قبل20 سنة في قنصلية المملكة المغربية بوهران..
رابح قاسم
لقد كان الحدث الذي وقع مؤخراب بالقنصلية العامة للمملكة المغربية بوهران والمتعلق بالتصريح المنسوب للقنصل العام السيد بوطاهر احرضان..الذي يكون قد نعت البلد المضيف بالعدو..كان هذا الحدث بالنسبة لي بمثابة صعقة ذكرتني بحدث وقع قبل 20 سنة بنفس القنصلية بوهران حيث استغلت بدوري كقنصل للمغرب في وهران في تسعينيات الفرن الماضي …وبحضور نفس الشخص السيد احرضان الذي كان في بداية مساره الإداري .. .
كانت العلاقات المغربية الجزائرية لا تقل بؤسا وتقهقرا مما هي عليه الآن. .والحقيقة ان هذه العلاقات لم تكن ابدا على ما يرام ولم تعرف ابدا الانفراج التام. .ولا شك ان بعض الدلوماسيين …المغاربة بالخصوص..هم الذين كانوا يقفون وراء بعض الحالات المؤقة من الانفراج..محاولة منهم تذكير خصوم وحدتنا الترابيةان المفروض في طبيعةالعلاقات الرابطة بين البلدين الجارين..هي بان تكون علاقة حسن الجوار والتفاهم والتعاون المتبادل..وليس الشحناء والبغضاء وتسميم الاجواء…
وكان يكفي ان يلقي الانسان نظرة على الصحف الجزائرية ليدرك ان الوضع ليس على ما يرام..واذا بحثنا في الموضوع فسنجد ان السبب هو تولي الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي رئاسة حكومة التناوب..وان المسؤولين الجزائريين لم يرقهم ذلك…بالإضافة طبعا الى السبب الرئيسي الذي هو معاكسة الجزائر لاستكمال وحدتنا الترابية…
أذكر أنه كان يوم أحد. ..لانه كان يوم عطلة بالمغرب ..وكانت الساعة حوالي الخامسة مساء عندما اتصل بي الموظف المسؤول عن المداومة بالقنصلية واخبرني بان شخصا من المديربة العامة للامن الوطني الجزائري يريد التحدث معي ولم يرد ان يفصح له عن الموضوع. ..
وافقت على تلقي المكالمة…وعلمت انه المسؤول الجهوي عن ادارة الامن..وكان يتكلم بكثير من الانفعال. .فقط لان الموظف المداوم تلكأ في ربط الاتصال بي شخصيا…لان الامر كان مهما وعاجلا وخطيرا حسب زعمه او فهمه للأشياء. ..وكان الامر يتعلق بثلاثة اشخاص يعتقد انهم مواطنين مغاربة تم إنقاذهم من وسط أعالي البحر من طرف باخرة جزائرية تسمى العربي بن مهيدي (ان لم تخني الذاكرة)..وقد تم إنقاذهم من مخالب موت محقق من وسط الأمواج حيث القت بهم باخرة أجنبية. .وجدوا مختبئين على ظهرها بعد ان تسللوا اليها بمناء الدار البيضاءولم تزودهم هذه الباخرة الا ببرميل فارغ كانوا متشبثين به…واضاف المسؤول الامني الجزائري الذي اكتفى بذكر صفته وفضل عدم ذكر اسمه ان قبطان الباخرة واعوانه قاموا بالمستحيل من اجل انقاذ حياة المعنيين بالامر..لانهم وجدوا في حالة يرثى لها من الإرهاق كانت اقرب الى الموت منها الى الحياة..وان الامر تطلب العناية الفائقة بهم حتى استعادوا عافيتهم..واردف قائلا بانه يريد وثاق التعربف للمنقذين الثلاثة لترحيلهم الى المغرب..وانه يريد هذه الوثائق في اقرب فرصة ممكنة..وإلا فإنه سيعيدهم الى البحر. .وقال بالخصوص: “ما ادير خير ما يطرا باس”…
وعندما قال ذلك صدرت مني ضحكة كانت في البداية عفوية ولكن اطلتها لتكون بمثابة صعقة له حتى يتذكر بانه يتكلم مع مسؤول أجنبي. وانه لا داعي للاستعلاء واصدار الأوامر التي لا تلزمنا في شيء..
