الألاعيب السياسية ومستنقع الحلال والحرام
منير الحردول
من الغرائب والعجائب، مايصدر أو يكتب من قبل بعض من تحملوا مسؤولية التدبير الحكومي، أو كما يوصفون بالقيادات الحزبية. فأسلوبهم في الخوض في الأمور الخلافية، وتكييفها مع وضعيتهم المنصبية أو الاعتبارية المالية، لهدف ما في نفس يعقوب، يجانب الصواب في جملة من الأمور.
فكيف يعقل، أن يصدر حكم قيمة من بعض الوجوه السياسية مع كامل الاحترام والتقدير للجميع، في حق الكثير من المشاريع التنموية الاجتماعية ذات القيمة المضافة للشعب قاطبة، ويتم حصرها تحت طائلة دائرة اديولوجية ضيقة، أكثر منها دينية، مبنية على ثنائية الحلال والحرام، وذلك تحت دريعة ما يسمى بالربا!
أليس هذا من تعداد البوليميك السياسي، القائم على تبادل الأدوار، لتحقيق مكاسب حزبية سياسية محضة، والتي تعد بعيدة كل البعد عن الصواب التدبيري المؤسساتي، القائم على التشريعات والقوانين، عوض المواقف المشخصنة الضيقة المتلاشية، و التي غالبا ما تكون متذبذبة حسب الظرفيات، المتنوعة الاتجاهات والميولات الفكرية، الاديولوجية والمصلحية الذاتية وغيرها!
لم، لم يتم تجاهل التحريم والتحليل عند البعض، حين يمسون أو يتقلدون إحدى المناصب الحكومية، في حينها، كان الاقتراض بالفوائد من المؤسسات المالية الدولية والوطنية، ساري المفعول، وبكثافة، حتى أصبحنا بقدرة قادر، كما قال السيد رئيس الحكومة في وقت ليس ببعيد، نستدين لكي نسد ديون القروض الأخرى!
فهاهي الجائحة دفعنتا للاستدانة بالفوائد! إذن أين أهل حلال علينا حرام عليكم في هذا الوقت العصيب!
حسنا، وبدون تجريح لأحد، ولا استهداف للأشخاص وإنما من باب حكمة منطق العقل، فإذا كانت الربا حرام! هل الحصول على التعويضات، والتمتع بالسفريات بدون أي نتيجة تذكر على مستوي التدبير التنموي حلال! ألا يعد ذلك كذلك من المحرمات ويندرج في إطار أكل أموال الناس بالباطل! أوبالأحرى أكل أموال الشعب الذي يدفع مختلف أنواع الضرائب لتحسين خدماته الدستورية الطبيعية في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان.
وهل الاعتذار للشعب، وتقديم مساهمة مالية للصندوق الخاص بتدبير النتائج العكسية للجائحة لبعض المؤسسات الخاصة، والعودة للاعلان عن تقديم الدعم لمن ساهم في هذا الصندوق حلال أم حرام! عجبا لهذا العجب العجيب!
لقد أبانت بعض مواقف الدعاة، والقادة السياسيين، عن قصور كبير، في فهم المتغيرات المتعلقة بالجانب المؤسساتي، وارتباطاتها اليومية، والشهرية والسنوية للمواطنين والمواطنات. فالدخول في جدلية الحلال والحرام خارج مؤسسة المجلس العلمي الأعلى، يعد بمعنى الكلمة انتهاكا لمبدأ التحفظ، الواجبة اتجاه المبادرات القيمة لمؤسسات الدولة، الساعية لحل وحلحلة مختلف المعظلات الاجتماعية، والاقتصادية المتراكمة، المؤثرة على جودة الحياة، لكافة أبناء وبنات هذا الوطن. فهذه المواقف المبهمة، والخارجة عن السياقات التنموية، لا تستقيم مع المنطق الاقتصادي العالمي، ولا مع النماذج التنموية العالمية.
فإذا كانت الامور تجري بمنطق القصور الفكري، مقابل التزمت العقلي، والخلل الوجداني، فالحرام قد يغطي كل شيء، وبالتالي الرجوع للعصر ماقبل التاريخ أولى! والاكتفاء بالصيد، والألبسة المصنوعة من أوراق الشجر!
