بعد وساطة المغرب الفعلية في مالي، النظام الجزائري يتحدث عن وساطة جزائرية وهمية
عبدالقادر كتــرة
تناقلت وسائل إعلامية دولية عن وساطة مغربية غير معلنة قام بها الملك محمد السادس بين الإمام المالي محمود ديكو والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، البلد الافريقي جنبت كارثة سياسية كانت ستشعل صراعا لا تحمد عقباه، عقب المظاهرات العنيفة التي شهدتها العاصمة المالية باماكو يوم العاشر من شهر يوليوز الماضي، وخلفت أربعة عشر قتيلاً وأكثر من مائة جريح.
وقام وزير الخارجية للملكة المغربية ناصر بوريطة وبتعليمات دقيقة من العاهل المغربي بمباشرة وساطة عاجلة وسرية بين محمود ديكو زعيم حركة 5 يونيو، والرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وقام حسن الناصري، سفير المملكة المغربية لدى باماكو بزيارة لمنزل الإمام ديكو صباح يوم 11 يوليوز الماضي، حسب “جون أفريك” أبلغه فيها رسالة من المغرب تدعوه “إلى التهدئة وتقترح وساطة مغربية لتقريب مواقف المعسكرين”، وهو أمر أكده مقرب من الإمام محمود ديكو ل”جون أفريك”، الذي صرح أن “العاهل المغربي محمد السادس شخصية إفريقية عظيمة، نقدرها ونستمع لتعليماته، عندما يدعو إلى الهدوء، خاصة وأن الإمام لا يحب العنف”، وتضيف ذات المجلة “أن ديكو اشترط أمورا محددة من أجل استئناف الحوار أبرزها الإفراج عن قادة الاحتجاجات المعتقلين، وحل المحكمة العليا، وتعيين حكومة توافقية، ثم إجراء انتخابات تشريعية جزئية”.
الرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا، استقبل السفير المغربي لدى باماكو، في نفس اليوم، حيث استمر لساعات طويلة، انتهى باستجابة الرئيس المالي لمطالب ديكو، وترحيبه بالوساطة المغربية التي أثمرت التزام الطرفان بما اتفق عليه والحفاظ على التهدئة، وخصوصا تعليق وإنهاء المظاهرات التي خلفت ضحايا.
“جون أفريك” اعتبرت أن نجاح هذه الوساطة دليل قوي على المكانة الكبيرة التي يحظى بها الملك محمد السادس في مالي وافريقيا بشكل عام، واعتبارا للتقارب الديني والمذهب المالكي، الذي يجمع البلدين والتقى السفير المغربي في باماكو حسن الناصري، فيما بعد، رئيس المجلس الانقلابي في مالي، “أسيمي غويتا”، المعجب بالتجربة المغربية في مكافحة الإرهاب، حسب جريدة “الأسبوع” وقد صرح بعدها لزملائه بأن اللقاء الحار أو الحميمي الذي جمعه بالناصري، لم يكن مع غيره، فـ”هو ودود”، وقال أن المغرب متميز عن غيره في غرب إفريقيا، طبقا لما أسر به المصدر لجريدة “الأسبوع”.
ويرى غويتا أن “قدرة المملكة على عمل جيد مع مالي، ستفتح أفقا آخر في المنطقة”، قالت بخصوصه “أفريكا أنتلجنس” أنه “تقارب استراتيجي قد يثير الجزائر”.
هذا في الوقت الذي أعلنت الجزائر رفضها للانقلاب العسكري في مالي، وطالبت مجموع الأطراف والقوى المالية بالعودة العاجلة إلى المسارات الدستورية.
وأفاد بيان للخارجية الجزائرية حول التطورات الراهنة في مالي أن الجزائر “تتابع بقلق بالغ الوضع السائد في مالي الشقيقة والبلد المجاور”، وجددت الجزائر “رفضها القاطع لأي تغيير غير دستوري للحكم، وفقاً لمواثيق الاتحاد الأفريقي ذات الصلة، ولا سيما إعلان الجزائر لعام 1999 والميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم لعام 2007″، مشددة على أنه “لا يجوز أن تخضع عقيدة الاتحاد الأفريقي الخاصة باحترام النظام الدستوري لأي انتهاك”.
وطالبت الجزائر بالعودة إلى المسار الدستوري في البلاد، ودعت “جميع الأطراف إلى احترام النظام الدستوري والعودة إلى العقل للخروج السريع من الأزمة، وتذكر في هذا الصدد بأن صندوق الاقتراع وحده هو السبيل للوصول إلى السلطة والشرعية”.
موقف غريب ومتناقض وارتجالي وغير مفهوم اتخذه النظام الجزائري بعد تداول خبر نجاح الوساطة المغربية وحكمة جلالة الملك محمد السادس في حلحلة الوضع بدولة مالي الشقيقة كما نجح في حلحلة القضية الليبية بين الفرقاء الأشقاء، إذ انقلب النظام الجزائري 180 درجة، خوفا وغيرة من الدبلوماسية المغربية وحضور المغرب القوي ونفوذه الإيجابي في مثل هذه النزاعات، وبادر إلى إرسال وزير خارجيته صبري بوقادوم إلى باماكو عاصمة مالي للبحث عن من يؤيد نظام جنرالات الجزائر وينفذ مخططاتهم التخريبية بدولة مالي كما كان ذلك في الوضع الليبي الذي انتهى بإقصاء النظام الجزائري عن كل وساطة بحكم أنه طرف في النزاع ودعمه للجنرال المتقاعد حفتر.
