كلمة السيد معاذ الجاجعي والي جهة الشرق بمناسبة انعقاد دورة مجلس جهة الشرق بتاريخ 06 يوليوز 2020
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسليـن
السيد رئيس مجلس الجهة،
السيدات والسادة أعضاء المجلس،
السيدات والسادة رؤساء مصالح الدولة اللاممركزة،
حضرات السيدات والسادة.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إنه لمن دواعي السرور والاعتزاز أن أشارك معكم اليوم في أشغال هذه الدورة، تفعيلا للمكانة المتميزة التي أصبحت تتبوؤها الجهة باعتبارها مركزا للصدارة وفاعلا أساسيا ومحوريا في قيادة السياسات العمومية وتخطيط البرامج والمشاريع التنموية.
وأغتنم هذه المناسبة للإشادة بعمل مجلسكم الموقر الذي سعى بروح المسؤولية إلى الانخراط التام والمساهمة الإيجابية والفعالة في إعداد مخططات وبرامج التنمية على صعيد الجهة بما يضمن العيش الكريم لجميع الساكنة.
ويأتي انعقاد هذه الدورة اليوم في سياق ظرفية استثنائية صعبة على المستوى الدولي والوطني، والتي تتمثل في انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد ، والذي نجحت بلادنا، ولله الحمد، بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، من التحكم في تداعياتها، حيث بادر حفظه الله إلى توجيه تعليماته السامية في إطار مقاربة استباقية، لتعزيز كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية بهدف الحد من انتشار الوباء، ومواجهة تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وبفضل هذه الإجراءات التي قام بها المغرب فقد ظلت الحالة الوبائية ببلادنا متحكما فيها بالنظر إلى العدد المتقلص للحالات الحرجة، وقلة نسبة الوفيات، وارتفاع نسبة التعافي مقارنة مع باقي الدول الاخرى. وفي سياق الصورة الجميلة التي قدمها المغرب للعالم في زمن كورونا، فقد بادرت المملكة بتعليمات سامية إلى إرسال مساعدات طبية للعديد من البلدان الإفريقية الشقيقة من أجل مواكبتها في جهودها للتصدي لهذه الجائحة.
أما على الصعيد الوطني، فقد أمر جلالته بالإحداث الفوري لصندوق خاص بتدبير هذه الجائحة خصصت اعتماداته من جهة، للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل البنيات الصحية وتوفير التجهيزات اللازمة والملائمة لمكافحة هذا الوباء، ومن جهة أخرى إلى دعم الأسر المتضررة والأشخاص المتوقفين عن العمل من خلال منح مساعدات مالية لما يناهز سبعة (07) ملايين من الأسر والمستفيدين.
حضرات السيدات والسادة.
لقد شكل النموذج المغربي، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في مواجهة تداعيات هذه الجائحة، استثناء عالميا، وذلك بشهادة منظمة الصحة العالمية ورؤساء الدول والهيئات الدولية، الذين أشادوا بتدابير بلدنا التي وازنت بين مصلحة المواطن والاهتمام بصحته وبين الحفاظ على الحد الأدنى من النشاط الاقتصادي الوطني، في تلاحم تام بين مختلف مكونات الشعب المغربي. حيث أبانت كل الأطقم الصحية والأمنية والسلطات المحلية، والمنتخبون ومسؤولو المصالح اللاممركزة وجمعيات المجتمع المدني، عن تفانيها وإخلاصها بكل روح وطنية عالية في مواجهة هذا الوباء حماية للوطن والأفراد.
كما لا تفوتني الفرصة دون أن أتقدم بالشكر الموصول لساكنة جهة الشرق التي أبانت عن روح المسؤولية والمواطنة وانخراطها التام في جميع الإجراءات المتخذة لتجاوز هذه المحنة.
وإذ أوجه بهذه المناسبة، كلمات الامتنان والشكر إلى كل هؤلاء، فإني أجدد كذلك جزيل الشكر والتقدير أيضا إلى السيد رئيس مجلس جهة الشرق وكافة أعضاءه، على تجندهم وانخراطهم في تقديم الدعم اللازم لمواجهة هذه الجائحة عبر تخصيص ما يناهز 50 مليون درهم مكن من مساعدة الأسر المعوزة، والقيام بعمليات التعقيم بكافة أقاليم الجهة فضلا عن دعم القطاع الصحي بالجهة.
