لاأمارس الشعبوية حين أقول إن جمال الدبوز كوميدي تافه ، وهذه فرصة لوضع النقط على الحروف :
فريد بوجيدة
كل الظواهر التي يسخر منها جمال الدبوز وبعض الكوميديين المغاربيين والتي تتعلق بسلوك المهاجرين سواء الجيل الأول أو الأجيال اللاحقة ، أي الجيل الذي اقتلع من أرضه سنوات الاستعمار ، وتم تصديره كقوة عمل إلى فرنسا أو الأجيال التي عاشت الاقتلاع الثقافي le déracinement في ما بعد ، هذه الظواهر الثقافية وبعض السلوكات الناتجة عنها ، ما هي إلا نتيجة للوضع الاجتماعي للمهاجرين الذين تم تكديسهم في مساكن البؤس عبارة عن غيتوهات بعيدين عن المجتمع الفرنسي . وحين يسخر هؤلاء المهرجون من آبائهم بطريقة فجة ، ماهي إلا عملية إنتاج نفس البؤس ، والكثير منهم يعرف تماما أن أوضاع البؤس كانت من صنع آلة رأسمالية لم تنظر لهؤلاء الآباء إلا كقوة عمل ، وبالتالي هي المسؤولة عن بقاء مجموعة منهم داخل جماعتهم الثقافية والتي اصطدمت في ما بعد مع أبنائهم وأحفادهم .
وأن يجعل فكاهي من عروضه (كل عروضه ) من تلك الأوضاع مادة للسخرية الدائمة يعبر بوضوح عن جهل تام للتشكل الثقافي المركب للمهاجرين الذين أفنوا شبابهم في بناء الجسور والسكة الحديدية والطرقات والبنايات ، وسقى عرقهم من بداية العشرينات مختلف الأراضي والمعامل سواء في فرنسا أو المستعمرات ..
وقبل أن تضحك هذه الشريحة المثقفة من الفرنسيين على المظاهر السلوكية للمهاجرين وثقافتهم “المركبة ” ولغتهم الهجينة ،والتي يجسدها لهم مع الأسف أمثال الدبوز ، عليها أن تعرف تماما أنها مسؤولة ، (وموروثة من الآباء السياسيين) عن عنصرية مشينة مورست ولازالت تمارس بطرق هزلية ، والمجتمع الذي شيدته الرأسمالية كان دائما مجتمعا غير عادل ثقافيا حين تم تجميع واستبعاد المهاجرين منذ الهجرات الأولى والتي كانت خطة تكميلية للاستعمار باستنزاف قوة عمل المهاجرين .
هناك مجال واسع للسخرية ومن المفارقات الاجتماعية والظلم داخل المجتمع الفرنسي ، لكن مع الأسف لا يقترب منها هؤلاء الكوميديين ، وهي مساحة خاضعة للصمت ، خوفا من الآلة الاعلامية ” الر أسمالية ” الموجهة للثقافة والإعلام بفرنسا .
كنت دائما أشمئز من عروض هؤلاء الفكاهيين الذين يجلدون آباءهم ، كما كنت أنتقد عروض الفكاهيين المغاربة التي تسخر من القروي وتصفه بالبلادة وانعدام التحضر فقط لأنه لايعرف القراءة والكتابة ، ولاتعتبره مهمشا ومستبعداوفقيرا . الكوميديا موقف ورسالة وتشخيص للمفارقات الاجتماعية والسياسية ، وليست سخرية من فئة مغلوبة على أمرها….