“الحِجر الصحي الإلزامي وضرورة استدراك الثغرات”
الدكتور محمد بنيعيش
شعبة الدراسات الإسلامية
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب
أولا:الحجر الصحي بين الحتمية الطبية والشرعية والسياسية
مهما قيل ويقال وسال ويسال من مداد ،ومهما رصد وخطط فلا بد من وجود بعض الفجوات عند التطبيق الأول لأي مشروع وعمل جاد وهادف.تلكم هي طبيعة العمل البشري الذي يتأرجح دائما بين الطموح والتعثر وفي النهاية الوصول.
وموضوع الحجر الصحي في ظل أزمة الفيروس كوفيد 19 والمصطلح عليه إعلاميىا وعاميا بفيروس كورونا لهو مما طرأ ففرض حالة الطوارئ.أي أن هناك مناسبة بين طبيعة الموضوع وضرورة الإجراء.
وفي لقاء إذاعي بوجدة في شرق المغرب بلدي الحبيب ،وقبل فرض الطوارئ بيوم كنت قد اقترحت هذا الحل عند الاقتضاء والضرورة واعتبرت أن الالتزام به يدخل ضمن الحق العام من الناحية القانونية،وأن عدم الاستجابة له بمثابة انتحار جماعي،على وعي متواضع مني بالخطورة والطبيعة الانشطارية للوباء ،وخاصة بهذا الحجم الكوروني المستعصي.كما أنه بالنسبة للمسلمين وفي بلد مثل المغرب ،كغالبية البلدان العربية ،يخضع للمراتب الثلاث الملزمة عقديا وفقهيا بضرورة الطاعة مصداقا لقول الله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”.وهذا يعني أن المواطن ينبغي أن يلتزم بالحرف لمقتضيات ما تصدره الدولة من قوانين تصب في صالحه ،ليس كفرد فقط ولكن كجماعة وأمة.وإن لم يلتزم فقد يطبق عليه الأمر بالقوة ويستعمل في حقه الزجر المناسب مع خطورة الوضع ومقتضياته.والحال عند وباء كورونا لهو من أشد المخاطر ، وبالمقابل فينبغي أن تقابله أشد الزواجر.لأن الأمر هنا ليس حرية فرد في قول أو فعل أو حق أكل ولبس وتنزه، وإنما هو خيار بين الموت والحياة لا وسط بينهما.إذن لا توسط في الردع ولا مجاملة وإنما الحزم ثم الحزم ثم العزم.ولا يعذر أحد بجهله للقانون ،هذا في الحالة العادية فما بالك بالوضع الاستثنائي .
وربما يتوهم البعض بأن الأمر فيه شدة وغلظة ،ولكن ما لنا من حيلة ،فآخر الدواء الكي !.وخاصة حينما لا يريد البعض أن يفهم هذا المعنى ويتمادى في ظلمه لنفسه وغيره ،بل للأمة ككل . هذا يتذرع بالفقر وذاك بالملل وآخر بالكساد ،وهلم جرى من دعاوى حق ولكن وراءها وفي طيها باطل وضرر عام.فلم يكن ليعي البعض بخطورة الموضوع المادي ولا بأبعاده الدينية والروحية المترتبة عن العصيان واختراق الحجر الصحي عنوة وخلسة وما بين ذلك.وفي هذا الصدد يمكن أن نستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم :” إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه”.وأي ظالم أظلم ممن يعرض نفسه ومجتمعه للموت المجاني المحقق جهلا وتجاهلا ،وتحديا باطلا واستنكافا.حتى إننا قد نرى كثيرا ممن لم يلتزموا شروط الحجر يتصرفون وكأنهم في ممانعة وخارج التغطية الإعلامية والواقع العالمي . فلا هم التزموا بيوتهم ،ولا هم التزموا المسافة الوقائية فيما بينهم ،ولا هم وضعوا كماماتهم ،ولا هم سكتوا عن ترهاتهم واستهتارهم.مما يعني أنهم يعرضون أنفسهم وغيرهم لتعميم العذاب.أي المساهمة المتعمدة لانتشار الوباء الذي هو عذاب حقيقي بكل المقاييس.وهذا بالمفهوم العام الطبيعي أما الحكم الإلهي فلا نملك أن نقرر فيه .فقد يكون عذاب وليس عقاب وقد يكون عقاب ولا عذاب وقد يكون عقاب مع عذاب وهذا أشد وأخطر مآل. وتعريض الناس للوباء وانتشاره هو بمثابة تعميم العقاب.أي نكون نحن من فتح له الباب وزاد الطين بلة وأوقع الأمة في غضب عام وعارم.
