هل انتهت عروبة الخليج؟
محمد شحلال
على الرغم من الخلافات السياسية التي ظلت تفرق بين الأنظمة العربية،فإن حدا أدنى من مقومات ،،العروبة،،ظل يجعل القادة يتمسكون ببعض ما يعتبر من الثوابت،وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حتى ولو تباينت سبل حلها.
لقد كانت التوجهات والمرجعيات سببا في اختلاف الرؤى،ذلك أن بعض هذه الأنظمة لا زالت أسيرة العشيرة والقبيلة،بينما تبنى البعض الآخر مرجعيات الحداثة التي قادها حزب البعث في الشام والعراق.
وبالرغم من استحالة التوفيق بين القادة العرب، الذين توارث أهل الخليج منهم حكما وراثيا تقليديا،فإن التاريخ المعاصر،سيظل محتفظا بمواقف رجلين شكلا استثناء في كل الخليج.
إن الشعوب العربية كلها شعرت بالفخر يوم قام الملك فيصل عاهل السعوية، باستخدام سلاح البترول في حرب أكتوبر، ما جعل الغرب يصاب بالسعار،وهو الذي لم يخطر على باله أن يتحداه رجل،،بدوي،،!
لقد كان الملك فيصل -رحمه الله-رجلا مؤمنا بمسؤولية الحاكم أمام الله والشعب،لذلك اعتبر استرجاع القدس على رأس الأهداف،وهو الذي اضظر لإزاحة سلفه عن كرسي الحكم بعدما ظهر ضعف أدائه في تحقيق الإنجازات الكبرى.
وبسبب دفاعه عن قضايا المسلمين الأولى،فإن الغرب أبى إلى أن يتخلص من هذا العاهل الورع، عبر إحياء الرغبة في الانتقام للعاهل السابق من خلال تجنيد ابنه ليتولى التنفيذ صباح يوم العيد !
أما الحاكم العربي الثاني الذي عرف عنه وقوفه إلى جانب البلاد الإسلامية الفقيرة،فهو الشيخ زايد بن سلطان -رحمه الله-فهذا الرجل ساهم في إنجاز العديد من المشاريع في كل مكان،والمغرب من البلاد التي حظيت بكرمه في جهات نائية، أتاح لها سخاء الرجل أن تدخل العصر عبر الكهرباء والمرافق الاجتماعية المختلفة.
غاب الرجلان عن الساحة بسبب اغتيال الأول وشيخوخة الثاني،ليحل محلهما مسؤولون حسم مجال مناورتهم في مراكز القرار الأجنبية،لذلك صنعت الظروف التي فرضت عليهم الاصطفاف إلى جانب السياسات الجديدة في المشرق،حتى تمكنت أمريكا من تدنيس أرض الحجاز وبناء القواعد في إمارات الخليج كسابقة في تاريخ المنطقة كنتيجة لتداعيات حرب الخليج.
لقد تمكن الغرب من نقل الصراع إلى عقر الدار بين العرب، بعد حرب الخليج المحبوكة بمكر،وأصبح بأس العرب فيما بينهم ليس إلا.
كان من المنتظر أن يظهر في المنطقة زعماء على مقاس الاستراتيجية الأمريكية، وهو ما تحقق لها، فتمكنت من اختراق لم يسبق له مثيل،حيث تنصل القادة الجدد من كل علاقة بقضية فلسطين والأقصى،لتصبح إسرائيل ،،دولة مظلومة،،وسط بلاد تعج بالمساجد ،بينما يزاحمها المسلمون في مسجد يتيم هو من مخلفات أجدادهم !
إن الزعماء الجدد في الخليج ماضون في انتهاج سياسة لا يشاطرهم فيها أغبى مواطن عربي ،بحثا منهم عن موقع قدم وهمي بين الكبار،وكان ثمن ذلك هو خذلان الأمة في ثوابتها، ووضع المال بسخاء في يد الأسياد لحمايتهم من خطر محدق تتغير مصادره ،ليدخل العرب في تناحر يتجاوز ما حصل في عز الجاهلية.
منذ سنوات ،افتقد الناس الهبات التي كانت تتقاطر على البؤساء في مناطق متفرقة عبر البلاد الإسلامية والمغرب بصفة خاصة،على يد الشيخ زايد الذي ظل يحمل هموم الفقراء،وحلت محلها مشاريع إقامة المحميات لتربية أنواع من الطيور والوحيش، التي تحولت إلى شبه مستعمرات ببلادنا ،يمارسون فيها هواياتهم المشبوهة بعدما وفروا أحدث تقنيات الرصد ،لتظل هذه المحميات بعيدا عن فضول أهل البلد،ولا يسمح لهم بالاقتراب منها،فأحرى أن يعرفوا ما يجري داخلها ،
قبل سنتين،كنت والأخ المختار على موعد مع عضوي جمعية تنموية إسبانية بمسقط الرأس،وخلال مأدبة الغذاء،سألنا الضيف الإسباني عن وجود طائر الحبارى بشرق المغرب،فلما علم بأن الخليجيين يربونه في محميات هناك لجودة لحمه،ضحك مستهزئا،قبل أن يصرح بأن هذا الطائر إنما يربى هناك بسبب التقاطه للأحجار الكريمة التي تدر على المالكين أموالا طائلة !
لقد تلقينا الخبر باستغراب ، خاصة وأنه قد شاع بأن النيازك تسقط هناك بانتظام،حتى تحول البحث عنها قبل سنوات إلى مصدر جديد للكسب.
لم تكفهم أموال البترول،فجاء الحبارى ليفتح باب رزق مجاني، ينضاف إلى باقي الانتهاكات التي نتجرعها على أيدي الغزاة الجدد.