حضرات السيدات والسادة
موازاة مع المجهودات المبذولة على الصعيد الوطني، قامت السلطات الولائية بمعية شركائها بتتبع وتنفيذ كافة إجراءات الحد من انتشار الوباء على صعيد الجهة، والعمل على التخفيف من انعكاساته السلبية خلال مدة الحجر الصحي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية للساكنة، وذلك رغم الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعاني أصلا منها جهة الشرق قبل الجائحة، بسبب تموقعها الجغرافي والحدودي وبعدها عن المراكز الاقتصادية والحيوية للمملكة والجفاف البنيوي وشح الموارد المائية و العزلة المجالية لبعض مناطقها فضلا عن محدودية القطاعات المنتجة للثروة.
وهكذا فقد تم منذ الوهلة الأولى، خلق لجنة لليقظة والتتبع اليومي للإجراءات التي تم اتخاذها، شملت الشق الصحي من خلال تعزيز وتقوية الطاقة السريرية سواء بالمستشفى الجامعي محمد السادس أو بجميع المراكز الاستشفائية المتمركزة بعمالة وأقاليم الجهة، حيث تم تخصيص ما يفوق 1000 سرير خاص بالحالات المحتمل إصابتها و160 سرير لعمليات الإنعاش و6600 سرير للحجر الصحي مع تجنيد ما يناهز 480 من الأطقم الطبية و960 ممرض وممرضة وتوفير كافة المستلزمات الطبية وشبه الطبية اللازمة.
كما تم في هذا الجانب، وضع نظام معلوماتي جغرافي كوسيلة مساعدة لاتخاذ أنجع القرارات، مكن من التتبع الفوري لجميع الحالات المؤكدة والمخالطة لها. هذا النظام المعلوماتي الذي يتكون من مجموعة من الطبقات الموضوعاتية إما على المستوى الأمني أو الصحي أو اللوجيستيكي، والتي تهم التجهيزات الأساسية من مراكز صحية ومحلات التسوق والصيدليات وبنيات الاستقبال كالفنادق ودور الطالبة المعبأة في عمليات الحجر الصحي، حيث يتم ذلك عبر منصة ويب دينامية وآمنة تقوم بتجميع مختلف المعلومات قصد عرضها على لجنة القيادة لاتخاذ القرارات المناسبة. وكمثال على نجاعة هذه المنظومة المعلوماتية فقد تمت محاصرة بؤرة حي الجوهرة بسرعة ودقة متناهية مع توفير جميع الخدمات الضرورية وإمداد الساكنة المعنية بالحاجيات والمستلزمات الأساسية.
ولعل الأرقام المسجلة على صعيد الجهة تبين مدى فعالية هذه الوسائل والتدابير الاستباقية والاحترازية التي مكنت من التقليل من انتشار العدوى، وعلاج المصابين وانخفاض عدد الوفيات (8 حالات)، علما أنه ومنذ 14 أبريل الماضي لم يتم تسجيل أية حالة على صعيد جهتنا حيث استقر العدد في 175 حالة، أما الأرقام الجديدة المسجلة بعد رفع الطوارئ الصحية، فهي تخص المغاربة العائدين من الخارج، والذين يتم استقبالهم وإيواؤهم أثناء الحجر الصحي في ظروف جد حسنة.
لكن هذا لا يعني أننا تغلبنا بصفة نهائية على هذا الوباء، حيث تمت ملاحظة نوعا من التراخي، وهو ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، فالمطلوب من الجميع المزيد من الحذر والحيطة ومواصلة الجهود للحفاظ على هذه المكتسبات والحد من انتشار الوباء.
أما في الشق الاجتماعي فإضافة إلى الدعم المقدم للأسر المتضررة من الحجر الصحي على الصعيد الوطني والذي استفادت منه ساكنة الجهة، فقد عبأت مصالح الولاية مختلف الشركاء من أجل توفير المؤن الغذائية للأسر المعوزة في تنسيق تام مع جمعيات المجتمع المدني والسلطات المحلية، استفاد منها أيضا الطلبة الأفارقة. حيث تم توزيع ما يناهز 67 ألف قفة بما فيها العدد المخصص من طرف الجهة.
حضرات السيدات والسادة
كما تم في هذا الإطار، خلق اللجنة الجهوية لليقظة الاقتصادية والتي عهد إليها دراسة حجم انعكاسات الجائحة على المؤشرات الاقتصادية للجهة ومدى تأثيرها على أهم قطاعاتها المنتجة وإيجاد الحلول الكفيلة باستعادة الحركة الاقتصادية.
ولهذه الغاية، فقد تم تحديد بمعية ممثلي القطاعات المعنية، على إثر سلسلة من الاجتماعات نخص بالذكر منها اجتماع اللجنة الذي انعقد بمقر الولاية بتاريخ 3 يونيو المنصرم، مجموعة من المقترحات الكفيلة باجتياز هذه المرحلة وفق تصور جديد والدفع قدما بمسار تنمية الجهة.
