المعلمة السياحية التي ولدت ميتة بفاس
عزيز باكوش
سواء كنت قادما من الرباط باتجاه فاس ، أو كنت تهم بمغادرة العاصمة العلمية عبر الطريق الوطنية تجاه مكناس ، فإن رسما تذكاريا غير مكتمل المعالم سيكون على يسارك ، ومن زاوية أخرى سيطل شبحه عليك بكبرياء غامض من اليمين . لذلك ، وأنت تعبر الطريق الوطني في الجوار من أحد أكبر الأسواق التجارية بمنطقة واد فاس ، لا شك أن شكل بناية ضخمة شاهقة وبأشغال ناقصة يشوبها الإهمال ، ستثير انتباهك . وحتما ستجعلك تتسلق الفضول بالسرعة القصوى ، بل ستجبرك بدهشة على الغوص في أعماق الذهول .
إنها لحظات غامضة ضبابية ومعتمة ، تحاصرك من كل الجهات ،وترغمك على التأمل وإمعان النظر لدقائق، بعد أن توقف المحرك فجأة ، وتسمر عينيك بذهول مثل كائن استرجع بصره ، وسرعان ما تتساءل عن السر في هذا الإهمال الكبير ؟ من متى أين كيف ولماذا؟
وحتى عندما تأتي الهلوسات تباعا ، بلبوس سياسي ، فتتدفق مثل قطعان كلاب برية ، لكنك ستتوقف عند اللحظة الأقوى ، إنها البناية المتفردة الشامخة المهجورة أمامك، هاهي تقف شامخة بكبرياء إسمنتي مسلح ، ذات هندسة على الطراز العربي الإسلامي ، هندسة تمتح من العمران العربي الأصيل المتعدد التعريشات ، في الوسط تظهر الخوخة ، وهي الباب الصغير الذي يفضي إلى الكبير المقوس الشكل . فتبدو لك بهندستها البديعة ، رغم عدم اكتمال الصنعة، كما لو تضاهي قوس النصر بباريس ، لكن الحيرة ستستبد بك ؟ لماذا لم يتم إتمام هذا المشروع السياحي العملاق ؟لماذا ولد ميتا ؟ هل هناك من عبث سياسي ومزايدة انتخابية بضيق الأفق ؟
ومع الثواني يتعمق الفضول ، وتستقوي الدهشة ويستأسد الاستغراب، لكن الأطلال هي هي ، والرسوم بوجع تناجي حظها البائس ولا شيء غير الفراغ والماضي السحيق البئيس
وفي أسباب النزول ، يتعلق الأمر ببناية ضخمة أريد لها ذات زمن سياسي أن تكون معلمة سياحية جاذبة ومستقطبة للجمال والمال . وقد تم التخطيط والتنفيذ لبنائها في الزمن الشباطي ، وشكلت لحظتها أحد أقسام مشروع مركب ثقافي يبصم مستقبل فاس ، كالبحر ، وأضغات أحلام يطول المقام لشرحها .
ويبدو أن الأطلال أمام أعيننا كانت مشروعا سياسيا قبل أن تكون مشروعا ثقافيا ، لقد تم هندسته ووضع خريطته إبان سخونة الحملات السياسية بين الميزان والمصباح في عهد المجلس الجماعي الذي ترأسه شباط لولايات متعددة قادها حزب علال الفاسي ،وحسب مصادر جماعية ، فقد تم التخطيط لمرافق مختلفة ضمن الهيكل العمراني العام للمشروع على مساحة امتدت لتعانق 14 هكتارا، وكان مقررا له أن يضم إضافة الى مكتبة قيل أنها ستكون الأكبر في شمال إفريقيا ، هناك دار للأوبرا، ومعهد للتكوين في مهن الفنون المختلفة علاوة على فضاءات للتنشيط والترفيه وقاعة للسينما ومركزا للأعمال، ومطاعم، ومقاه و فضاءات سياحية …
هناك حقيقة لا بد من الإشارة إليها ، وهي أن لا أحد ممن سألناهم في الجوار يعرف بالضبط مالذي جرى وكيف تحول مسار المياه تحت الجسور ؟ ولماذا حدث ذلك ؟ وكيف تم التخلي عن هذا المشروع وتجميده بتوقف أشغاله إلى أجل غير مسمى ؟ لا أحد يستطيع أن يقدم جوابا بعيدا عن النكاية والتشفي في منهجية عمل المركبات المصالحية زمن الاستحقاقات ؟ الكل يشكك والكل يرمي الاتهامات ، والكل عالم وعارف بخبايا الأمور من غير القدرة على التصريح بها جهارا ؟ الشيء الوحيد المؤكد هو أن البناية ذات التكلفة الباهضة التي التهمت الملايير من أموال دافعي الضرائب ، وخنقت الأنفاس ، هي اليوم عرضة للإهمال والتأكل التدريجي للإسمنت والأحلام
صحيح لقد تم تحويط البناية بسياج بحوالي مترين يجعل الاقتراب منها غير ممكن ، لكن هذا لا يمنع الغرباء والمشردين وهواة التعاطي المنحرف ليلا أن يقصدوه ملاذا خارج نطاق السيطرة الأمنية .
حتى سكان حي تغات المجاورين للبناية لا يعرفون على وجه التحديد الهدف من انشاء هذه البناية ، أو يتجاهلونها لأسباب معلومة ، لكن افتقارها لشروط الحماية الاجتماعية قاسما مشتركا بين الجميع . ورغم أن الفضاء المحيط بها فارغ ونظيف على العموم لكنه يعمق الشعور بكونها فضاء مهجورا ، ويمكن أن يتحول إلى مطرح للتخلص من بقايا مواد البناء.
وسبق للنائب الأول للعمدة السابق لمدينة فاس حميد شباط وهو برلماني وعضو مجلسها الجماعي السابق أن صرح قائلا أن البناية “تم إحداثها في إطار إنجاز مشروع المركب الثقافي الكبير لمدينة فاس”،لكنه اليوم في زمن سياسي مغاير ” يجهل مآل هذا الورش، وأسباب تعثر أشغاله.”
وفي رواية أخرى ” أن المجلس الجماعي الحالي العدالة والتنمية وجد البناية المذكورة لدى تسلمه مسؤولية تدبير الشأن المحلي غير مكتملة البناء و أن جماعة فاس الحالية عملت على إنهاء أشغالها الكبرى . وهو ما يعني أن المنظور السياسي الحالي للبناية المعنية أنها وجدت من الناحية التقنية لا تخدم الهدف الذي أنشئت من أجله، وهي شهادة المهندس المعماري الذي كان ساهرا على إنجاز الأشغال”.
ويبدو جليا أن هذا المشروع في شكله الحالي لا يفتقد التمويل فحسب بل غياب أي إستراتيجية واضحة المعالم لتدبيره . ويجري الحديث عن عملية إعادة توجيه المشروع وتكييفه وفق النموذج التنموي الحالي ، وفقا لبنية مالية وتعاقدية جديدة، تقول المصادر . التي تضيف أنها في طور إعداد الموارد المالية ، واستكمال الدراسة التقنية، لبدء إنجاز هذا المشروع الذي سيخدم مدينة فاس وشبابها، وذلك تنزيلا لمشاريع جماعة فاس التي يعد اقتصاد المعرفة أحد المرتكزات الأساسية لبرنامج عملها”.ويبقى هذا استكمالا للحلم وأضغاته وللغد ناظر قريب .