مشروع القانون 22.20 بين الإيجابيات والسلبيات وضرورة سد الفراغ التشريعي
ذة . سليمة فراجي
بعيدًا عن المزايدات ،وعن أسباب النزول التي تزامنت مع تفشي وباء كورونا، وسن قانون الطوارئ الصحية، ومحاولة تمرير قانون قد يمس بحرية التعبير في ظروف صعبة تتطلب التآزر والتعاضد .
وبعيدا عن تصفية الحسابات بين مكونات الحكومة ، واختلاف وجهات النظر ، وكون تنزيل نص تم في وقت يقتضي التعبئة والانضباط ، ووحدة وطنية وتلاحم الشعب مع مؤسسات الدولة في وقت عصيب ،بدل الدخول في متاهات تسريب نص لم يخضع للمصادقة النهائية نظرًا لكون صياغة بعض نصوصه قد تكون فضفاضة أو غير مطابقة لمقتضيات الدستور والمواثيق الدولية , علمًا ان الفصل 175 من الدستور الذي ينص على مراجعة الدستور لا يمنح إمكانية المراجعة متى تعلق الأمر بالمكتسبات في مجال الحقوق الأساسية والحريات فبالأحرى خرقها بمقتضى قانون ، واذا كان الدستور يكفل حرية الفكر والرأي والتعبير، فانه يضمن أيضًا بقوة الفصل 24 الحق في حماية الحياة الخاصة للأشخاص ، وضمان عدم انتهاك ونشر ما يلحق الأضرار بهم .
بعيدًا عن ردود الأفعال من طرف من كلف نفسه عناء الاطلاع على المشروع ،ومن لم يكلف نفسه هذا العناء واختزل مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، في بعض النصوص القابلة للنقاش والمناقشة والتعديل والتجويد و ما سينبثق من تفاعل مع ملاحظات ومستنتجات وزارة حقوق الإنسان ، وبعض المؤسسات الدستورية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، وملاحظات الجمعيات الحقوقية ، ولمَ لا إرفاق المشروع بدراسة حول اثاره المنصوص على مسطرتها في المادة 19 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة ،والتي تضع على عاتق رئيس الحكومة بموجب قرار إرفاق أي مشروع يرمي الى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة لتقييم جدوى القانون وجودته .
علما ان التشريع يعتبر من اختصاص البرلمان ومن سلطاته طبقًا للفصل 70 من الدستور وهو الذي يصوت على القوانين ،ولو ان الأغلبية الحكومية لها أغلبيتها البرلمانية وبالتالي قد تهدد بامتلاك عصمة القانون ، وان رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان صرحت ان المجلس سيبدي رأيه إثر جاهزية المشروع و إحالته عليه من طرف البرلمان ، الشيء الذي نستنتج من خلاله ان المشروع لن يمرره البرلمان بعصا سحرية بغرفتيه، ولن تتم المصادقة عليه الا بعد إحالته على اللجنة البرلمانية وخضوعه لمجموعة من المساطر وبرمجة أيام دراسية بشأنه باشراك الخبراء ، والتشاور في إطار مقاربة تشاركية وإخضاعه لمناقشة وتعديلات النواب البرلمانيين وهذا ما وقع لما تم عرض مشروع القانون الجنائي الذي ارتفعت الأصوات ضده و وصف آنذاك بالماضوية passéiste ولا زال عالقا برفوف لجنة العدل والتشريعي في انتظار المصادقة عليه ،منذ الولاية البرلمانية السابقة .
