلام، أن تُضيف إلى حسناتها الكثيرة في تغطية الوباء، تحسيسَ الناس بهذا المعطى من خلال استضافة أهل العلم، لكون الدين يمثل الخزّان الروحي للمغاربة، لربح رهانين في آن والحد: رهانَ التغلّب والحدّ من آثار الوباء، ورهانَ الرصيد الأخروي الثري الذي يترتّب على كل عمل فيه نفعٌ للناس.
والله من وراء القصد.