ثقل السمرة
محمد شحلال
اذا كان الانسان مسؤولا عن أغلب اختياراته في الحياة،فانه يظل -بالمقابل- غير مسؤول عن تحديد لون بشرته.
لقد خلق الله تعالى عباده وجعلهم موزعين على جنبات الأرض ليكونوا انتاجا منسجما مع البيئة التي نشأوا فيها.
وهكذا،فان القارة الافريقية التي تحظى بنصيب أوفر من أشعة الشمس وعوامل أخرى عديدة،كان من حظها أن تنجب انسانا شديد السمرة ،بينما يولد نظيره في بلاد شمال الارض خاصة، بمواصفات مختلفة تماما يشعر معها ذوو البشرة السمراء بنوع من الدونية الفطرية !
واذا كان هذا الاختلاف الأزلي بين بني البشر من حيث البشرة ،قد أصبح واقعا لا مفر منه،فانه حكم على ذوي البشرة السمراء بان يقبلوا تفوق الانسان الابيض والخضوع لارادته بغض النظر عن مؤلاتهم.
ولعل من باب الانصاف أن يقر الجميع بأن الاهانة الاولى للزنوج ،قد تمت على يد اخوانهم الذين يختلفون عنهم في اللون،حيث اعتبر العرب هذه الطائفة من البشر عبيدا منذورين لخدمتهم واعفائهم من الأعمال الشاقة والقذرة .
لم يسلم المغرب من هذه المعاملة العنصرية التي لم تختف الا منذ بضعة عقود،حيث ظلت تجارة العبيد رائجة في كل ربوع البلاد،لتظل أرض،،شنقيط،،من اخر قلاع العبودية المهينة !
ان العودة للحديث عن التفرقة العنصرية،تمليه الاحداث في بلاد،، العم سام ،،وتمثال الحربة،حيث لم تستوف حركة،،لوثر كينغ،،كل طموحاتها في المساواة،ليظل الانسان الأسود مرشحا لأن يموت بابشع الصور في بلاد ترتعد لقوتها و،،ديموقراطيتها،، فرائص بقية العالم !
لقد استنكر جل أحرار العالم همجية الشرطة الأمريكية في تعاملها مع المواطنين الزنوج،حيث تلغى كل حقوق المواطنة لتزهق أرواح الضحايا السود ببرودة دم مقرفة،بينما يستثنى المخالفون البيض من هذه الهمجية التي لا تصمد معها بنود الدستور ولا انجازات السود الامريكيين في مجالات عديدة،ولا سيما الرياضية منها.
عندما كنت أتابع مظاهر السخط التي اتخذت التخريب العشوائي شعارا بين المحتجين، اثر مقتل شاب أسود ببشاعة على يد شرطي أبيض، تذكرت قصة عنصرية سمعتها من ضحيتها مباشرة ونحن على متن القطار بفرنسا قبل سنوات.
جمعتني مقصورة القطار من رجل وزوجته الزنجيين،وكان مظهرهما يوحي برقي وضعهما الاجتماعي.
كان الزوجان غارقين بين صفحات كتابين،حينما بادرتني الزوجة بالكلام ،لتسألني عن وجهتي وبالخصوص عن ،،طينتي،، بفرنسية لافتة، فلما اوضحت لها بأني أفريقي،أشرقت أساريرها وعرضت علي ،،دردشة،،لتزجية الوقت.
أعربت المراة عن اعجابها بكوني استطيع التعبير بالفرنسية رغم ،،افريقيتي،،ثم أسرت لي بأنها ممرضة بكندا وزوجها أستاذ للعلاقات الدولية في جامعة شهيرة.
اغلق الزوج كتابه،ثم انضم الى حديثنا،وما لبث ان أبان عن المام عميق بشؤون العالم بأسوب المثقفين الكبار.
كانت الرسالة الحارقة التي تود هذه المرأة مقاسمتها معي،هي المعاناة التي عاشتها قبل ان يتاح لهما السفر.
لقد كشفت لي بأنها جابت جل حضانات الاطفال لتودع ابنيها هناك من أجل السفر،فحال لونهما دون قبولهما !
لم تتمكن من ايجاد حل الا بعد ايام من البحث المضني ،وبعد كل أشكال الاستعطاف والتوسل !
قبل ان نفترق،قالت المرأة بحرقة:
ألا ترى معي كيف أننا وأنت نتكلم ثلاث لغات كدليل على تساوينا في المؤهلات مع البيض،ومع ذلك نواجه بالرفض والتمييز؟ اليس من العار أن نتعرض للاحتقار والمهانة بسبب بشرتنا التي لا دخل لنا فيها ؟
صافحتني الممرضة البئيسة ودموعها تملأ محاجرها لتبحث عن لحظة دعة، قبل العودة لمعانقة واقع يشعرها بالدونية رغم ما تسديه من خدمات لموطنها بالاقامة لا بالحقوق !
اما في حالة امريكا،فلا يعجب المرء من سلوك البيض،لانهم أبناء غير شرعيين،ومتى كان عديم الأصل يقدر الاخر ؟