تداعيات جائحة كورونا في فترة الحجر الصحي على القطاع السياحي بالمغرب عامة وبمناطق سياحية رائدة خاصة
الجلالي شبيه أستاذ التعليم العالي في القانون بجامعة القاضي عياض بمراكش
إن الواقع الحالي بالمغرب المرتبط سلبيا أشد ارتباط بالأزمة الصحية لفيروس كورونا أنهك القوة البشرية والديمغرافية والسوسيو اقتصادية للمواطن المغربي بصفة عامة، عاملا أم رب عمل، وللقطاعات والشرائح السوسيو مهنية الهشة أو الحساسة· بحيث نلاحظ ثقل تداعيات هذه الجائحة على الاقتصاد الوطني من كل جهاته، وخاصة من جهة هذه المؤشرات الحساسة : زيادة تدفقات رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، ارتفاع حاد في المديونية، تقييد التنقلات الدولية بسبب الحجر الصحي الإجباري وآثارها على الاقتصاد السياحي ثاني مصدر بعد الفلاحة من حيث التشغيل والمبادلات، خاصة في المناطق السياحية الرائدة مثل مراكش وأكادير وورزازات، وأخيرا انخفاض دخل تصدير المواد الخام والأولية· وإذا حاولنا التركيز على القطاع السياحي لوحده، في بعض الجهات السياحية خاصة، مثل منطقة مراكش أو أكادير أو ورزازات مثلا، فإننا نخلص إلى هذه الملاحظات الثلاث التالية: الأزمة الصحية والاقتصاد السياحي عموما، إمكانية تجاوز الأزمة الاقتصادية السياحية بعد كورونا، الآثار الاقتصادية السلبية على القطاع السياحي إجمالا وعلى المناطق السياحية الرائدة خاصة·
أولا : شلت أزمة كورونا في فترة الحجر الصحي الحركة الاقتصادية بالمغرب عامة وبالمناطق السياحية الرائدة خاصة
يقدر حاليا تأثير الأزمة الصحية على الاقتصاد الوطني بصفة عامة بحوالي 78 مليار درهم، أي بنسبة 6.5 بالمئة من الناتج القومي الخام· وتنتج الصناعة السياحية بالمغرب ما يعادل 70 مليار درهم، أي 10 بالمئة من الدخل الوطني، ويشكل الاقتصاد السياحي الوطني 15 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي· ويحتل الاقتصاد السياحي السنوي بمنطقة مراكش-أسفي خاصة حوالي ثلث هذه النسبة·
إن القطاع السياحي بصفة عامة وبمناطق رائدة كمراكش وأكادير وورزازات خاصة يضم أرباب الفنادق ومنظمي الرحلات وشركات النقل والأفراح والمهرجانات وأنشطة صناعية وتجارية وثقافية أخرى عديدة تدور في فلك هذا القطاع، وهو قطاع كباقي القطاعات الخدماتية الحساسة في مثل هذه الظروف الأزماتية الصعبة· بحيث وصل التأثير على قطاع السياحة بسبب كورونا خلال هذه الأشهر إلى خسائر في عدد الوافدين بنحو أكثر من 34 مليار درهم من رقم الأعمال السياحية و14 مليار درهم من رقم الأعمال الفندقية، ناهيك عن خلق ما يعادل 3 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، والضرر الذي قد يصيب هذه الفئة السوسيو مهنية بسبب الأزمة الصحية والاقتصادية· وعموما، يقدر حجم الخسائر التي أطالت اليد العاملة والمبيعات السياحية والفندقية والتجارية والصناعية التي تهم هذا القطاع بنسبة هامة في الاقتصاد الوطني تقدر بما يناهز مئة مليار درهم·
ثانيا: كيف يمكن التخفيف من عبء تداعيات جائحة كورونا على القطاع الاقتصادي-السياحي الوطني وعلى مناطق سياحية رائدة مثل مراكش وأكادير وورزازات خاصة
إن الدولة بكل مكوناتها، مؤسسات وسلطات وازنة، حكومة وجماعات ترابية ومقاولات عمومية وشبه عمومية، ملزمة اليوم في مثل هذه الظروف الصعبة أكثر من أي ظرف مضى أن تقف إلى جانب كل الشرائح الاجتماعية والمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تواجه صعوبات بما فيها القطاع السياحي عموما ومناطق رائدة في هذا المجال مثل مراكش وأكادير وورزازات خاصة·
إن الدولة، في شخص حكومتها، ملزمة لحظتها بدعم القطاع السياحي وإنشاء صندوق على هذا الأساس لإنقاذ خزينة جميع الشركات والمقاولات المتضررة والسياحية خاصة والتي تواجه صعوبات لممارسة نشاطها بسبب هذه الجائحة وإلزامية الحجر الصحي على إثرها·