انتهزت سكوت مخاطبي لأعرب له عن عميق الشكر
والامتنان ومن خلاله لقبطان الباخرة وللبحارة على عملهم الجبار الذي يدل على تحليهم بكثير من المشاعر الانسانية النبيلة..التي بدأت تنقرض مع الاسف في عالمنا المعاصر ..ولا ادل على ذلك من القاء هؤلاء الشباب في وسط البحر بدون اي تأنيب ضمير…
وقلت له بالخصوص وبكل برودة ..باني افهم مشاعره وخاصة اذا قوبل العمل الخيري الجبار بنوع من اللامبالة…وإني أحس به بأنه من ذوي المشاعر الطيبة وان طيبوبته مستمدة من الأخلاق الحميدة الراقية التى لن تسمح له ابدا بإعادة المعنيين بالامر الى البحر…
واوضحت له أن يوم الأحد هو يوم عطلة في المغرب..واني في الساعات الأولى من اليوم الموالي،سأبعث إليه من يلتقي بالأشخاص الثلاثة لياخذ منهم بصماتهم وكل المعلومات التى تساعد على التعرف على هويتهم..التي سوف نرسلها على وجه السرعة الى السلطات المعنية بالمغرب مع حثها بأن الأمر مستعجل للغاية..
وفعلا،فلم يكد يوم الإثنين ينتصف حتى كانت وثائق السفر (رخص المرور) جاهزة على مكتبي..
وانتهت الواقعة باقصى مايمكن من السرعة…
إلا أني كنت ومنذ ان علمت بالخبر…كنت قد فكرت
في توجيه رسالة شكر إلى قبطان الباخرة بالدرجة الاولى والى ادارة الأمن الوطني الجزائري على كل مابذلوه من مجهودات لإنقاذ ارواح المغاربة الثلاثة..وكان الأمر سابق لأوانه لانه كان يجب التاكد من مغربيتهم اولا…
وعندما تاكد لي ذلك، عدت الى برقيتي اهذب ديباجتها..لاجعلها بعيدة كل البعد عن اي تأويل سياسي..ولم اخبر اي احد من مساعدي خوفا من تمكنهم من اثنائي عن تنفيذ الفكرة…
وحتى تنجح الفكرة فقد قررت استدعاء صحفي من وكالة الأبناء الجزائرية الذي شرحت له أهداف فكرتي وسلمت له برقية الشكر وطلبت منه بان يبلغ المسؤولين في الوكالة عن شكري العميق على نشر هذه البرقية على نطاق واسع …
نسيت الموضوع…وفي صبيحة اليوم الموالي..ولم اكد اصل مقر عملي ..حتى كان هاتفي الخاص يرن..وكان المخاطب هذه المرة سفير صاحب الجلالة السيد الدغمي رحمة الله عليه الذي فرح فرحا كبيرا لمبادرتي البسيطة التي حولت اتجاه وسائل الإعلام من حملة السب والقذف والشتم في حق المغرب و الحكومة المغربية الى انفراج واضح ولو مؤقت..وذلك بعناوين كبيرة :..”القنصل المغربي يقدم جزيل شكره لقبطان باخرة جزائرية وأعوانه الذين قاموا بالمستحيل من أجل إنقاذ مواطنين مغاربة من موت محقق..”
وبعد ذلك كان موظف شاب وهو نفس السيد بوطاهر احرضان الذي كان يشغل منصب كاتب الشؤون الخارجية ونائبا للقنصل .. في ذلك الوقت، كان جالسا بمكتبي وبيده مشروع رسالة مرفقة برزمة من قصاصات الصحف اليومية المهتمة بالمغرب..
وتمضي 20 سنة …ويعود السيد احرضان الى وهران كقنصل عام وليتهم بنعت البلد المضيف بالعدو….
الرباط / 25 /ماي/ 2020…. رابح قاسم