هل ينقرض إكليل الجبل من الجهة الشرقية ؟
محمد شحلال
تعتبر جماعة ،،سيدي لحسن،،القروية من المناطق الزاخرة بنبتة إكليل الجبل التي أصبحت مادة تكاد تضاهي،،القنب الهندي،، بشمال الوطن بعدما صارت تلقى رواجا لم يسبق له مثيل.
عرف إكليل الجبل أو،،أزير،، كما يشتهر محليا ،بكونه أحد أجود مصادر العسل الأبيض،إلى جانب استعمالاته المتزايدة.
وهكذا ،فقد ظلت أغصان ،،أزير،، تنسم قهوة البدو التي تندمج مع ،،عقاقير،،أخرى تسمح بانتشار رائحة عبقة تدخل بيوت الجيران من غير استئذان،حتى إن هذا النوع من القهوة قد تحول إلى بلسم لبعض العلل ،وهو بلسم أجازته تجارب العجائز والشيوخ.
في السنوات الأخيرة،أصبح إكليل الجبل مصدرا للنكهة الطيبة في الدجاج واللحوم المشوية،بينما يفضل البعض تقطيره لاستخراج زيت طبي ثمين،قبل أن تظهر فوائده الجديدة ،ليصبح منتوجا قابلا للتثمين عبر التصدير للخارج.
كانت معظم المقاولات التقليدية تستغل نبتة إكليل الجبل بجماعة ،،سيدي لحسن،،مقابل عائدات زهيدة لا تتناسب مع حجم الأرباح الحقيقية للمقاولات،ناهيك عن الإجهاز على هذا الغطاء النباتي الثمين .
عندما انكشفت أهمية إكليل الجبل عبر انتشار الجهات المتجرة فيه،عرف ثمنه ارتفاعا صاروخيا خاصة بعدما تطور تسويقه ،حيث أصبح الباعة ملزمين بتجفيفه ثم الاقتصار على جمع أوراقه بخلاف ما ظل سائدا في الماضي،إذ كان يباع بكامل أغصانه مقابل تدن في الثمن.
تعتبر عملية تفكيك أوراق إكليل الجبل عملية شاقة،ويحتاج جمع قنطار منها إلى تجريد مساحات شاسعة من غطائها،قبل أن تتدرج قيمته بين الوسطاء خاصة حينما يتم الجني خارج القانون مثلما كان يحصل خلال الشهور الماضية.
لقد أصبحت أوراق ،،أزير،،تدر على الساكنة دخلا هاما،ذلك أن بعض الأشخاص وكما كشفوا عن ذلك بكل تلقائية،فإن المردود اليومي الصافي لا يقل عن 500 إلى 600ده خارج ،،نصيب الوسطاء !
خلال الأيام الأخيرة،عشت جزءا من يوميات عمال ،،أزير،،حيث كان بينهم تلاميذ وأطفال في عمر الزهور هجروا النوم، ليقضوا سواد اليوم تحت وهج الشمس الحارقة، ورحمة حراس المياه والغابات الذين يكتفون أحيانا بتشتيت أكوام الأوراق النفيسة التي تطلبت أياما من المعاناة،لتتحول حياة هؤلاء العمال إلى حياة ،،سيزيفية،،!
كنت على وشك الخلود للنوم،حين سمعت حوافر الدواب وهي محملة ،،بالعشب الأخضر،، الذي يتم تجميعه قبل حلول الوسيط الذي قد يحل في الهزيع الأخير من الليل ليفلت من أي مراقبة.
يبدو أن رواج أوراق،،أزير،، قد جعل الناس من كل الأعمار لا يبالون بحر الصيف الذي زادت جرعته عن المألوف هذه السنة،وكل شيء يهون أمام عائدات أسبوعية تجعل الكل يستبطىء حلول يوم السوق الأسبوعي للاستمتاع باستقلال مادي مؤقت.
إن عمال جني أوراق،،أزير،،يبذلون جهودا مضنية،ويشتغلون وسط المخاوف،التي لخصها أحد الشباب ممن تزوجوا قبل الأوان، حين أخبرني بأن حافظة نقوده قد ضاعت في الخلاء،ولا يهم المبلغ المالي فيها، بقدر ما يهمه ضياع بطاقته الوطنية التي لا يستطيع استخراجها بسبب ما في ذمته من ذعائر،مما قد يتسبب في اعتقاله فيضيع الأبناء !
وبمقابل المعاناة والمتاعب التي يلاقيها هؤلاء البسطاء، وهم يصارعون قساوة الطبيعة من أجل لقمة يمتزج فيها الدم بالعرق،فإن المرء يصاب بالدهشة حينما يرى معظم الشباب يجودون بأوراق المائتي ده ،،للبراح،،في الأعراس من أجل ثوان من رقص الشيخة ،،في حضرته،، وهكذا يحتدم التنافس غير الشريف،فلا يوقفه إلا انبلاج الصبح !
إن نبتة،،إكليل الجبل،، قد تحولت إلى سلعة نافقة،ولو تم تنظيمها عبر تعاونيات تسهر على تخليفه،لصار بالإمكان ضمان مصدر شبه قار للدخل، أما وأن لاستغلال يجري بطريقة النهب والجشع،فإن آخر ثروات المنطقة ماضية إلى الزوال، مثلما زالت أشجار البلوط والحلفاء وغيرهما.
وإذا كان عمال جني،،أزير،،مدفوعين بضيق ذات اليد،فإن هناك طائفة من المجرمين الذين يمتهنون الصيد الجائر على مدار السنة،حيث عشت حدث توقيف شابين مسلحين ببندقية صيد في وقت متقدم من الليل قبل أيام معدودة،وقد قدما على متن دراجة نارية من دوار بعيد،وكان الموقف محرجا حين اتضح أن أحدهما ابن مستشار ضبط بدوره في نفس المنطقة قبل شهور من أجل الصيد الجائر !
لا يستبعد أن تعرف الطبيعة أو ما بقي منها على الأرجح، مزيدا من التدهور بسبب ضعف إمكانيات حراس الغابة، وإفلات الجناة من العقاب بعدما عرفوا من أين تؤكل الكتف !…. محمد شحلال