بعيدًا عن كل هذه المعطيات والملابسات فإن مشروع القانون المثير للجدل ،واذا استثنينا بعض النصوص الموجبة للإسقاط أو النصوص الفضفاضة التي تتطلب التوضيح والتجويد و مراعاة ضوابط الضرورة والتناسب بين العقوبة المقررة للفعل المرتكب والضرر الحاصل ، مثال ذلك المواد 14-15-18 والتي ربما يفهم منها انه شرعت حماية لمصالح اقتصادية ضيقة أو المادة 17 أو المادة التي قد يستنتج منها ان تجريم تصوير واقعة اعتداء أو عنف جسدي سيجعل المعتدين يفلتون من العقاب في غياب توثيق الاعتداء المعتبر حاليا وسيلة إثبات تمكن المواطنين من مطاردة الجناة ، لذلك باستثناء بعض المواد التي تتعارض مع الفصل 25 من الدستور الذي يكفل حرية الفكر والرأي والتعبير للجميع ، مع مراعاة الفصل 24 الذي يعطي الحق لكل شخص في حماية حياته الخاصة ، فان المشروع بعد إسقاط وتجويد ومراجعة بعض المواد سيعمل على سد الفراغ التشريعي ويحد من الميوعة والتفاهة ونشر الأخبار الزائفة الماسة بسمعة الأشخاص وشرفهم ، أو الماسة بالسير العادي لمؤسسات الدولة عن طريق نشر محتويات إلكترونية زائفة ومسيئة للوطن ،وقد لاحظ الجميع باستنكار كيف اصبح كل ناشر غير صحافي يلجأ إلى بت ما شاء من التصريحات الزائفة والمسيئة إلى المؤسسات والأشخاص وأحيانا بنوايا غير بريئة وموجهة من طرف من له مصلحة في المساس بالنظام العام ويتقاسمها احيانا اخرون بدون سوء نية ، أو كيف يتم انتحال هوية رقمية للغير بقصد تهديد طمأنينة الأغيار .
ولعل الفراغ التشريعي الذي يعرفه مجال نشر الأخبار الزائفة ونشر التفاهة والمس بسمعة المؤسسات والأشخاص في الفضاء الإلكتروني تقتضي تدخل المشرع من اجل سن قانون ينظم هذا المجال لان التطور الهائل لوسائل التكنولوجيا الحديثة، جعلت نقل الخبر ليست مهمة محفوظة للصحافي فقط وإنما اتسع مجال نشر الأخبار والوقائع والمعلومات الصحيحة والكاذبة والمزيّفة لغير الناشرين الصحافيين ، وأضحى التشريع الخاص بالصحافة والنشر، تشريعاً محدوداً لضبط هذه الظاهرة ولا يمكن تطبيقه على غير الصحافيين المحترفين ، لان هناك فرق بين حرية الصحافة والنشر ، وحرية التعبير ، فالصحافة مهنة منظمة يحدد القانون شروطها وينظم كيفية اشتغالها ويتحمل مدير النشر المسؤولية عما يتم نشره طبقًا للمادتين 17و95 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر ، في حين ان الناشر غير الصحافي مسؤول شخصيًا عما ينشره ، ولهذا السبب استثنى مشروع القانون 22.20 في مادته الرابعة الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحافيين وهي نقطة إيجابية تحسب له ، على اعتبار ان مهنة الصحافة منظمة بقانون يقيدها بشروط ويوفر لها ضمانات ،علماان الفصل 72 من قانون الصحافة يعاقب بالغرامة فقط على نشر الأخبار الزائفة دون العقوبة السالبة للحرية، وطبعًا يتعلق الأمر بمن يحمل صفة صحافي مهني، وليس المواطن العادي الذي اصبح ينشر ويوزع ويبت الأخبار الزائفة المسيئة للأشخاص الذاتيين والاعتباريين والذي لا يمكنه الاستفادة من ضمانات القانون المخصص للصحافيين المهنيين .
كما ان قانون محاربة العنف ضد النساء لا يعتبر آلية تجريم جميع الأفعال المرتكبة عبر الفضاءات الإلكترونية والمعتبرة مساسًا وانتهاكا عبر محتويات إلكترونية زائفة في حق الأشخاص والمؤسسات ،اذ اقتصر في الفصول 1-447و2- 447 و 3-447 على تجريم التقاط أو بت أو توزيع الأقوال والمعلومات الصادرة بشكل سري دون موافقة أصحابها ، وتوزيع الصور وتثبيتها أو توزيعها لشخص في مكان خاص دون مرافقته ، أو بت وتوزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو توزيع ادعاءات كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم ، مما يتجلى معه أن القيام بنشر وترويج المحتويات الإلكترونية المتضمنة للأخبار الزائفة التي تلحق الأضرار بشخص ذاتي أو اعتباري وهو الفعل المجرم بمقتضى المادة 19 لم تكن محل تجريم من طرف القانون 103.13 اذ استهدف حماية الحياة الخاصة للأشخاص ولم يتطرق لجميع الأفعال التي ترتكب اليكترونيا في مواجهة الدولة و مؤسساتها وتلحق ضررا بالسلم والأمن الاجتماعيين .
