كان الله في عونك يا قبيلة بني بوحمدون!
يحيى طربي
إن الموقع الجغرافي لقرية و قبيلة بني بوحمدون، المهم و الحساس، على الشريط الحدودي الذي يفصل بين المغرب و الجزائر، و المتواجد في سفح جبل عصفور، الذي يعتبر حدودا طبيعية بين البلدين، جعل منها قرية مجاهدة بامتياز. حيث قام سكانها بالتصدي للاستعمار الفرنسي، دفاعا عن استقلال المغرب و الجزائر. و إيمانا منهم بقيمة و قدسية الوطن، انخرط أبناء القرية بطريقة أو بأخرى في صفوف رجال الحركة الوطنية و جيش التحرير و الكفاح المسلح، و الذي كان منهم أبي رحمه ألله؛ حيث حارب المستعمر الفرنسي بطريقته الخاصة، إذ أنه، كما كان يحكي لنا بفخر و اعتزاز، لم يكن فقط يقدم لرجال المقاومة كل أنواع الدعم اللوجستي، و يزودهم بالماء و الخبز و الحليب و السمن و البيض و الدجاج و الخضر، و كل ما كانت تجود به فلاحته المعيشية، بل كان يأوي في خيمته الجنود الجرحى المغاربة، و كذلك الجزائريين الذين كانوا يفرون إلى المغرب، هربا من بطش الجيش الفرنسي الذي كان يسميهم ب ” الفلاكة ” ” Les Fellagas “؛ و هكذا كان يقدم لهم العلاجات و الإسعافات الأولية الضرورية، قبل نقلهم ليلا، على ظهر ذوابه، عبر الغابات و الجبال، إلى مخيماتهم العسكرية التي كانت ترابط هناك؛ إلى أن ألقي عليه القبض و حكم عليه بالسجن. هكذا لبى أبي” الله يرحمو “نداء الوطن، و أدى واجبه الوطني و العربي بكل صدق و أمانة و تواضع كبير. صحيح أنه لم يكن في حاجة إلى أن يكتب عنه التاريخ، و أنه لم يأسف يوما عن غدر الزمان و أهله و لا عن إقصائه من لائحة الموقعين على وثيقة الاستقلال، و لكنه كان كبيرا بكبريائه و عفته و قناعته و كرمه و سخائه و عزة نفسه؛ و بما أن حلمه و سعادته كانت أن ينعم المغرب و الجزائر بالحرية و الاستقلال، فقد كان له ذلك.
أما اليوم، فقد أصبحت قرية بني بوحمدون، بعد أن غادرها رجالها و نساؤها الحقيقيون، الذين أحبوها و صنعوا مجدها و تاريخها النضالي، تئن تحت و طأة التهميش و النسيان، خاصة بعد غلق الحدود و تآمر الإنسان و الطبيعة عليها. تبدو و كأن الزمان قد توقف فيها، خاصة بعد أن توقفت فيها عجلة التنمية: لا مسالك طرقية معبدة تقاوم الأمطار و التعرية، تسهل التنقل و تفك العزلة عن الساكنة، لا إنارة عمومية تضئ لياليها المخيفة عندما يخيم عليها الظلام الدامس في حين أن المغرب أصبح رائدا في إنتاج الكهرباء و الطاقات المتجددة، لا مؤسسة تربوية ثانوية تسمح لأبناء المنطقة بمتابعة تعليمهم الاعدادي و الثاهيلي، مما يضطرهم إما للتنقل إلى مدينة تويسيت أو وجدة، لإتمام دراستهم الثانوية و الجامعية، او الانقطاع عن الدراسة، خاصة في صفوف الفتيات، ما يرفع نسبة الهدر المدرسي في العالم القروي، الذي تحاربه الوزارة الوصية بتنسيق مع منظمة اليونيسيف. إلا أنه في مقابل الانقطاع المبكر عن الدراسة، لا يوجد بالمنطقة أي مركز للتكوين و التأهيل المهني، الفلاحي خاصة، مع العلم أن النشاط الرئيسي المذر للدخل لدى الساكنة، بعد القضاء على التهريب و تفشي البطالة بين الشباب، هو الفلاحة و تربية المواشي و الدواجن.
و بسبب قلة التساقطات المطرية و توالي سنوات الجفاف و الرعي العشوائي و اجتثاث الأشجار و زحف الأراضي الزراعية و غياب عمليات التشجير و تجديد الغطاء الغابوي و النباتي و انجراف التربة، أصبحت غابات بني بوحمدون مهددة بالانقراض، أما وحيشها فمنه من انقرض و منه من غادرها منذ زمان.
لا زالت المنطقة تعاني الحيف و التهميش و الهشاشة و عدم تكافؤ الفرص، مقارنة بعدد كبير من قرى و بوادي المملكة، علما أن الدولة تخصص لها ميزانيات مهمة من الأموال و المداخيل العمومية، لتطويرها و تنميتها و النهوض بها، لذا يجب الاهتمام بها أكثر فأكثر خاصة و أنها منطقة حدودية؛ كي تعكس التطورات المهمة التي يعرفها المغرب على مستوى الشبكة الطرقية و الطاقة الكهربائية و الماء الصالح للشرب و التطور الفلاحي و الصناعة السياحية و إنشاء المقاولات و خلق فرص الشغل و محاربة الهجرة القروية و تعليم و تأهيل المرأة و تخليق الإدارة و الحفاظ على البيئة …