منظمات دولية .. في المزاد العلني
بقلم : بوشعيب حمراوي
لكم تمنيت أن تدافع منظمة العفو الدولية، بقوة على تقريرها المنتقد للحكومة المغربية، وأن ترد بقوة على طلب الإدلاء بالبينة بشأن اتهامها للمغرب باستخدام تقنية متطورة لمكافحة تعود لشركة إسرائيلية من أجل التجسس على صحافيين و نشطاء. طبعا فنحن المغاربة اعتدنا أن نثق في تقارير وبلاغات وبيانات المنظمات الدولية أكثر من ثقتنا في حكومتنا بكل أجنحتها السياسية والتكنقراطية. كما اعتدنا أن نركب موجة الغضب والنقد والتهجم على المسؤولين ببلدنا، كلما صدر تقرير دولي لأية منظمة. دون أن نغوص ولو لحظات في البحث عن هوية وماهية وأهداف تلك المنظمة. بسبب ما ترسخ وتراكم لدينا من يأس وإحباط من سلوكات وتجاوزات بعض من يقودون قطارات التنمية ببلادنا، وعدم الثقة في كل ما يدبرونه. لكن رد الأمينة العامة بالنيابة لمنظمة العفو الدولية، الذي تسلمه الجمعة الماضي سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية، لم يكن يتضمن أية أدلة وقرائن تزكي تلك الاتهامات. ليخرج العثماني في هجوم مضاد عبر منبر (لاماب)، يطالب المنظمة بالكشف العلني عن تقرير الخبرة العلمية التي اعتُمدت في توجيه الاتهامات. علما أنه كان على المنظمة أن تنشر منذ البداية، الاتهامات مرفوقة بالحجج (إن توفرت لديها). لا أن تبادر إلى قصف بلد بكلمات وجمل غامضة وغير دقيقة. وكأنها ترسل رسائل ابتزاز تسعى من وراءها للظفر بمكاسب غير معلنة.
حقيقة يذهل المتصفح لموقع منظمة العفو الدولية، عندما يعلم أن هذه الحركة العالمية، التي تضم حسب موقعها الرقمي، ما يربو على 7 مليون شخص، تناضل من أجل إنصاف الإنسانية وتمتعها بجميع حقوقها. ويزداد ذهولا عندما يقرأ شعارها (أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام). شتان بين ما تنفثه أبواقها وبين ما نراه ونلمسه على أرض الواقع من استهداف وابتزاز للأنظمة والشعوب. واقع يؤكد أنها لا تعير اهتماما لهموم ومشاغل الإنسانية. ولم تكن يوما تسعى إلى إيقاد الشموع ونشر الضياء. بل كانت ولازالت تتاجر في مآسي الشعوب، وتختلق القضايا وتساوم بشأنها. منظمة لا تدرك قيمة الشموع ومعاني الضياء بها. لأنها تدار بأجهزة تحكم عن بعد، هدفها إشعال فتيل ملفات وهمية، لزعزعة أمن واستقرار الشعوب، وشغلها عن قضاياها الحقيقة.
من أنتم يا سيدات ويا سادة.. وما هي الجهات التي تمولكم وتبرمج خطاكم وخطاياكم، وتحرر بلاغاتكم وتقاريركم ونداءاتكم ؟ .. فنحن كمغاربة لن نصدق حيادكم، ما دمتم تؤكدون رسميا أنكم تديرون منظمة دولية بالاعتماد على المساهمات المالية الشخصية والتبرعات. فحبذا لو نشرتم سنويا تقاريركم المالية مرفوقة بفواتير مداخيلها ومصارفها، لنحصي معكم ونجزي هؤلاء المحسنين الحقوقيين الذين يتبرعون لكم بالأموال. ونجعل منهم قدوات تقتدي بها باقي البشرية. فلا أظن أن ما تتوصلون به من أموال يدخل في إطار الإحسان والصدقة، التي قد تدفع صاحبها إلى اعتماد الكتمان والسرية. ولا أظن أن المنظمة ستجد حرجا أو تصاب بالخجل في الإعلان عن لائحة من يدعمونها، لأنها تعلن باستمرار تلقيها لتلك الأموال مجهولة المصادر.