الوساطة المغربية أثمرت توحيد جهود الماليين وتفاهما كبيرا مكنهم من تجنيب البلاد وضعا دمويا وفوضى لا قبل لهم بها، وتمخضت عن تعيين وزير الدفاع المالي السابق “با نداو” رئيسا انتقاليا في البلاد وفق ما أعلن العقيد “عاصمي غوتا” وهو رئيس المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ 18 غشت الماضي، للتلفزيون الوطني.
وعينت لجنة شكلها المجلس العسكري الحاكم في مالي، الاثنين، وزير الدفاع السابق “با نداو” رئيسا انتقاليا في البلاد وفق ما أعلن رئيس المجلس العقيد عاصمي غوتا للتلفزيون الوطني الذي عين العقيد نائبا للرئيس الانتقالي.
مباشرة تحدث النظام الجزائري عن وساطة جزائرية دولية وهمية في مالي، وأعلن بيان لوزارة الشؤرن الخارجية أنها “سجلت تعيين السيد باه نداو رئيسا للمرحلة الانتقالية في مالي والعقيد “أسيمي غويتا”، نائبا للرئيس، مجددة “التزامها بمرافقة مالي خلال هذه الفترة الصعبة”. وأضاف أن “الجزائر تترقب باهتمام تفعيل باقي مؤسسات المرحلة الانتقالية لضمان انتقال هادئ للفترة الانتقالية نحو تنظيم انتخابات تكرس العودة إلى النظام الدستوري في مالي، البلد الشقيق والجار”.
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية لسان حال الحكومة الجزائرية إن “بوادر انفراج الأزمة بدأت تلوح في الأفق في مالي بفضل جهود الدبلوماسية الجزائرية”، مشيرة إلى أن تعيين “نداو” رئيسًا للبلاد جاء مباشرة في ختام زيارة وزير الخارجية صبري بوقادم لمالي (كما لو كان النظام العسكري لدولة مالي عاجز عن تعيين رئيس له فتدخل الجزائر وعينته، كما تفعل مع انفصلايي “بوليساريو” حيث تعين رئيسا لهم بل واليا على ولاية مخيمات الخيام البالية بتندوف).
وحيث إن النظام الجزائري متأكد من أن الوساطة التي يتحدث عنها “وهمية” و”خيالية”، عادت وزارة الشؤون الخارجية للتذكير بـما وصفقته “الجهود الكبيرة” التي بذلتها الجزائر من أجل “استقرار مالي من خلال التوقيع، سنة 2015، على اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر، وكذا من أجل الحفاظ على الاستقرار في هذا البلد خلال الأشهر الأخيرة”، مؤكدة أن الجزائر “ستواصل متابعة تطور الوضع في مالي عن كثب”.
ومباشرة عقب الإعلان عن الانقلاب سارع الاتحاد الأفريقي ودول العالم للتنديد به، والمطالبة بالعودة للوضع الدستوري والإفراج الفوري عن قادة البلاد، وتطور التنديد باستيلاء العسكريين على السلطة إلى قرارات، فقد قرر مجلس السلم والأمن الأفريقي التعليق الفوري لمشاركة مالي في أنشطة الاتحاد الأفريقي كافة حتى استعادة النظام الدستوري الطبيعي في البلاد، وفقا لبيان صادر عن المجلس.
وشدد المجلس في بيانه على الحاجة الملحة إلى حل سريع للأزمة “على أساس احترام النظام الدستوري، وبما يعكس تطلعات شعب مالي في إطار مواثيق الاتحاد الأفريقي”.
وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” (ECOWAS) -التي تبذل جهود وساطة لحل الأزمة التي تشهدها مالي منذ يونيو الماضي- قد أدانت الانقلاب، وعلقت عضوية البلاد في المنظمة، وأغلقت حدود الدول الأعضاء في المجموعة مع مالي.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أرجأت قرار رفع العقوبات عن مالي حتى تعيين رئيس مدني للحكومة والإفراج عن السياسيين والعسكريين المعتقلين منذ انقلاب 18 غشت لماضي.
وقال رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب “جان كلود برو”، في مؤتمر صحفي عقب أداء الرئيس الانتقالي باه نداو اليمين الدستورية رئيسا للبلاد خلال الفترة الانتقالية، إن “المجموعة سترفع العقوبات المفروضة على مالي بعد تعيين رئيس وزراء مدني”.
وأضاف أن مجموعة غرب إفريقيا “إيكواس” أخذت علما بتعيين “باه نداو” رئيسا انتقاليا لكنها تفضل إرجاء قرار رفع العقوبات حتى تعيين رئيس وزراء مدني والإفراج عن الشخصيات التي ما زالت محتجزة بمن فيهم الوزير السابق “بوبو سيسي”.