عندما أمرت السيدة الأولى تأجيل الحلقة الأخيرة
السيدة الأولى تأمر بتأجيل الحلقة الأخيرة
فريد بوجيدة
للغة سلطة ، وهي سلطة تستمد من قواعدها ومن تاريخها ، وهي تتجاوز الأفراد ، من هنا كان لرولان بارت رأيا في ديكتاتوريتها ، لأنها بعكس الديكتاتوريات الأخرى ، لاتمنعك من الكلام ، بل تجبرك عليك ، فهي لا تمنح ذلك الحق إلا بالصيغة التي تريد هي ، لا اختيار لك … لكن الامبراطور في مسرحية محمد مسكين (اصبر يا أيوب ) له رأي آخر ويحاول أن يكون ذا سلطة تفوق سلطة اللغة …
يقول : لكن الجوقة (يرفع كلمة الجوقة )
يحاول الحاجب أن يقنعه بأن علماء اللغة أكدوا أن لكن حرف نصب واستدراك …
الامبراطور : وكيف يجرؤ هؤلاء الجهلة على قول هذا ؟ إن لحاهم أطول من عقولهم .
الحاجب : ولكن …
الامبراطور : حرف رفع . سأصدر مرسوما امبراطوريا تصبح بمقتضاه لكن حرف رفع .
الحاجب : الكل عندكم يهون …
إن تدخل الامبراطور هذا جسده كذلك عادل إمام في مسرحية الزعيم حين أمر كذلك بتغيير اللغة لأنه لم يخبر بقاعدة لغوية كان يجهلها …هذا في المسرح
في الواقع لا يجرؤ الآن أي زعيم المساس بقواعد اللغة ، إلا إذا أخضع الأمر لهيئة العلماء ، وهذا لن يحصل … بالمقابل يمكن له وبدافع السلطة أن يغير أشياء أخرى .
قرأت خبرا في صحيفة الموجز الاكترونية ليوم 22 يوليوز أن زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ( سوزان مبارك ) تدخلت لدى التلفزيون في التسعينيات لأجل تأجيل الحلقة الأخيرة من مسلسل ناجح آنذاك اسمه ( الوتد ) من تأليف خيري شلبي وإخراج أحمد النحاس عن الحياة الحقيقية لفاطمة ثعلبة جسدتها باقتدار هدى سلطان . ترى لماذا استعملت هذه السلطة ؟ هل في الأمر مس بأمن البلد؟ أبدا ..باختصار كانت السيدة الاولى مشغولة تلك الليلة بحفلة خاصة ، وطلبت من مؤسسة التلفزيون تأجيل الحلقة الأخيرة التي كان ينتظرها ملايين المصريين ، الحدث طبعا يحسب تجاريا لصالح المسلسل ، لكن دفع بالبلد إلى الوراء .
للغة قواعها ، وللفن حرمته ، وللمؤسسات هيبتها منها التلفزيون . لقد فهم الغرب درس مونتيسكيو حول فصل السلطة باكرا وزاد به إلى الأمام ، ولم يستوعبه العرب فتدحرجوا ……