وللحيلولة دون الوقوع الجماعي في هذا العقاب فينبغي إيقاعه على مستحقيه ممن خرقوا القوانين أولا وبالعمد ،ثم على الذين خرقوه على غير عمد ولم يأخذوا الاحتياط والحذر.والقرآن الكريم يقول للمؤمنين”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا، وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ، وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا”.
ثانيا:الواقع الاستثنائي والحزم في سد الخروقات
فنحن في حرب ،وقوانين الحرب لها خصوصيات وطوارئ قد يصاب فيها المذنب والبريء والمحارب والمدني.ولكن في توقيع الزجر على العموم صلاح الأمة كما قال زياد بن أبيه – أبي سفيان- بعد خطبته البتراء المشهورة، كأول إعلان حالة للطوارئ في التاريخ،والتي كان من بين ما منع فيها: الخروج بليل بعد صلاة العشاء ،حيث كان يوقع بالمخالفين أشد العقوبة ،لمن علم ووصله خبرها ومن لم يصله.حتى قيل بأن أحسن وآمن فترة عرفها العراق كانت في عهد زياد بن أبيه.
وهذا الإطناب في شرح خطورة الوضع قد جرني إليه ما رأيت مؤخرا ،مع تصاعد الإصابات والبؤر الوبائية الكورونية ، من خروقات لدى بعض المتهورين في كثير من الأحياء الهامشية أو التي تقع أغلبها خارج مركز المدينة ،حيث يقل حضور رجال الأمن والسلطة بشكل ملفت للنظر ،وهذا مما يشجع البعض على أن يفعل ما يريد ويخرج متى يريد،طالما لم ير عسكريا ولا شرطيا ولا قائدا …وهنا قد تتولد البؤر الوبائية المركمة، وتهدد الجهود الجبارة والراقية التي تقوم بها الدولة بكل أطرها وأعوانها.ومن هنا فقد يقول البعض بأنه لا يمكن عمليا احتواء الكل ،ومن رأى فليبلغ.وهذا كلام جميل ومعقول !ولكن حينما يكون النضج والوعي كاملا لدى الناس جميعا !.أما غير ذلك فيكون كمثل المشجعين المراهقين أو التلاميذ المشاغبين الذي يتحينون غيابا مؤقتا للمعلم فيشغبون ويلعبون ويكسرون ويخسرون،فتكون العصا حينئذ هي الحل الأنجع والأوجع !.
وحيث إن الأمر هكذا ولكي يبقى وطننا ودولتنا وشعبنا رائدا على الدوام وأنموذجا في محاربة هذا الوباء فأقترح بعض الحلول كطريقة للكشف والتصدي والإعلام المبكر للخروقات قبل الكشف عن كورونا نفسها.لأن هذه الأخيرة إذا لم تجد معاونين لها فإنها حتما ستموت قبل أن تميت : وستقف عند حدها في الوقت المناسب وبأقل الأضرار إن شاء الله تعالى.ومن بين هذه الاقتراحات:
الإلزام الصارم بالكمامات عمليا ولا يتساهل في الأمر أو يغض الطرف عن الأشخاص بمجرد أنهم يلفون حول أعناقهم قطعة من القماش لا تكاد تغطي أذقانهم ،فلا هي كمامة ولا هي عمامة.
التنظيم الوقائي بحصر المسافات بمقدار مترين على الأقل بين الأشخاص عند التبضع لدى الدكاكين أو الإدارات العمومية ووسائل النقل المحلي،وذلك بخط خطوط عند الوقوف أو حواجز وتباعد.هذا مع إعطاء تعليمات لأصحاب المحلات التجارية للإمتناع عن المصارفة مع كل مخالف للقوانين الجاري بها العمل.
القيام بدوريات للشرطة ،خاصة ودائمة، داخل الأحياء الشعبية بالنهار أكثر من الليل،تتكرر كل ساعتين أو ثلاث ساعات ،إما بشكل رسمي أو بصورة سرية مع تسجيل نسبة الاختراقات والإعلام بها حالا، وتفريق المتجمعين بالقوة والعنف اللازم كعبرة للآخرين.
توظيف الدرون drone أو الطائرات المسيرة لرصد نسبة الخارجين ،مع تكثيف المراقبة،و على إثر ذلك العمل على احتواء المنطقة.وللمسؤولين واسع النظر في ذلك ،مع التركيز على عدم التراخي واستحلاء الآمال والأحلام الوردية قبل أوانها ،فمن استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه كما يقول الفقهاء.
كل هذا من أجل مصلحة هذا الوطن والمواطنين ،وحماية مكتسبات الأمة ودعم وتأييد المجهودات الرائدة والمخلصة لعاهل البلاد الملك محمد السادس وكل مسؤول وفي وغيور على هذا الوطن المغربي العزيز، وإعطاء نموذج راقي لكل الأوطان المحبة للسلام والعافية،والوقاية خير من العلاج .” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ”.