في الذكرى الأولى لوفاة المخرج المسرحي الكبير يحي بودلال . مرضه كان ألما ، وفقدانه خسارة ، لكن نسيانه طعنة في الذاكرة الثقافية والفنية …..
بقلم : فريد بوجيدة
في الذكرى الأولى لوفاة المخرج المسرحي الكبير يحي بودلال . مرضه كان ألما ، وفقدانه خسارة ، لكن نسيانه طعنة في الذاكرة الثقافية والفنية …..
يحي بودلال
في البدء كان المخرج ، وكان للصنعة روادها…
وفي صمت كان الوداع الأخير ، وكأنه لم يكن …هكذا مرت أربعينيته…
يحي بودلال المخرج المسرحي الكبير ، وأحد رواد المسرح المغربي المعاصر ، والذي ساهم في الارتقاء بمسرح الهواة إلى القمة، ومنح للموهوبين شهادة الاحتراف ، لا كمهنة ، بل درجة العلم المشرف. من كان يظن أن مسرح الهواة سيصل إلى هذه الدرجة من الإتقان والحرفة ؟
يحي بدلال المخرج المؤسس لتجربة الهواة ” المحترفين” ، هو الذي خَلّص المسرح الوجدي من فوضى الإخراج الجماعي مرتكزا على اللمسات المتخصصة للفرقة الموحدة ( الاخراج، الكتابة ، التمثيل ، الادارة…) وتجميعها في فعل جماعي ،بدل التوقيع الجماعي على فعل فني متخصص اسمه الاخراج . كان يحي بودلال يمتلك الهندسة الفنية التي استمدها من قراءاته والتزامه الفني.
التحقت وأنا صغير بالمسرح العمالي ، انبهرت بطريقة عمل الرجل ، كان يدرك معنى المسرح وخريطة المكان ، وطبيعة المشهد، والحركة والعلاقة بين الشخصيات والفضاء، بل كان في حينه على دراية تامة بوظيفة الانارة فوق الركح ، وتقسيماته المتعددة ، كما كان ملما بالمسرح العالمي وأهم نظرياته ، لذلك كان كل مشهد بالنسبة له خاضعا للتفسير بناء على معرفة مسبقة وتخطيط أولي ، من كان آنذاك يشتغل بهذه الكيفية ؟
لم يكن يحي بودلال فنانا ” محايدا ” بل منتميا ينهل من الفن الملتزم الراقي ، الذي يعتبر المسرح رسالة قوية ،وممارسته تخضع لموقف محدد ، يرتكز على تصور مسبق للعالم وعلى محددات ” ايديولوجية “، كان يحي بودلال يعرفها تماما، ويطوع النصوص الذي كان يكتبها المبدع محمد مسكين ( الذي شكل معه ثنائيا رائعا) لفلسفة ” إخراجية” وتصور جمالي ينهل من مدارس المسرح ومن قراءة متمعنة للواقع .
وهو مريض التقيته عدة مرات ، كنت أقدره لا كفنان رائد فقط ، بل كأستاذ تعلمت منه أن المسرح فرجة ، ولأنه تعبير راقي كان في حاجة إلى قيم راقية وأهمها المعرفة …وهو مريض كان يمثل لي الصورة الدرامية لوضعية المسرح ، كان يعاني من العلاج المستمر ومن اضطراره الدائم للخضوع المتكرر لجلسات تصفية الدم …
تحية لروح الأستاذ القدير الذي قُدر له أن يمثل مرحلة العنفوان المسرحي ، والمجد لكل المبدعين