ولعل ايجابيات المشروع وبغض النظر عن مناقشة قاعدة التناسب تتجلى من جهة في سد الفراغ التشريعي الذي لا يعوضه القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ،لكون فصول المتابعة لم تمكن النيابة العامة من ايجاد الأساس القانوني والنص الذي يجرم بعض الأفعال ، و كون قانون الصحافة لايخص الناشرين غيرالصحافيين ، الشيء الذي يجعل مشروع القانون 20.22 بعد تجويد مواده مواكبا لتخليق النشر الرقمي وللتحديات الراهنة للتكنولوجية وسرعة انتقال وانتشار الصور والمعطيات والمعلومات الزائفة المعتبرة مساسًا بالسلم والأمن الاجتماعيين وانتهاكا لحرمة الأشخاص واعتبارهم ، وبالتالي فان المواد المعتبرة إيجابية بعد طرحها للتجويد هي تلك التي جرمت واقعة نشر وترويج محتوى إلكتروني يبين كيفية تصنيع معدات التدمير المعدة من مساحيق أو موادمتفجرة أو نووية أو بيولوجية أو من أي منتج اخر مخصص للاستعمال المنزلي أو الفلاحي أو الصناعي ( المادة 13) ، كما ان تجريم المادة 19 القيام عمدًا بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائفا من شأنه إلحاق ضرر بشخص ذاته أو اعتباري ، يعتبر وجيها ، بالإضافة إلى تجريم واقعة انتحال الهوية الرقمية للغير أو استعمال معطيات بقصد تهديد طمأنينته أو المس بشرفه و بالاعتبار الواجب له ، كما ان المادة 21 تضمنت مقتضى إيجابيًا إذا جرمت واقعة الابتزاز عبر التهديد بالنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البت المفتوح المماثلة لتسجيل أو وثيقة تتضمن صورًا أو حوارات ذات طابع جنسي سواء تم الحصول على التسجيل أو الوثيقة من طرف الشخص المعني أو بموافقته الصريحة أو الضمنية ، كما ان تجريم وضع أو نقل أو بت أو نشر محتوى اليكتروني ذي طابع عنيف يمس بالسلامة النفسية للقاصرين وذوي العاهات العقلية قد يعتبر إيجابيا ، بالإضافة الى نشر المحتويات الإلكترونية الاباحية للقاصرين أو تحريضهم على المشاركة في الألعاب الخطيرة التي من شانها ان تعرضهم نفسيا وجسديا للخطر .
لذلك فان التعاطي مع المرحلة يقتضي الحكمة والانضباط لان بلادنا في حاجة الى كل مكونات الشعب المغربي الذي عبر عن انضباط منقطع النظير ، كما عبر رئيس الدولة عن روح المسؤولية والالتزام والدفاع باستماتة عن العنصر البشري ، وان المرحلة تقتضي لم الشمل و التعاضد كالبنيان المرصوص في مواجهة أعداء الوطن ونجاحات المغرب ، وفي مواجهات التداعيات الاقتصادية لمرحلة ما بعد الحجر ، أما مشروع القانون فانه سيكون مفيدا ومواكبًا لعملية تخليق الفضاء الرقمي لما شهده هذا الأخير من انزلاقات و ميوعة وتفاهة وتطاول على المؤسسات والأشخاص ، وطبعا لن يقع تمريره من طرف البرلمان الا بعد إسقاط بعض المواد و إخضاعه لمقاربة تشاركية ومجموعة من الضمانات خصوصًا وان جميع أمناء الأحزاب السياسية متفقون ومجمعون على استبعاد المقتضيات الماسة بحرية الفكر والرأي والتعبير .
سليمة فراجي ـ محامية نائبة برلمانية سابقة