نظام الباكالوريا..الخلل المسكوت عنه!؟
الأستاذ منير الحردول
لا أحد في المشهد السياسي والتربوي، له الرغبة في تحليل الأمور بشكل مستقل حول العريضة الطويلة لمختلف النظريات التي عالجت، ولا زالت تبحث عن معالجة فعالة لأشكال التقويم المدرسي، والامتحانات الاشهادية، ومدى ارتباطاتها بمبادئ تكافؤ الفرص، وبناء شخصية المتعلم على أساس التوازن النفسي، والاستقرار العقلي، والثبات الوجداني في المواقف والافعال، وغيرها من الأمور التي تدخل في صلب الحياة الاجتماعية الوظيفية، أو الأسرية أو غير ذلك.
إذ، أن مجمل النظريات التقويمية التي أسست عليها الامتحانات الاشهادية، يتوخى منها أساسا معرفة أو الحصول على نقطة عددية، تؤهل صاحبها للعبور للمستويات العليا، أو الولوج لإحدى المراكز أو المعاهد الدراسية، التي صبغت بالرسميات، نظرا لاستقطاباتها المنصبية المحدودة، القائمة على عدد محدد من المقاعد، خصوصا بالمعاهد العليا..
فالامتحانات، وإن كانت تدخل قي إطار تحديد وغربلة
الإنسان بشكل عام، أو التلاميذ والطلبة بشكل خاص، على اساس الاستحقاق النسبي القائم على درجة التحكم في مختلف المعارف والمهارات، المراد الوصول إليها، أو تحديد الحد المعقول منها. فهي من جانب السلوك والمعاملات الاجتماعية تبقى بعيدة عن جملة من القيم، تلك القيم المبنية على نكران الذات وحب الخير للجميع، من خلال القضاء على كل من ينخر المجتمع والدولة على حد سواء.
فإذا كان التطبيع مع سلوكات مشينة داخل المجتمع، كالرشوة، والحسوبية، والاستهتار بالقانون، والتضامن القائم على الرياء، وتشريد الأطفال، والتحرش بالنساء في الشوارع، وتفشي الاتكالية، ونشر اليأس، وعودة العرقية المقيتة، ونكران تراث الأمة، واحتقار تاريخ البلاد، والتشبت بحضارات الاستعمار، والتمادي في التقليد الأعمى، وجلد الذات باستمرار! فأي نتيجة أو غاية تحققت من هذه الاشهادات التي اعتمدت على نقط عددية، وشهادات ورقية، صبغت بطابع الرسمية، بهدف ضبط استقرار وتوجيه الموارد البشرية المتنوعة.
الحياة المدرسية في نظام التقويمات الحالية تعتمد على الفصل بين الأسلاك التربوية، وهو ما ينعكس على بناء مجموعة من القيم التي تغرس منذ الصغر، بيد أنها تتلاشى كلما تم الانتقال للمستويات العليا، نتيجة ازدياد حدة ادراك قيمة الوعي، والتحليل الواقعي للأمور المتناقضة في كل شيء.
لذا فإصلاح نظام التقويمات، لا يقتصر فقط على طبيعة الأسئلة، وتنوعها المعرفي، والمهاري، أو الوجداني، والتي يحكم عليه نظريا، في مقابل تناقضاتها سلوكيا وواقعيا.
إذن، التقويمات الاشهادية، أو الاجمالية المرحلية، عليها أن تتبع معيار الاستمرارية السلوكية، القائمة على تقوية مفهوم الحياة المدرسية، وفق مقاربة نسقية مبنية على الترابط والتواصل والاستمرارية، حتى يسهل إصدار الأحكام النسبية في نهاية المطاف، على أساس الحياة المدرسية كاملة، لا على أساس الفصل بين المستويات في النجاح وربطها بعتبة محددة.
بمعنى نيل أي شهادة مدرسية عليه أن يكون على أساس الربط بين جميع المسالك والأسلاك، في نسق النسبية المحددة، وفق مقاربة شمولية، تراعي التشجيع على طلب العلم، والمعرفة من الأسلاك الابتدائية وصولا إلى الأسلاك العليا.
فمثلا نيل شهادة الباكالوريا، عليه أن يدرج في إطار المجهود الذي بدل طيلة الحياة المدرسية، بحيث معدل شهادة الباكالوريا عليه أن يعتمد على مقاربة لها أثر رجعي مرتبط بالمستويات السابقة للتلميذ، والمتصلة بالحياة المدرسية ككل، في أفق الانتقال إلى المستويات الجامعية العليا..
فمعدل الباكالوريا، ونيل الشهادة، عليه أن يتغير من مفهوم تقويم المعدلات السلكية، أي ربط الباكالوريا بجميع معدلات ونتائج الأسلاك التربوية السابقة، بطرق تدريجية، في أفق تعميمها على الباكالوريا بجميع أصنافها.
