وأد النزاهة الفكرية والشجاعة الأدبية في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية
محمد إنفي
لو كانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية تتصف بشيء، ولو قليل، من النزاهة الفكرية والشجاعة الأدبية، لما حاولت، بشكل مكشوف ومفضوح، أن تُجهد نفسها في التغطية على فضيحة الرميد وأمكراز؛ لقد ادعت في بلاغها الصادر يوم الجمعة 3 يوليوز 2020، أن عدم تصريحهما بالمستخدمين يشكل مخالفة قانونية لكن هذه المخالفة لا ترتبط بتدبير الشأن العام. وقد تم التمهيد لهذا الحكم بتوصيات ما يسمى لجنة النزاهة والشفافية التابعة للحزب. فيالها من شفافية ويا لها من نزاهة!!!
فأي منطق هذا الذي يوجه مؤسسات العدالة التنمية؟ وكيف يُسيغ مسؤولو هذا الحزب لأنفسهم حق اللجوء إلى لي عنق الحقيقة خدمة للمصالح الحزبية الضيقة؟ فكيف لا ترتبط مخالفة الرميد وأمكراز بتدبير الشأن العام، والأمر يتعلق بانتهاك حقوق الإنسان من طرف المسؤولين عن هذه الحقوق في الدولة المغربية والناطقين باسمها في المحافل الدولية الرسمية؟ وكيف لا ترتبط بتدبير الشأن العام، والأمر يتعلق بمخالفة قانونية تجاه مرفق أساسي من المرافق العمومية، الذي يُعنى بالأوضاع الاجتماعية للشغيلة بالقطاع المهيكل، والمخالفة قد ارتكبت من طرف من هم مؤتمنون قانونيا وحقوقيا وتدبيريا على هذا المرفق؟ وكيف لا ترتبط بتدبير الشأن العام، وغدا سيقف الرميد في جونيف ليقدم تقريرا عن حقوق الإنسان باسم الدولة المغربية، وفضيحته قد طبَّقت شهرتها الآفاق؟ وكيف لا ترتبط بتدبير الشأن العام، وأمكراز سيمثل في جونيف، أيضا، الدولة المغربية على رأس وفد يضم مندوبا عن أرباب الشغل ومندوبا عن العمال بمناسبة انعقاد مؤتمر العمل الدولي الذي تنظمه منظمة العمل الدولية سنويا؟ فكيف سينظر إليه مواطنوه أعضاء الوفد (مندوب أرباب العمل ومندوب العمال وموظف)؟ وكيف سيكون موقفه أمام الأصوات المعادية للمغرب، وفضيحته قد وصلت إلى الصحافة الدولية؟…
ثم كيف لا ترتبط هذه المخالفة بتدبير الشأن العام، والأمر يتعلق بمخالفة قانونية من طرف مسؤولين حكوميين، وليس فقط مسؤولين حزبيين؟ وما أدراك ما هذه المسؤولية!!! فالأول مسؤول عن حماية حقوق الإنسان، وقد انتهك حقوق كاتبته، ولمدة تزيد عن أربع وعشرين سنة؛ ومسؤول عن حماية حقوق مؤسسات الدولة بصفته الحكومية (وزير الدولة، ياحسراه !)؛ وهو قد انتهك حقوق إحدى هذه المؤسسات (صندوق الضمان الاجتماعي) لقرابة ثلاثة عقود. أما الثاني فيرأس المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي بصفته الحكومية، ولم يتم التصريح بمستخدميه إلا بعد اندلاع فضيحة الرميد؛ مما يؤكد ارتباط مخالفته بتدبير الشأن العام، وإلا لكان أحجم عن تصحيح هذه الوضعية…مادام كان قد اختار أن يبقى خارج القطاع المهيكل.
وإذا ما تأملنا في مضمون وشكل النقطة الثالثة في بلاغ الأمانة العامة (وهي النقطة الخاصة بهذه النازلة) الصادر عن اجتماعها يومي 30 يونيو و2 يوليوز 2020، ندرك بسهولة هيمنة منطق التبرير والكيل بمكيالين ثم خطاب المظلومية. والهدف من كل هذا هو التغطية على فضيحة الوزيرين، لكنها، في النهاية، تغطية تشبه تغطية الشمس بالغربال.
فحين تؤكد الأمانة العامة للحزب على “تقديرها للعناية المادية الهامة التي شمل بها الأستاذ مصطفى الرميد الكاتبة المعنية”، وتؤكد على ” تنويهها بمسارعة مكتب الأستاذ محمد أمكراز لتصحيح الوضعية وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الحالات”، فإنها تسقط، من جهة، في تبرير مخالفة الرميد للقانون بما أسمته العناية المادية الهامة للكاتبة المعنية؛ ومن جهة أخرى، تجعل من تصحيح الوضعية من طرف مكتب الأستاذ محمد أمكراز عملا يستحق التنويه والإشادة، والحال أنه عمل يؤكد مخالفة أمكراز لأبسط حقوق مستخدميه، وهو وزير للشغل والإدماج المهني ورئيس المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. لكن الأمانة العامة تريد أن تجعل من تصحيح الوضعية عملا بطوليا يستحق التنويه والإشادة.