إن جائحة كورونا حالة أزمة من حالات القوة القاهرة بالنسبة للقطاع السياحي المتضرر، وقطاعات اقتصادية أخرى مشابهة تتطلب تأجيل أو إلغاء الرسوم والإسهامات الاجتماعية مع الحفاظ على حقوق العمال والأجراء، والإعفاء الظرفي والمرحلي من الاقتطاعات الضريبية، وتأجيل الاستحقاقات البنكية والمصرفية، وتقديم تسهيلات بالنسبة للإقتراضات والدفوعات، وتعزيز ضمانات القروض· إن القطاع السياحي بكل مقوماته الاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية، بوصفه قطاعا وازنا في الاقتصاد الوطني، قطاعا حساسا في مثل هذه الظروف، يحتاج إلى دعم مالي قوي من السلطات العمومية لمواكبة نشاطه الذي ينعكس في الظروف العادية ايجابيا وبصفة ملموسة على البنية الاقتصادية الوطنية وعلى المجتمع ككل·
ثالثا: كيف يمكن تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية الوطنية بعد كورونا
إن تجاوز هذه الأزمة الصحية والاقتصادية بالنسبة للاقتصاد الوطني عموما، والاقتصاد السياحي خاصة، وبالنسبة لمناطق رائدة مثل مراكش وأكادير وورزازات تحديدا، يتطلب بالضرورة الأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات السياسية والقانونية والصحية والاجتماعية والمالية التالية·
إن الحكومة الحالية والحكومات الآتية مجبرة بإدماج في سياساتها العمومية المالية التعديلية والسنوية ومتعددة السنوات عواقب الأزمة الصحية والاقتصادية الراهنة والممتدة حتما إلى السنوات اللاحقة، من خلال إحداث احتياط مالي دائم وكافي لمثل هذه الطوارئ والأزمات والآفات والكوارث الفجائية والمترددة· فإذا راجعنا واسترجعنا تاريخ الجوائح والأوبئة في تاريخ الشعوب عموما، وفي تاريخ المغرب خاصة، لا يسعنا للأسف إلا أن نقر بأن ذاكرة التدبير العمومي ذاكرة جد قصيرة، عاجزة عن إدماج هذا المعطى الاقتصادي السلبي في سياساتها العمومية الذي خلف ويخلف وسيخلف خسائر بشرية واقتصادية فادحة لا محال·
يجب إصدار قوانين وتفعيلها لفائدة الفئات والقطاعات الهشة والحساسة مثل القطاع السياحي وغيره كالقطاع الاجتماعي، بشأن الشركات التي توجد في حالة إفلاس، أو فيما يتعلق بتنفيذ العقود وأداء الفواتير وتأجيل السداد ووضع تسهيلات نقدية وإلغاء الغرامات البنكية وتطبيق التدابير الوقائية للحد من انتشار الجائحة وانتشار عواقبها على الأفراد والأسر والمقاولات والقطاعات بما فيها القطاع السياحي· كما يجب العمل كذلك على استئناف تدريجي سريع وفعال للحياة والأنشطة الاقتصادية والتجارية والسياحية الداخلية والخارجية، وتقديم نصائح محددة لقطاعات معينة مثل القطاع السياحي وغيره في مجال الأمن الصحي لاستمرارية النشاط الاقتصادي·
رابعا: ما هي العبرة الفلسفية التي يمكن استنتاجها من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية ؟
إننا نعيش في مجتمع إنتاجي مفرط بالدرجة الأولى نتعامل في علاقاتنا الاجتماعية على هذا الأساس بردود فعل أناني لسلوك استهلاكي أوتوماتيكي مكتسب، شائك، ذميم وملام، ولا نعمل بتاتا على تغيير قواعد حياتنا والتفكير بشكل جماعي واعي والتصرف بشكل فردي مسؤول اجتماعيا في الظروف العادية، وفي الظروف الاستثنائية مثل هذه الظروف· لكن هذه المسؤولية، هي مسؤولية جماعية بالدرجة الأولى، تشرك بنفس الأهمية وبالترتيب القطاع العام والقطاع الخاص والجمعيات والتعاونيات والمنظمات غير الحكومية والصحافة والمواطن والرأي العام، لصالح الوطن ولفائدة ضحايا أزمة كورونا، أفرادا وأسرا ومقاولات وقطاعات، سياحية وغير سياحية· وتظل مع ذلك الدولة في شخص حكومتها المسؤول الأول في تدبير الشأن العام بما فيه توعية المواطن وتوجيهه·
الجلالي شبيه أستاذ التعليم العالي في القانون بجامعة القاضي عياض بمراكش