كورونا .. والنحل الرقمي
بقلم : بوشعيب حمراوي
مثلما نشط الذباب الالكتروني من داخل وخارج المغرب، بهدف التنقيص والاستخفاف من جهود المغاربة وصمودهم في زمن كورونا، ومحاولة ضرب أمنهم واستقرارهم. فقد بادرت العقول المغربية بمختلف مستوياتها التعليمية وثقافاتها وفئاتها الاجتماعية، إلى إنتاج خلايا من النحل الالكتروني المكافح والمبدع داخل منصات التواصل الاجتماعية الرقمية. وتمكنت من اكتساح كل العوالم الافتراضية، وبسط نفوذها، وإطلاق مبادراتها الجادة والهادفة، وبرامجها المتنوعة المباشرة وغير المباشرة.
عسل مغربي (حر) جديد ذاك الذي بات غذاء يوميا لرواد الفايسبوك والتويتر والانستغرام.. والذي أباد الذباب الالكتروني وباقي الحشرات المضرة، ونظف تلك المواقع الالكترونية من الكائنات القذرة التي عاشت تقتات من الفضلات والنفايات. ليتم إجهاض أحلام خصوم وأعداء الوطن والمتربصين بالمغاربة.
كان لابد من الكشف عما ينتجه النحل الرقمي من مبادرات وبرامج وأنشطة، خففت عن فئات عريضة من المغاربة، هول الحجر الصحي. ومكنتهم من الحصول على عوالم بديلة، تنسيهم آلام السجن المنزلي، وتمنحهم الأمل في المستقبل، كما تمنحهم الدعم المادي والآليات اللازمة للتصدي لكل المشاكل والمعاناة التي تفرزها جائحة كورونا.
فليست وحدها الدولة بكل سواعدها وأعمدتها، التي تكافح من أجل تجاوز زمن كورونا بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية. ولكن (وهذا ما يثلج الصدور)، فقد بات للمغرب سواعد وأعمدة جديدة، من داخل المجتمع المدني (السلطة الخامسة). خلايا نحل وأسراب من النمل الالكتروني، تنشط محليا، إقليما، جهويا، ووطنيا. من أجل إغلاق الثقوب النفسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. وسد كل خصاص أو قصور حكومي.
خلايا رقمية احترفت دعم مجالات التعليم المدرسي والجامعي، وخلايا رقمية أعدت للبحث عن محسنين من أجل تغطية مصاريف المحتاجين من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة. وخلايا رقمية اهتمت بكل ما هو ثقافي أو تراثي أو تاريخي أو بيئي..
وتحولت منصات التواصل الاجتماعية إلى مصانع الكترونية، حيث يمكن للمغاربة وغيرهم التلذذ بالمجان من كل أنواع العسل الرقمي (عسل بطعم الإحسان والشهامة، وآخر بطعم التعليم أو الثقافة والفن..). كما يمكنهم الاستمتاع، واستنباط الدروس والعبر من أسراب النمل الرقمي المثابر. نمل لا يمل ولا يكل من أجل مد المغاربة بمختلف أشكال المعرفة والترفيه، ومحاربة الإشاعات والتفاهات. حيثما وليت وجهك تجد الصالح والطالح، المكافح والخمول. الناجح والحقود.. لكن وحدها انتفاضة واستقامة الصالح والمكافح والناجح، يمكنها إلحاق الهزيمة بالطالح والخمول والحقود.
ودوام المبادرات المغربية العفوية الجارية في زمن كورونا، من داخل الأسر المغربية. وحدها كفيلة بالتصدي لكل المؤامرات الداخلية والخارجية. وكفيلة بترسيخ نموذج تنموي حقيقي. يمكن المغاربة من إفراز الكفاءات والكوادر. وتحقيق الحلم الملكي، المتمثل في وضع الرجل أو المرأة المناسب (ة) في المكان المناسب. وتمكين المغرب من قياديين ومسؤولين قادرين على نهضة وتنمية البلاد.
