المحاكمات عن بعد في زمن “كوفيد 19”: تقنية “سكايب” كنموذج بين الوسيلة الآلية والمخاطر القانونية
الأستاذ :عصام الزياني.
كانت أول تجربة في المغرب في اعتماد نظام الاتصال عن بعد لاستنطاق المتهم سنة 2016 بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء. حينها صرح السيد وزير العدل مصطفى الرميد قائلا: “لن يتم استخدام تقنية الإتصال المرئية والمسموعة إلا في قضايا المتهمين غير الجاهزة للمناقشة “.
تماشيا مع هذه التجربة الأولى، تم العمل على إدراج مسألة المحاكمة بالآليات السمعية المرئية من ضمن مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية، لكن التردد والتأخير في المصادقة عليه بعد مرور خمس سنوات من تسطيره، وأثناء الوضعية الراهنة الحرجة للغاية يجعل مسؤولية تقصير للجهات المعنية قائمة بذاتها ومسؤولة عن التضاربات الحاصلة الآن.
وقد عرفت سنة 2020 زمن تفشي ظاهرة وباء كورونا وتوفير وزارة العدل للمحاكم خدمات التواصل عن بعد لاستعمالها في الجلسات المتعلقة بالأشخاص الموجودين رهن الإعتقال قصد مناقشة القضية مع المتهم وهو في السجن، لكن في نظرنا يبقى اعتماد الخدمة المذكورة كوسيلة اتصال تجريبية مجانية أو اشتراكية حسب الأحوال ولابد من استحضار مسألة تسجيل المحفوظات وملفات الإرتباط المتعلقة بقضية المحاكمة من عدمها، ومسألة مسؤولية مستخدمي الخدمة عن الأخطاء المحتملة وقوعها أثناء انعقاد الجلسة.
وحيث أن بلادنا تمر من حال عصيب واستثنائي يحتاج إلى بذل جهود وتعاون جماعي تشاركي مع وضع حلول بديلة لتجاوز الفترة الراهنة دون خرق القوانين المسندة والمعتمدة في المحاكمة العادلة ودون إقصاء رؤساء الهيئات القضائية والمؤسسات المهنية، القلب النابض لجهاز العدالة، لم يتم استحضار مقتضيات المادة 307 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على : “إذا تعذر مناقشة القضية أثناء الجلسة قررت المحكمة مواصلتها في تاريخ معين تحدده فورا” إنه الحل الجذري الذي يجعل القاضي يشتغل في ظروف عادية وفق القانون ويباشر البت في طلبات السراح المؤقت دون حضور المتهم ويجعل المحامي يباشر المساطر القانونية في نفس الظروف المتاحة للقاضي وفي إطار مؤازرته للمتهم يتولى تقديم جميع الطلبات المبررة كالسراح، ويجعل المتهم أمام محاكمة عادلة.
وحيث إن الشروع الآني في تفعيل وتطبيق خدمة المحاكمة عن بعد دون تعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية سيؤدي لا محالة الى طرح العديد من نقط الاستفهام لاسيما في الأحوال التالية:
-أولا: مناقشة القضية في غياب المتهم والحال أن قانون المسطرة الجنائية اشترط الحضور الشخصي للمتهم بناء على المواد 311 و 312 و 314 و 318 .
-ثانيا: تجهيز القضايا الجنائية والجنحية التي يكون فيها المحامي إلزاميا طبقا للمادة 316 من قانون المسطرة الجنائية. اذن كيف يتسنى للقاضي تجهيز مثل هاته القضايا دون تعيين محامي في إطار المساعدة القضائية من طرف مجلس الهيئة المنتمي إليها والتي قد تكون عبرت عن رفضها لتقنية المحاكمات عن بعد في القضايا الجاهزة.
-ثالثا: مبدأ علنية الجلسات والاستماع إلى الشهود أو ضحايا بعض جرائم الاغتصاب ذات الطابع الشخصي. هل يتم الإستماع إليهم عبر نظام التواصل دون رؤية وجوههم وبشكل فردى حسب المادة 330 من قانون المسطرة الجنائية ؟
-رابعا: حيث إن المادة 338 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه يجب على كاتب الضبط أن ينص في محضر الجلسة على هوية الشهود والى اليمين التي أديت و يترتب الإخلال بذلك بطلان الحكم أو القرار، لكن كيف يتم التأكد بأن الشاهد الحاضر هو نفسه الشخص المصرح في محضر الضابطة القضائية؟ وكيف يصح إجراء مواجهة بينه وبين المتهم طبقا للمادة 342 !
-خامسا: امتناع المتهم من داخل السجن على التواصل مع هيئة الحكم عبر الخدمة السمعية والمرئية وأحدث اضطرابا، هل تفعل ضده مقتضيات المواد 358 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية؟ أم يمارس في حقه الإكراه؟ للموافقة فالقاضي حينها كيف له حماية حقوق المتهم والمحامي كيف له الدفاع عن حقوق المتهم؟ والحال أن تلك الحقوق انتهكت منه .
– سادسا: إن الخدمة المراد اعتمادها تدخل في عالم المعلوميات والتكنولوجيا الرقمية الحديثة، فماذا عن اقتحام الخدمة من طرف الهاكر وقرصنة الصوت والصورة لتغليب مصلحة إحدى المتقاضين سواء مصلحة المطالب بالحق المدني عن المتهم أو العكس.
على ضوء تلك الأسباب أو غيرها عملت بعض نقابات هيئات المحامين برفض اعتماد مقترح المحاكمة عن بعد حفاظا على مصلحة المتهم وردا على جزاء الآراء الفردية غير التشاركية.
الأستاذ :عصام الزياني.
محام لدى هيئة وجدة