آفاق الحرب والسلام في ليبيا عقب سيطرة “الوفاق” على المنطقة الغربية للبلاد
بقلم .. عمر الطيبي
سيطرت قوات حكومة الوفاق الليبية يوم الجمعة الماضي على مدينة ترهونة (نحو 100 كلم الى الشمال الشرقي من طرابلس)، التي كان الجنرال حفتر يتخذها قاعدة خلفية أساسية لقواته، ومنها كانت تطلق هجومتها المتكررة على العاصمة الليبية، منذ شهر ابريل 2019 والى غاية يوم الخميس الماضي 4 يونيو.
وباستعادتها هذه المدينة تكون حكومة الوفاق قد حققت انجازا استرتيجيا، تمثل في سيطرتها ولاول مرة على كامل الغرب الليبي عقب توليها السلطة في طرابلس، وذلك بدء من استعادتها لست من مدن الساحل الليبي الواقعة الى الغرب من طرابلس، على الطريق الدولي الرابط بين ليبيا وتونس، وقد حصل ذلك دفعة واحدة يوم 13 ابريل الماضي، مرورا باستعادتها لقاعدة الوطية الجوية في 18 مايو المنصرم، ثم استعادة جنوب العاصمة ومطار طرابلس الدولي، فبلدة بن غاشير، على التوالي يومي 3 و4 يونيو، ومن ثم التوجه للسيطرة على ترهونة فجر الجمعة 5 يونيو.
وانه لغني عن البيان القول أنه ما كان لحكومة الوفاق أن تحقق هذه الانتصارات لولا التدخل التركي، خاصة على مستوى التسليح النوعي، والتغطية الجوية المعتمدة على الطيران المسير، وايضا رفع درجة التخطيط والتاطير والتدريب الى المستوى المطلوب، ولا يمكن اغفال ان ذلك تحقق أيضا بفعل توحيد الفصائل المسلحة لمنطقة الغرب الليبي، تحت امرة القيادة العسكرية لموحدة التابعة لحكومة الوفاق.
ومن المؤكد كذلك أنه ما كان لحكومة الوفاق أن تنتصر في هذه المعارك لولا الاخطاء العسكرية الشنيعة التي ارتكبها حفتر، من خلال اعتماده سياسة الارض المحروقة مع ترديد لازمته الاثيرة بين الفينة والاخرى، وعلى مدار عام كامل .. “لقد دقت ساعة الصفر وحان وقت الاقتحام ..”، وهو لم يفعل عمليا سوى تدمير البيوت والمنشآت العامة في عاصمة البلاد على من فيها، والنتيجة الوحيدة التي خرج بها من هذا التكتيك البئيس، كانت هي زرع حالة من الياس والاحباط في صفوف مليشياته المشكلة في جزء هام منها من مرتزقة، لم يعد يهمهم من الموضوع سوى استلام أجورهم في اخر الشهر، ثم النجاة بجلودهم في اقرب وقت ممكن.
واذن فقد خرجت حكومة الوفاق منتصرة في هذه الجولة من الصراع الدائر على الارض الليبية منذ سنوات، ما مكنها من السيطرة على منطقة الغرب الليبي بكاملها، كما سبقت الاشارة، علما بأن هذه المنطقة تضم اعلى كثافة واكبر نسبة من حيث عدد سكان البلاد، وأتاح لها من جهة أخرى امكانية تكريس اتفاق الصخيرات كاساس قانوني دولي مرجعي يحتكم اليه في حالة الحرب، كما في حالة السلام، ومن ثم التذكير بان هدفها الاساسي يبقى هو اقامة نظام مدني ديموقراطي على كامل التراب الليبي.
غير أن الحديث هنا عن ” الانتصار” يبقى نسبيا وحتى مؤقتا، ولا يمكن اعتباره باي حال من الاحوال بمثابة انقلاب حاسم في موازين القوى بين فرقاء الصراع الجاري على الارض الليبية، الا اذا توفرت له عدة شروط، منها بالخصوص قدرة حكومة الوفاق على تحصين انتصاراتها الميدانية من خطر الهجمات المضادة، وكذا مد سيطرتها الميدانية الى منطقة الهلال النفطي وموانئ التصدير، بحيث تستعيد مداخيل الصادرات النفطية لخزينة الدولة، على ان تتعامل بذكاء مع مختلف المبادرات السياسية الدولية الداعية لوقف اطلاق النار والدخول في مباحثات سلام.
انه لمن نافلة القول أن، حفتر ومن والاه من القذافيين وشيوخ العشائر المرتشين والقوى الاجنبيية الواقفة خلفهم، خرجوا كلهم منهزمين من هذه الجولة، وأن أهم ما في هزيمتهم، سقوط الخيار الفاشي الحفتري، الذي راهنوا عليه في حكم البلاد، لكن اذا كانت هزيمة حفتر انما تدخل في باب تحصيل الحاصل، مادام الرجل أدمن عدة أشياء، خلال مساره المهني، لا يحيد عنها ابدا، هي مشاريع الانقلابات الفاشلة، وتلقي الهزائم العسكرية النكراء، والترقي في الرتب العسكرية بدون موجب حق، فانه لمن المستغرب حقا ان يهب السيسي لنجدته واعلانه فائزا رغم كل ما حدث، حتى أن الرئيس المصري منح من اسماهم بالعصابات الارهابية مهلة لا تتعدى ثلاثة لوقف اطلاق النار، والقبول بمبادرته “السلمية”، لكن والحق يقال، من دون ان يتبع كلامه بعبارة ” و الا فان .. ” آآ
كان على حفتر أن يتصرف كما يفعل الجنرالات الحقيقيون عندما ينهزمون، لكننا نعلم انه ليس ضابطا يابانيا حتى يفعل ما يفعله الساموراي في مثل هذه الاحوال، لذا كان عليه على الاقل أن يبحث له عن مكان يختفي فيه ولا يظهر، الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، لكنه، ولوقاحته وغبائه، فضل عوض ذلك وضع يده في يد حليفه وغريمه في الشرق الليبي، الذي ليس سوى أحد اعيان قبيلة لعبيدات رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، ليتوجها معا الى قاهرة المعز، ينشدان النصرة، ويحرضان السيسي على تركيا وعلى الشعب الليبي.
تقول النكتة التي تعود لايام القذافي، ان ضابطا ليبيا، ربما كان من فصيلة حفتر، انزعج مما اعتبره تأخيرا من العامل المصري المنتظم في طابور ختم الجوازات، في تسليم جوازسفره، فخاطبه بكل صلافة واستعلاء ” زيد يا حمار..” فما كان من المسكين الا أن استجمع كل ما أوتي من سرعة بديهة وروح ساخرة ليرد قائلا ” عيب يا بيه دا حنا خوات”، وعلى ما في النكتة من تلميح لغباء وغرور الضابط، ولكبرياء وذكاء العامل، فانه يجب على السيسي وحفتر وعقيلة صالح، أن يتذكروا أن المصريين والليبيين “خوات” وانه “من العيب” دفعهم نحو الاقتتال.
ع.ط