فبعد الاعتماد بطبيعة الحال على التقويمات غير الاشهادية، واحترام العتبة الصارمة للنجاح، يتم احتساب معدل الباكالوريا وفق نسب تراعي سيرورة الحياة المدرسية ككل، أي لنيل هذه الشهادة تعتمد نقط جميع المستويات الدراسية للابتدائي والإعدادي والسنوات الأولى من الثانوي.
إذ، يحسب المعدل القائم على نيل هذه الشهادة على الشكل التالي: نقط الابتدائي في جميع المستويات تحسب بنسبة %5 ونقط الثانوي الإعدادي بمستوياته الثلاث يحسب بنسبة %10 في حين تحسب نقط السنة الأولى من السلك الثانوي بنسبة %5 والسنة الثانية من الباكالوريا بنسبة %10، في حين يحسب امتحان الباكالوريا بنسبة %65 والمراقبة المستمرة للسنة الثانية من الباكالوريا بنسبة%5.
وهكذا نكون حققنا نسبة%100. نسبة الحكم والنجاح وأخذ شهادة الباكالوريا، وفي نفس الوقت نعطي قيمة للدراسة والجد والاجتهاد والمتابعة، والتنافس منذ الصغر في إطار حياة مدرسية متصلة، مفعمة بالاحساس الوجداني، والتتبع المستمر للأسر، والتلاميذ لمجهوداتهم المبذولة، طيلة المسار الدراسي المتصل بمختلف تلاوينه وتأثيراته المعرفية، والمهارية والوجدانية.
ولم لا يتم كذلك، توسيع هذا المنظور ليشمل في المدى المتوسط ربط الحياة المدرسية بالحياة الجامعية ككل!
ومن جهة أخرى، وفي خضم الجدل الدائر حول طبيعة الصعوبة المرتبطة ببعض المواد ، فقولنا كالتالي: إذا كان الامتحان سهلا فما الفائدة أصلا منه!
وإذا كانت مادة الرياضيات التي يتحدث عنها الجميع بعيدة عن المنطق الذهني، ومرتبطة فقط بالحفظ والشهرة المظهرية للتوجيه لنيل الاعتراف، داخل المنظومة والمجتمع فهذا خلل كبير.
وكما قلنا سابقا النقط العالية جدا، والمرتبطة بسهولة المواضيع مجانب للحكمة.
إذ أن نظام الامتحانات، وجب اصلاحه بشكل بنيوي، حتى لا تصبح الامتحانات هالة تؤثر على نفسية التلاميذ والأسر ككل.
كما أن هاجس الولوج إلى المدارس العليا، عليه أن يتخلص من نظام النقط العددية للباكالوريا، وتقام مباراة يمتحن فيها جميع الناجحين الراغبين في ولوج تلك المعاهد!
فلا يعقل أن تحدد نقطة عددية في الباكالوريا مسار حياة دراسية كاملة للتلميذ، الذي تعرض لنكسة أو هفوة، جعلته غير قادر على الحصول على نقطة عددية كبيرة، تسمح له بالمشاركة، أو الولوج لتلك المعاهد ذات الاستقطاب المحدود.
ولعل اثارة موضوع صعوبة الامتحان في مادة ما، داخل قبة البرلمان من قبل البعض، خصوصا ممن أخفق أهلهم أو أقاربهم في الاجابة الصحيحة أمر لا يستقيم!
التعليم له نساؤه ورجاله، ويستند لأطر مرجعية واضحة وواحدة. كفى من القفز على الحقائق الصادمة. فأهل التدريس لا تنطوي عليهم حيلة الصعوبة والسهولة، وهم ينادون دائما بوضع حد للسمسرة التى أدت إلى خلل تربوي في كل شيء.
الذي يقرر، ويصدر حكما ما، هم أهل الميدان وكفى! أتركوا الانتخابات والسياسة بعيدة عن شعار القفز على الحائط القصير لعبة مربحة!
وفي نهاية التحليل الذي نطرحه دائما في مختلف وسائل الإعلام، نقول ونؤمد ونتمنى من الجهات الوصية، الفصل بين الباكالوريا والولوج للمعاهد العليا!
بمعنى، تعميم المبارايات على جميع الحاصلين على شهادة الباكالوريا دون استثناء ممكن! بهدف اتاحة الفرصة للجميع وحسب الاستحقاق للولوج لتلك المعاهد والمدارس ذات الاستقطاب المحدود.
فلا يعقل أن تصبح نقطة عددية تحدد مصير الملايين، علما أن الهفوات والأخطاء قد يقع فيها أي شخص! فما بالك بامتحان تتزايد فيه الضغوط من كل الاتجاهات.
نتمنى أن يتم الانكباب على اصلاح هذا الخلل من قبل العقلاء، ما دمنا نقترح أفكارا جديدة خارح المجالس الرسمية!