لم نتساءل من قبل عن هويات الترسانة البشرية لمنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أو عن فئات بشرية. وعن سبب عدم تغيير مجموعة من زعمائها الخالدين (النموذج الأمنستي بالمغرب)، سواء على مستوى المركزيات أو الفروع. ونهجها لأساليب ديكتاتورية في التعيينات (بدل الانتخابات)، والإغداق ماليا على العاملين معها. علما أنها منظمات (لا تلهت وراء الربح المالي)، وليس لها مصادر أموال رسمية.
بالأمس القريب خرجت علينا منظمة مراسلون بلا حدود بتصنيفها السنوي لحرية الصحافة (2020)، الذي وضعت فيه المغرب في الرتبة 133 ضمن لائحة ضمت 180 دولة. الأكيد أن قطاع الصحافة بالمغرب متردي، وأنه في حاجة إلى تطور وإنصاف ودعم وحياد.. لكن تصنيف منظمة ليس لها فرع في المغرب، لا يمكن أن يعد به. وهي التي اعتمدت على مراسل لها، وكأنها منبر إعلامي ينتظر جديد الأخبار المغربية. بل يجب على المنظمة أن تجيب المغاربة، لماذا ضمت لائحتها أسماء الدول الحقيقية. وعوض كتابة المغرب، كتبت (المغرب/ الصحراء الغربية). فإن كانت المنظمة لا تعترف بمغربية الصحراء فهذا شأنها. ولن يضر المغرب في شيء. لكن ماعلاقة كلمتي (الصحراء الغربية) بموضوع تصنيف معين يخص الدول. وطبعا فهذا يؤكد عدم حياد المنظمة. وإن كانت تلك المنظمة مهتمة بقضايا الصحافيين السجناء أو المتابعين قضائيا من أجل عدة تهم داخل وخارج قطاع الصحافة. فلماذا لم تبادر إلى تنصيب محامين للدفاع عنهم. والاطلاع عن قرب على كل الملفات والمحطات القضائية. ويمكنها بعد استنفادة المحطات القضائية (الابتدائية والإستئنافية والنقض)، أن تخرج بتقاريرها، معا أو ضد مسارات التقاضي. عوض أن تتحدث عن ملفات وقضايا لمجرد توصلها بشكايات أو رسائل من أطراف مجهولة، معظمها أبواق وأقلام مأجورة.
أتعجب لكون لا أحد من تلك المنظمات تحدث عما يقترفه زعماء الدول المتحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي. من ظلم واستبداد وابتزاز في حق الشعوب والأنظمة المستضعفة والصحافيين، وحتى شعوبهم. ما رأيها في ما تعرض له مجموعة من الصحافيين من سب وتهجم وتضييق من طرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخلال ندوات صحافية نشرت (بالعلالي). وما رأيها في دول تحدث قنوات تلفزيونية ومنابر إعلامية ورقية ورقمية، لضرب أمن واستقرار دول أخرى ؟؟ ..
فمتى ندرك نحن المغاربة أنه علينا التأثيث لمنظمات وطنية مواطنة مواردها البشرية مغربية لها غير أكيدة على الوطن. ونساهم من أجل إنجاح أهدافها في الدفاع والترافع من أجل إنصاف كل المغاربة. وعدم الاكتراث لما يردد الببغاوات من الخونة والغرباء والخصوم الذين يحاولون الركوب على مطالبنا من أجل ابتزاز الحكومة والنظام، وزرع الاضطرابات والتوتر في وسطنا. وهدفهم واحد موحد، ينحصر في إضعافنا واستغلال ثرواتنا؟؟..
متى ندرك أن معظم المنظمات الدولية ليست سوى منصات مأجورة مهمتها خدمة أجندات خفية. وأنه علينا نحن المغاربة أن نصد قصفهم للمغرب. ونخبرهم أننا تجاوزنا مرحلة الإضاءة بالشموع والغاز، وانتقلنا إلى مرحلة الاستفادة من الطاقات المتجددة وحتى تصديرها. ولن نحتاج لأمنستي من أجل ضمان الرؤية والوضوح.. كما علينا أن نلعن الظلام الذي مهد لبعض الخونة والجواسيس التدخل في أمورنا والحجر على أفكارنا… فقد حان الوقت للإعلان عن استقلالنا الفكري ورفع شعار: (أن توقد فكرك خير من أن ترهنه للظلام والظلاميين..).