جميل أن ترى صفحات رقمية، قد تحولت إلى منابر للتربية والتعليم والتحسيس والتوعية. وأن تعيش نهضة فايسبوكية مغربية جديدة. حيث الكل يسارع من أجل نشر أو بث ما ينفع الناس. جميل أن يبادر الشباب إلى استغلال العوالم الافتراضية من أجل التخفيف من معاناة المغاربة. في البحث عن المعلومة الكوونية، وفي التبضع والترفيه والاستفسار، و.. جميل أن تقف على مدى إصرار أب أو أم فقير (ة)، ولهفته (ها)، من أجل أن يتمكن الابن من التعليم عن بعد. وأن يتم تقديم (تعليم الأبناء)، وجعله من أولويات الأسر. والسعي بكل ما تيسر من أجل اقتناء جهاز الكتروني (هاتف ذكي، حاسوب أو طابليت)، ولو مستعمل من أجل ذلك. فبقدر ما يتم إبادة الذباب الالكتروني، وكل الكائنات الرقمية المضرة. بقدر ما يجب تثمين جهود النمل والنحل الرقمي. والعمل على دعم تلك الجهود، وصقل المواهب الشابة التي تنتجها.
فإن كان لفيروس كورونا ضحايا بشرية. فإن زمن هذا الفيروس الدخيل. مكن المغاربة من بدء التأثيث لمغرب جديد. بآليات وعقليات جديدة. وفتح لنا أبوابا رقمية، لم نكن لنسلكها بهذه السرعة والشجاعة.
صحيح أن زمن كورونا، أعاد تنقية وتطهير عقول كل الشعوب والحكومات،، وأرغمها على إعادة النظر في كل ما راكمته من أرشيف معرفي وحس إنساني ورسخ لديها حقائق جديدة. إلا أن تأثيرات (كورونا المغرب)، تبقى أشد وأعمق.
فنحن البلد النامي، الذي ليس لديه مختبرات علمية كتلك التي بدول أوربا وأمريكا وآسيا، ولم تكن لديه التجهيزات الطبية التي تمكنه من التصدي للجائحات. ونحن البلد النامي الأكثر احتكاكا ( العناق والتقبيل و..). ونحن البلد النامي الذي قد تجد فيه من يعالج المرضى تقليديا بالبصق.. ومع ذلك فقد تمكن هذا البلد من لفت أنظار العالم، بكيفية تصديه لفيروس كوفيد 19. واستحق إشادة منابر إعلامية دولية ومسؤولين عالميين. بفضل التناسق والتناغم الذي أظهره المغاربة ملكا وشعبا. وبفضل المبادرات الملكية والمنظور الملكي الإستباقي للأحداث.
وها نحن الآن نحصد ما زرعناه جميعا. وبرغم ما قد يفرزه البعض من تجاوزات في تطبيق الإجراءات الاحترازية في التنقل والتبضع وقضاء الخدمات، وبرغم تخاذل البعض في تطبيق الحجر المنزلي. فإن المغرب، لازال متحكما في الحالة الوبائية. ولازالت المستشفيات المدنية والعسكرية الاحتياطية مغلقة.
إن خلايا النمل والنحل المغربي الرقمي تتكاثر يوما بعد يوم. وبإمكانها تقديم دعم جهود الدولة، وتقديم المساعدات القيمة بتقديم المزيد من التحسيس والتوعية، لضمان استمرار التقيد بحالة الطوارئ الصحية. وتحفيز المواطنات والمواطنين، على تقديم برامج ومبادرات رقمية جديدة، تجعلهم مدمنون أكثر فأكثر على تتبعها والانتفاع بها. وتنسيهم هوس وعشق الشارع.. وما ترسخ لديهم من عادات التجول والجلوس في المقاهي..
كما بإمكان تلك الخلايا دعم المدمنين على المخدرات وحبوب الهلوسة ومستهلكي السجائر.. والتخفيف من آلامهم. ولما لا مساعدتهم على العلاج والابتعاد عن تلك السموم. فأكثر الأسر المتضررة من الحجر المنزلي. هي الأسر التي يتواجد بها فرد من هؤلاء..
تلك الأسر التي كانت قبل زمن كورونا، تستفيد من بعد مدمنيها ولو لفترات. إلا أنها اليوم مرغمة على العيش معه ليلا ونهارا. وطبعا فهناك بعض هذه الأسر التي تعيش الأسرة الواحدة داخل غرفة واحدة مكتراة.. في منزل به عدة غرف أخرى تقطنها أسرة شبيهة.. والتي لم تجتهد من أجل التعايش داخل المنزل، أو لم توفق في ذلك رغم محاولاتها المتكررة.