لأن أغلب المؤسسات المهتمة بصناعة النسيج، تتعامل مع الأبناك الربوية، كما يسميها فقهاء حلال علينا حرام عليكم، كما أن مشاهدة المباريات الكروية التي تعشقها الكثير من العقول المتناقضة، والتي لا تتردد في التحريم والتحليل! تقوم على منطق الخسارة والمال، وقد تنجر للعنف، فهي بحسب الواقع، ربما ينطبق عليا الحرام كذلك!. والأموال التي تذهب لحسابات مناصب الريع، شهريا في الحسابات البنكية فهي حرام كذلك! وغياب من يمثل الشعب داخل قبة البرلمان، مقابل تعويضات شهرية سمينة حرام أيضا!
بل، الأكثر من ذلك، فإن التعمق بعمق في ثنائية حلال حرام، قد تدخل البلاد في رداهات، ومتاهات لن نخرج منها بسلام، فإن كان الدين يحرم كل شيء له مضرة بالناس، فالتدخين كذلك حرام! ومن الحرام المغبون كذلك، ما نأكل يوميا من الخضروات والفواكه، و التي تستعمل فيها الأسمدة المتنوعة، والمعروفة أنها قد تضر باستهلاك تلك المواد، فهل كذلك نطبق عليها ثنائية الحلال والحرام!
الأفكار التي تتحايل على الناس، تفضح نفسها بتناقضاتها في كل شيء، وأكبر دليل على ذلك المبرر الذي قدمه أحد السياسيين السابقين الذي حول القمار أو ما يسمى بألعاب الحظ! بعد تكييفها حسب الوضعية التي يوجد فيها إلى رياضة خاصة بالذكاء.
أما بعض من اهانوا أنفسهم، بالطهرانية، فالله يمهل ولا يهمل، وحتى لا نسيء للأسر والأبناء رحم الله عبدا عرف قدر شأنه.
الدولة تسير وتدبر بالمؤسسات والقوانين، لا بالفتاوى هنا وهناك، فهناك مؤسسات أسندت إليها مهمة الفتوى العاقلة، وهي الوحيدة المخولة بالإفتاء، أما ما دون ذلك، فيعني النفاق السياسي، الذي يفضح نفسه بنفسه، بأفكار تعبر أكثر عن غبن أصحابها، جراء فقدان منصب ما.
المغرب، يحتاج للقوانين والتشريعات، المواكبة للعصر، والمستجدات العلمية، قصد الاقلاع في كل شيء، لا إلى التحريم والتحليل بهدف كسب الأصوات، للتأثير على العقول الساذجة، باسم دين سماوي غني عن العالمين،فالدين الصادق العظيم شيء، وتذبذبات المشهد السياسي شيء آخر.
الدين كما هو معلوم عند العامة والخاصة، لا يقتصر على العبادات، وإنما مقرون بالسلوكات والمعاملات. فالدين الحقيقي، هو الصدق مع النفس أولا، والزوجة ثانيا، والأبناء ثالثا، والمجتمع ككل رابعا وهكذا دواليك.
بالاضافة إلى الأمانة، ونكران الذات، من خلال عدم تكديس الاموال، والتضحية، بهدف إنقاذ أحد أفراد الأسرة أو العائلة من الفقر، وذلك بتقديم الدعم المالي بغية التشجيع على انجاز مشروع ما، في إطار السلف الأخوي، وليس الاقتصار والتزمت في عبارة” لا تقترض من الأبناك لأن ذلك ربا”، في المقابل تخزن أموال أهل الإفتاء في الأبناك او الصناديق الحديدة وترفض الخروج لمساعدة الآخرين، وتخرج للعلن لتجادل بالحلال والحرام! عجبا للبشر عندما يقعون في التناقض الصارخ في كل شيء، حتى مع أنفسهم.
لو كنا نحترم الحلال والحرام، لما كان الغش، والكذب، والاضرار بالبيئة، والعنف، وجحافل المتسولين، والانحرافات المتنوعة، وعقوق الوالدين، والكذب على الناس في الحملات الانتخابية، هنا رسالة النبوة ومجمل الرسالات السماوية!
فعالم السياسة، كالمد والجزر، يخضع لنوعية الرياح، والضغوط، والجادبية، والزلازل، التي تقع في العلن والكواليس.
– الدولة المغربية، دولة المؤسسات، وليست دولة الفتاوى لكل من هب ودب ، التى أصبحت تتناسل، و غير قادرة على استيعاب متطلبات العصر، وإكراهاته المعقدة، أتركوا الدين لأهل الاختصاص، كالمجلس العلمي الأعلى ومارسوا السياسة بشكل نظيف، بعيدا عن حلال علينا حرام عليكم.
أعتقد أن مقولة الذئب حرام ومرقته حلال ستبقى قاعدة في مدرسة السجال السياسي العقيم!
مؤسف، أن تحقق في هذا الزمن عبارة:” الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”.