والهدف الواضح، سواء من هذا التنويه والإشادة بتصحيح الوضعية أو من التقدير للعناية المادية الهامة بالكاتبة الراحلة، هو التخفيف من مفعول الإدانة الواسعة لسلوك الوزيرين المنافي للقانون والمتعارض مع المسؤولية الرسمية التي يتحملانها في حكومة الدولة المغربية التي لا شك أنها ستتعرض لتحرشات وتهجمات أعداء المغرب في المحافل الدولية. ومع ذلك، يتمسكون بكون هذا الخرق القانوني الفاضح لا يرتبط بتدبير الشأن العام. أليس هذا ضحك على الذقون؟
وفيما يخص الكيل بمكيالين، نسجل بامتعاض، من جهة، اعتزاز الأمانة العامة “بما يشير إليه تعاطي الحزب مع هاتين الواقعتين، من علو منطق المؤسسات والقوانين والأنظمة الداخلية والمساواة أمامها فوق كل اعتبار”؛ ومن جهة أخرى، تؤكد، بكل وقاحة، “أن الأخوين المصطفى الرميد ومحمد أمكراز لم يخرقا قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام ومقتضيات تحملهما لمسؤولياتهما العمومية”.
فالأمانة العامة للحزب الذي يقود الحكومة، لم تشعر بأي حرج وهي تعلي من “منطق المؤسسات والقوانين والأنظمة الداخلية” للحزب وتنفي خرق قواعد النزاهة والشفافية المرتبطة بتدبير الشأن العام ومقتضيات تحمل المسؤولية العمومية من طرف وزرائها، وكأن عدم احترام القانون وعدم حفظ حقوق الأجراء وعدم أداء مستحقات مؤسسة من أهم المؤسسات الرسمية التي تعنى بالحماية الاجتماعية للأجراء، شيء لا يمس لا بالنزاهة ولا بالشفافية (وقد أعود لهذا الموضوع لاحقا)، ولا يضر بمصلحة الدولة في شخص مؤسسة الضمان الاجتماعي!!!
وهذا أمر من الخطورة بمكان لكونه يعلي من مؤسسات الحزب ويحتقر مؤسسات الدولة. وهذا الاحتقار لم يقترفه فقط الوزيران المخالفان لقانون الشغل ولقانون الحماية الاجتماعية ومؤسساتها الرئيسية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)؛ بل تم اقترافه أيضا، وبإصرار، من طرف أعلى جهاز في الحزب الذي يرأس أمينه العام الحكومة. فهل هناك استخفاف بقوانين ومؤسسات البلاد أكثر من هذا؟
أما عن خطاب المظلومية، فيكفي أن نطلع على هذه الفقرة من بلاغ الأمانة العامة: ” استنكارها الشديد لمحاولات ركوب البعض على الواقعتين من أجل شن حملة منهجية ومنسقة استهدافا للحزب ومحاولة للنيل منه ومن قياداته، وتؤكد الأمانة العامة أن رصيد الحزب وممارسة مناضليه ممن يتولون مسؤوليات عمومية رصيد مشرف ومعتبر يدعو للاعتزاز والافتخار، ولا ينقص منه ما يمكن أن يصدر من بعض مناضلي الحزب من أخطاء، يسارعون من تلقاء أنفسهم أو بمبادرة من مؤسسات الحزب إلى تصحيحها”.
هناك مثال رائج موضوعه أن عروسا سُئلت عمن شهد لها بالعقل والجمال، فأجابت: أمي وخالتي (شكون شهد ليك أ لعروسة؛ أمي وخالي). هذا المثال ينطبق تماما على تقييم الأمانة العامة لمردودية مناضلي الحزب ممن يتولون مسؤوليات عمومية. فقد قررت هذه الأمانة العامة وقدرت، في غياب تقارير المؤسسات الدستورية المؤهلة، كالمجلس الأعلى للحسابات، مثلا، بأن رصيدهم “مشرف ومعتبر يدعو للاعتزاز والافتخار”.
وأسائل الأمانة العامة عن أمثلة من أخطاء صدرت من بعض مناضلي الحزب، فسارعوا من تلقاء أنفسهم أو بمبادرة من مؤسسات الحزب إلى تصحيحها. لا أنتظر أن تعطوني كمثال مكتب أمكراز، الذي نوهتم بمسارعته “لتصحيح الوضعية وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الحالات”؛ ذلك أن لا فضل في هذه المسارعة لا لأمكراز ولا لمكتبه؛ فالفضل، كل الفضل، يعود إلى الفضيحة نفسها التي انتشرت كالنار في الهشيم؛ ولولا ذلك لما سارع لا أمكراز ولا مكتبه لتصحيح الوضعية.
أما استنكاركم “الشديد لمحاولات ركوب البعض على الواقعتين من أجل شن حملة منهجية ومنسقة استهدافا للحزب ومحاولة للنيل منه ومن قياداته”، فكان من الأجدر بكم أن توجهوا اللوم لوزيريكم اللذان لطخا سمعة البلاد بحيث أصبح المغرب تلوكه الألسنة في الصحافة الدولية، وبالأخص الأوروبية. كما كانت تقتضي الأخلاق السياسية أن تعتذروا للدولة وللرأي العام المغربي، لا أن تتهربوا من المسؤولية وتتهموا منتقديكم بالركوب على الواقعتين؛ والحال أن لا أحد افترى على وزرائكم واختلق أفعالا غير موجودة. فالمسؤولية لا تقع على المنتقدين؛ بل تقع على من خرق القانون وهضم حقوق الغير (أفراد ومؤسسة رسمية).
فكفى من خطاب المظلومية، وأنتم أظلم الناس للغير! وكفى من الكيل بمكيالين، فالحلال بين والحرام بين! وكفى من منطق التبرير، فالحق يعلو ولا يعلى عليه!
مكناس في 7 يوليوز 2020