حيث تتجلى هذه المقترحات التي تم رفعها إلى السلطات المركزية فيما يلي:
جعل الجهة قطبا تنافسيا جهويا بموازاة مع التوزيع الجديد لسلاسل القيمة على المستوى العالمي وذلك بتنمية الأقطاب الاقتصادية بالجهة وخاصة الميناء المتوسطي للناظور؛
دعم الاستثمار العمومي بالجهة؛
وضع ميثاق خاص بالجهة من خلال نظام تحفيزي يشجع على الاستثمار؛
وضع نظام ضريبي مرن من خلال مراجعة قانون المالية لسنة 2020 أو في إطار قانون المالية لسنة 2021 يأخذ بعين الاعتبار الحالة الاقتصادية للشركات المتضررة؛
مواكبة ودعم مقاولات الجهة من أجل تمكينها من تدارك العجز الذي تشهده وتطوير أنشطتها عبر تقديم كافة التسهيلات البنكية والضريبية اللازمة لتحقيق إقلاعها الاقتصادي؛
وضع صندوق خاص لتأطير القطاع غير المهيكل، الذي يشغل نسبة عالية من اليد العاملة بالجهة.
ضرورة إعادة النظر في التدخلات الحالية لصندوق الاستثمار لجهة الشرق FIRO وتوجيهيه نحو تقوية الموارد الذاتية للمقاولات.
انخراط رؤساء الجماعات الترابية ومسؤولي المصالح اللاممركزة في تعزيز سجلات الطلبات العمومية بالجهة لفائدة المقاولات المحلية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليص آجال الأداء لفائدة المقاولات خاصة الصغرى والمتوسطة مع تسهيل المساطر الإدارية.
تنمية قطاعات جديدة بالجهة قادرة على خلق مناصب شغل مثل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أو ترحيل الخدمات والرقمنة.
توفير بنية تكنولوجية متطورة بالجهة ذات قدرة إبداعية بإمكانها الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد المحلي وحاجيات الساكنة. وقد تم موازاة مع هذه النقطة، دعوة جامعة محمد الأول إلى القيام بدراسة معمقة حول تداعيات الجائحة على المستوى الاجتماعي لساكنة الجهة مع اقتراح التدابير الكفيلة بتنمية القطاعات الاجتماعية على المدى القريب والمتوسط.
حضرات السيدات والسادة
كما أنتهز هذه الفرصة اليوم، للتطرق إلى مشروع عقد البرنامج بين الدولة والجهة الذي نوليه أهمية خاصة والتي كانت جهتنا سباقة في إعداده، وفق مقاربة تشاركية بين مصالح الولاية والجهة، والذي انخرط مجلسكم الموقر بقوة في مسار بلورته من خلال التركيز على مشاريع تنموية جهوية ذات أولوية في مجالات تقوية الاقتصاد وتنويع مجالاته. والذي أفرز عن مشاريع طموحة تروم تحقيق تنمية مندمجة ومستدامة بالجهة.
و قد أفضت النسخة الأولى لهذا العقد عن 57 مشروعا بكلفة إجمالية تقدر ب 9267 مليون درهم، وفي إطار المقاربة والمنهجية الموحدة التي اعتمدتها وزارة الداخلية مع جميع الجهات، فعدد المشاريع والبرامج التي تمت الموافقة عليها بلغت 54 مشروعا بتكلفة إجمالية تقدر ب 6728 مليون درهم خلال الفترة الزمنية 2020-2022 التي سيتم اعتمادها لتنفيذ عقود البرنامج وفقا للدورية الوزارية ذات الصلة، مع إنجاز 3 برامج أخرى ولكن دون إدراجها في العقد، إسوة بباقي عقود البرامج التي تمت معالجتها من طرف الوزارة، باعتبار أن هذه البرامج الثلاث، تحظى بتمويلات خاصة وآليات حكامة مستقلة، ويتعلق الأمر بالبرامج التالية والتي هي في طور الانجاز:
برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي بقيمة تقدر ب 870 مليون درهم في الشق الخاص بمساهمة مجلس جهة الشرق في هذا البرنامج برسم الفترة المعتمدة.
برنامج التنمية المندمجة بإقليم جرادة بقيمة تقدر بحوالي 436 مليون درهم برسم سنتي 2020 و2022.
برنامج تأهيل المراكز الصاعدة بجهة الشرق بقيمة تقدر بحوالي 860 مليون درهم برسم سنتي 2020 و2022.
حضرات السيدات والسادة
وفي الأخير، أدعو الجميع بمواصلة العمل خلال المرحلة المقبلة بنفس درجة التعبئة وبنفس الروح والعزيمة، من أجل ضمان حماية المجتمع وحماية الاقتصاد الوطني والجهوي، والحفاظ على استمرارية المكتسبات التي تم تحقيقها في هذا الشأن تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته