هل دقت ساعة إنصاف المقصيين من خارج السلم؟
محمد اقباش
أسواء ما يتوقعه المرء في أي قطاع من القطاعات الحيوية وفي أي بلد كان هو أن تتناسل فيه المطالب ، والأشد سوءا هو أن تتقلص إمكانيات تحقيقها إلى حد غير مقبول ، ينذر بإحباط مزمن ينعكس على الحال والمآل. هذا بالضبط ما نعيشه راهنا في قطاع التعليم الذي هو من الحيوية والصدارة ما لم يشفع له في حل مشكل درج المسؤولون على امتداد العقدين الماضيين على تقاذفه ككرة لهب ، وهو مطلب خارج السلم بالنسبة للمحرومين منه ،أساتذة ابتدائي وإعدادي والأطر الملحقة التي استفادت سابقا من الريع النقابي لكن وجدت نفسها حاليا محاصرة دائرة الحيف . هؤلاء جميعهم ،وأمام تماطل الوزارة في وضع ملفهم ، كسائر الملفات السابقة،على طاولة المفاوضات بقصد الإنصاف ، فضلت الصمت أحيانا والتهرب أحيانا أخرى . هي لربما تنتظر أن تخفت أصوات النداء بهذا المطلب ، لكن المعنيين به مصرون على إبقائه طازجا في الواجهة لإنه من صميم حقوقهم ونديتهم ، وعنوان صريح لكرامتهم..
ماهي إذن تفاصيل هذا الملف ،وما هي دواعي راهنيته؟ دعنا نبدأ من البدايات : هنالك شريحة من رجال التعليم لم تنصفها الأنظمة الأساسية المتوالية بممارستها لحيف واضح وتعامل خاص في حق هيأة التدريس تحديدا ، هؤلاء هم الأساتذة العاملون في السلكين الإبتدائي والإعدادي ، عاكسهم القدر رغم أنهم هم أس العملية التعليمية التعلمية والقائمون على تفاصيلها ، وتجاهلهم المشرع الذي اعتبرهم كأعوان تنفيذ تدبر ترقيتهم على غرار عملية السقي بالتنقيط، لتبقى وضعيتهم شبه مجمدة كأصحاب الكهف ، وتناسى أن “الصرح التربوي” لا يتأسس إلا على كاهلهم، ولا يكتسب شكله الوظيفي إلا بوجودهم واستحضار مساهماتهم.
في أكتوبر 1985 وعلى عهد وزيرالتربية الوطنية آنذاك عز الدين العراقي، تم اعتماد نظام أساسي كان ثوريا في إبانه ، إذ أتاح لهيئة التدريس في السلكين الإبتدائي والإعدادي الولوج إلى السلم العاشر بعد تقسيم هذه الهيئة إلى أربع درجات (سلاليم) . مع سن نظام الإمتحان المهني لأول مرة ، لتحقيق انسيابية في منظومة الترقي التي ستعرف انسدادا في وقت لاحق. وفي فبراير 2003 وعلى عهد الوزيرالإشتراكي المالكي ، باغتنا نظام أساسي لا يقل ثورية عن سابقه ، أتاح الولوج للسلم 11 ، لكنه أبقى على طرد ملغوم قابل للإنفجار عاجلا أم آجلا ،تجلى في الإبهام المقصود في النظام الأساسي الخاص بموظفي التربية الوطنية الذي بموجبه تتوقف ترقية أستاذ الإبتدائي والإعدادي في السلم الحادي عشر،مع اضافة ثلاث رتب 11-12-13 لا تسمن ولا تغني من جوع. بهذه الهدية البئيسة استفاد من استفاد وتوالت الأجيال ،إلى أن أصبحت الشرنقة 11 تضيق بأعداد الأفواج المتوالية من بدايات الألفية الثالثة إلى الآن . وصار لزاما البحث عن مخرج للاحتقان القائم. الوزارة المحترمة لم تبد نيتها في حل الإشكالية وتماهت مع رأي العوام الذي يسند الأهمية للسلك الدراسي الأعلى ، فكان أن تأسست تنسيقية وطنية للمقصيين من خارج السلم بتاريخ 28 اكتوبر 2018، جعلت هدفها الأوحد رفع هذا الحيف عن هذه الفئة التي ما فتئت تتنفس غبنا وتداري أزمتها المادية والإعتبارية بمزيد من الأمل في غد أفضل، غد ترجع فيه الأمور إلى نصابها.
دخلت التنسيقية غمار الفعل بعيدا عن التأطير النقابي النظامي وخلدت عدة محطات نضالية ، ساندتها في ذلك جل النقابات التي يقال أنها ذات تمثيلية ،لكن الحال لم يتغير ولم نجد وزارة تقيس الأمور بمقياس الأنصاف ورفع الحيف، بل هي ترجح منطق الكلفة المادية التي يجب أن نفترضها في كل القطاعات الحكومية كما هو معمول به في سائر بلدان الأرض، لا أن نستبعدها ونستكثرها على مستحقيها. إن الترقية إلى خارج السلم بالنسبة لهذه الفئات حق طبيعي غير خاضع للمزايدة ، وواجب أن تكون هذه الترقية مفتوحة وغير مقيدة إلا بموانع تحصيلها كالعقوبات التأديبية ، فأن تكدس الوزارة أساتذة الإبتدائي والإعدادي في السلمين 10 و 11 وتمعن في تقزيم أهليتهم ونديتهم في الإستفادة من ترقية مفتوحة كما ينعم بها سائر موظفي الدولة، أمر يدعو للإستغراب.
ولا شك أن الوزارة الوصية تعلم علم اليقين أن هناك مطالبين بهذا الحق الدستوري والطبيعي بحت أصواتهم من محطة لأخرى، كما أن هنالك جيش من المتضررين الصامتين وهم يتألمون ،لكن تعوزهم بديهية الصدح بالمطلب ،في انتظار صحوة ضمير من بيده الحل .ولا شك أن جلسات الحوار الإجتماعي مع نقابيين هم اقرب إلى موظفين ملحقين بالمجالس منه إلى محاورين حقيقيين ،تدرج هذا المطلب كسائر المطالب رغم ملحاحيته وأسبقيته المنطقية والزمنية . لكن يبقى الشك كله قائما في نية الوزارة الموقرة لاستيعاب هذا المطلب البديهي الذي لا تعجز عن تفعيله قطاعات أخرى غير التعليم . التقشف وحساب العطار لن يفيد التعليم في شيء، بل سيذكي نار التذمر والقلق من المستقبل لأجيال بأكملها ، وسيحد من تحرير طاقات الإبداع للذين اختاروا طواعية مهنة أحبوها ،لكن تبين فيما بعد هذا الجحود غير المفهوم وهذا الحب الذي يريد بعض مهندسي السياسة التعليمية أن يكون من طرف واحد. فرجاء من وزارتنا أن تستحضر ما يكفي من آليات الإنصاف في تدبير هذا الملف الذي لن ينعم المعنيون به بالراحة إلا حينما يعرف طريقه للحل العادل والإستجابة الغير مشروطة.
توقيع / محمد اقباش
استاذ ابتدائي متضرر