صف لي وسطك الاجتماعي، أقول لك من أنت
الجلالي شبيه – أستاذ التعليم العالي في القانون – جامعة القاضي عياض – مراكش
هناك طرق مختلفة، تختلف باختلاف الواقع الاجتماعي، لرؤية وفهم وتفسير العالم من حولنا والذي نعيشه ونعايشه، سواء من قبل شخص أو عائلة، من قبل مجموعة أو مجتمع، من طرف حاكم أو محكوم، من طرف شركة أو مستهلك، من وجهة نظر إدارة أو مرتفق، من وجهة نظر باحث أو رجل دين أو شخص عادي·
يمكننا رؤية وفهم وشرح العالم أو المجتمع أو العلاقات الاجتماعية من خلال التفكير السحري- الأسطوري أو نظام ديني- اجتماعي : كالسحر والشعوذة والطلاميس والتفكير الغيبي· بحيث يتم، حسب هذا الواقع، تفسير الظواهر بالأسطورة والسحر والشوافات وتنزيل أمور اجتماعية ونفسية منزلة القداسة والاحترام، والاعتقاد والإيمان بأمور غيبية نفسر بها المجتمع، كالانتماءات الطائفية أو المعتقدات الميتافيزيقية· والذين شبوا وشابوا في هذا الوسط (جماعة، مجموعة أو أفرادا) غالبا ما يكتفون بنظرة أفقية محدودة، وقلما يفكرون في تطوير منظورهم أكثر من ذلك· إن العديد من الدول في العالم، وفي أفريقيا على وجه الخصوص، يوجدون في هذا الوضع·
يمكننا أيضا رؤية وفهم وتفسير العالم أو المجتمع أو العلاقات الاجتماعية، عن طريق العلم والتفكير العلمي، الدقيق أو الاجتماعي، من خلال علم الفلك والكيمياء والفيزياء والطب والهندسة والتقنيات والرياضيات والمعلوميات، من خلال التاريخ والجغرافيا والسوسيولوجيا والاقتصاد وعلم الإدارة والتدبير والقانون· يستخدم أهل هذه البيئة الأساليب الواقعية، والمناهج العلمية، والطرق التجريبية، والأوجه البراكماتيكية· ويتمتعون بنظرة واقعية قد تذهب ايجابيا بعيدا، وتزدهر تأكيدا· هناك العديد من الأمثلة بالنسبة لهذه الفئة، مثل الدول الاسكندينافية أو دول الشمال، وسويسرا وأستراليا وإرلاندا وألمانيا وهولندا وكندا···
ويمكننا أيضا، حسب هذا النوع الثالث من الأوساط الاجتماعية، رؤية وفهم وشرح العالم أو المجتمع أو العلاقات الاجتماعية، كل حسب طريقته وتصوره، من خلال الإيديولوجيات والمصالح الخاصة، أو الأكاذيب والدعايات والشائعات، وحتى الطرق القمعية إن اقتضى الحال· يوجد هذا النوع من التفكير في السياسة، في القانون، في الدين وحتى في العلوم الدقيقة كذلك· يستخدم أهل هذا الواقع، وأنصار هذه التصور، السياسة والقانون والدين والعلوم وحتى الأخلاق لخدمة مصالحهم الخاصة· لن تتقدم هذه الفئة أبدا، وتتوقف، في أحسن الأحوال، في منتصف الطريق، وقد يتم تجاهلها واحتقارها تماما، لما تحتويه من سوء نية ولامبالاة وعدم المسؤولية· تشمل هذه الفئة جميع الذين لا يرون في المجتمع أو في الدولة أو في الشركة أوفي التعاونية أو في المنظمات غير الحكومية، إلا مطية للوصول لأهدافهم الشخصية ومصالحهم الخاصة·
وإذا أخذنا مثال القانون، فهناك قاعدتان أساسيتان ومتكاملتان تفسرانه: الأولى، “ما هو كائن”، والثانية، “ما ينبغي أن يكون”، أي المعيار والاقتراح، أو المثالية والواقعية· ويمكن للمرء، للسلطة أو للحاكم، أن ينزلق بسهولة من وحدة لأخرى، بحسب واقع ومزاج الدولة وطبيعة النظام، من الحقيقة إلى الأكاذيب، ومن المصلحة العامة إلى المصالح الخاصة، مبرهنا على ذلك بأدلة سفسطية مدعيا بأنها حقائق·
وهناك كذلك قاعدتان أساسيتان أخريان، لكن متناقضتان، تعبر عنهما قاعدتان لاتينيتان يعود عهدهما لأكثر من 2100 سنة وما تزالان، مع ذلك، ذات صلة عميقة بالواقع، وذلك وفقا للأنظمة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة المعمول بها في هذا المجتمع أو ذلك· القاعدة الأولى:
“Dura lex, sed lex”
وتعني، القانون قاسي، لكنه القانون، واجب الاحترام·
والقاعدة الثانية:
“Summum jus, summa injuria”
وتعني، قمة ضغط القانون، قمة ارتفاع الظلم·
تؤكد القاعدة الأولى على صرامة وصلابة القانون، ولكنها مع ذلك تدعو إلى طاعته والاستسلام له· هذا الجانب، هو الجانب السلبي في القانون، والذي تم تبنيه بشكل خاص ومنهجي من قبل دول ذات واقع معين وديمقراطية جد ضعيفة أو منعدمة·
أما القاعدة الثانية فتندد بإساءة استخدام القانون، وتطبيقه ظلما وعدوانا، وتدعو إلى عصيانه والتمرد عليه، كلما دعت الضرورة لذلك، إنه جانب إيجابي، جانب تقدمي من القانون، تتبناه خاصة الدول ذات بيئة معينة وديمقراطية حقيقية·
يحث المبدأ الأول على المحافظة، والتوافق، والتقليدية، والتعصب، والتبعية، وتتبع هذا الاتجاه البلدان المتخلفة أو النامية، لأن كلا المصطلحين جائزا في الواقع·
والمبدأ الثاني يشيد بالتقدمية والحداثة والتسامح والأصالة والابتكار··· وتتبع هذا الاتجاه الدول المتقدمة حقا، أي تلك الدول التي يتم تصنيفها، وفقا لمؤشر التنمية البشرية، في مستوى عال جدا من الرفاهية الاجتماعية·