الضريبة على الدخل..غياب الإبداع وتفقير الطبقات الوسطى
الأستاذ منير الحردول
لا أحد يمكن له ان يجادل في الظلم، الذي يتعرض له عموم الأجراء والموظفين، من جراء غياب العدالة الضريبية، المفروضة على الدخل بشكل عام!
ولعل سماعنا بضريبة تضامنية أخرى تطبخ في القانون المالي الجديد، تبقى من الأمور المثيرة للاستغراب، والتشاؤم من عدالة مغيبة قطعا في منظومة الأجور ككل.
فإذا كان الأجراء وعموم الموظفين، يصنفون من الصنف الأكثر أمانا فيما يخص الاقتطاع الضريبي، الذي يؤخد من المنبع، وبدون تمييز بينهم، على أساس الوضعية الإجتماعية لكل أجير أو موظف، وبدون مراعاة للحالة الأسرية لكل واحد منهم، فهذا يعني شيئا واحدا، هو غياب المساواة في المنطق التضامني، المبني على الوازع القيمي المرتبط بالإكراهات المعيشية المتنوعة. كعوامل الإعالة المتفاقمة للأبناء، والأمومة والأبوة. وسلسلة العائلة الكبيرة، والتي غالبا ما يكون أحد أفرادها، في حالة العوز الدائم أو المؤقت، والمتراكم عبر الزمن القاهر بكل معنى الكلمة!
الضريبة على الدخل كما هي حاليا، مجانبة لصواب عدالة المنطق الواقعي، الإجتماعي، الذي يتسم بتفاوتات لا حصر لها.
فلا يعقل تعميم ضريبة على الجميع، وبدون تمييز أو استثناء، وفي غياب الرجوع لدراسة القاعدة المبنية على التكلفة والتحمل الناجمين عن طبيعة الوضعية الأسرية والاجتماعية!
فالذي لديه أطفال، أو يعيل شبابا وصلوا لسن العمل وهم بلا شغل، ليس كالذي لوحده، أو غير مشمول بمفهوم الأسرة بعد! كما أن الذي له دخل قار، بجانب زوجته ليس كالذي لديه زوجة مرهونة ببيتها، وأبنائها، ولا تتوفر على دخل قار، قادر على تلبية مطالبها الحياتية المشروعة، والتي تؤكد عليها كل الشرائع العالمية!
والذي يعيل الوالدين ليس كالذي لا يعيلهما، وهكذا دواليك، أمام قهر الظروف الإجتماعية المتنوعة غير المنتقاة بالصدفة!
تخفيض الضريبة على للدخل، أو إلغاؤها تماما، لبعض الشرائح الإجتماعية، من الأجراء والموظفين، هو من صميم السياسات الإجتماعية المتوازنة، القادرة على اخراج عشرات الأسر من دوامة الهشاشة المقنعة بالوظيفة، هذه الوظيفة أصبحت مقرونة أكثر بالخصاص، وعدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، من الحاجيات اليومية، والشهرية، والموسمية السنوية المكلفة، والقاهرة، المرتبطة بموروث ثقافي محظور من الصعب اثارته أو الخوض في تفاصيله المملة.
فالطبقة الوسطى الأجيرة، تدور دوما، في فلك الديون والخصاص بصفة دورية، وقد تكون هذه الدورة مبهمة غير منطقية، ويصعب تحليلها، ومحزنة في نفس الوقت.
ولعل الموظف أو الأجير، هو المواطن المخلص للمواطنة والغيور على استقرار مكانته، التي بدأت تتدهور بإصلاحات عرجاء في كل شيء، هذا الاخلاص من مظاهره، مساهمته في الميزانية العامة للدولة، من خلال الاقتطار الضريبي الذي يعد سهلا مادام يقتص من المنبع المعلوم! كما أن الأجير، هو الوحيد الذي لا يتحايل ولا يتملص من دفع الضرائب المباشرة، وغير المباشرة، إذ يدفعها بانتضام بالتمام والكمال، مما يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية، عن طريق الاستهلاك والقروض، والتضامن اللامحدود مع الدولة والمجتمع والأسرة!
فتضامنه مع الدولة يفوق قدرته، وأجرته التي ينهشها الكل، إذ، يتحمل كل الزيادات المتتالية في الأسعار، وإن احتج يجابه بالاقتطاع، في إطار المقاربة المنتقاة الأجر مقابل العمل، التي تنتهك راية و شعار المواطنة وحقوق الأنسان، في ظل غياب ربما يكون متعمدا للقانون المنظم للنقابات والأضرابات!
هذا الموظف المغلوب على أمره، الذي يؤدي الضريبة على القيمة المضافة على كل السلع والخدمات، بل ويساهم بقوة القانون كذلك، في التضامن عند حدوث الكوا ث الطبيعية، أو تفرض عليه ضرائب جديدة، باسم التضامن كما حدث في ضريبة التعويض عن الكوارث الطبيعية، المفروضة على جميع العقود، والتأمينات المتعلقة بوسائل النقل الخاصة والعامة!
أما التضامن الأجتماعي الأسري، فحدث بلا حرج، حيث أمسى هذا الأجير الخارق! بموجب ثقافة الترسبات الإجتماعية، مدمج في دوامة اجبارية المسؤولية المعقدة والقائم على قاعدة الالتزام الثقافي، بضرورة إعالة الإخوة الصغار، ودعم أفرادها الكبار، والوقوف معهم للأبد ماديا ومعنويا! في المرض والعطالة، مع الزامية توفير الحاجيات لهم على حساب متطلباته المعيشية المتزايدة، وغير المؤمنة للحياة الكريمة العادية، لدرجة أن هذا الموظف المسكين، أصبح يعيش في خوف دائم.
لأن المسؤولية الملقاة عليه تحولت إلى مسؤولية ثابتة، قد تهدد تماسك أسرته الصغيرة، وأسرته الكبيرة، والتي بحكم الحرمان البنيوي التاريخي، أصبحت تظن أنه يتوفر على آلة لطبابعة الأوراق النقدية، وتحولت كلمة الموظف إلى مرادف للراحة والمال، وطبعت بفكرة حتمية راسخة، تعمقت في أذهان وتمثلات العقليات المرتبطبة بثقافة المجتمع، الذي يعيش في وهم الخرافة، والمتناقض في كل شيء ومع أي شيء، حتى مع نفسه.
فعدالة الضريبة على الدخل، هي عدالة التمييز بين الأجراء والموظفين، من حيث مناطق الاقامة، وإعادة النظر في تعويضات السكن والتنقل، فلا يعقل أن تصبح أجرة الموظف لغير الموظف، فهناك من يعيل الأبناء الكبار، والصغار، وحتى الاخوة ، ويتكفل بتكاليف الأدوية لمرضهم أو مرض ابنائهم أو مرض الآباء والأمهات، علاوة على المصاريف المرتبطة بشيخوختهم الطبيعية، التي تتطلب المزيد من المصاريف والاهتمام، وبالتالي ينوب الموظف، الأجير، عن سياسات إجتماعية هي من من صميم اختصاص الحكومات المتعاقبة.
الضربية على الدخل، وبشكلها الحالي، مجانبة للصواب. ومفزعة لعموم الأجراء والموظفين، لكونها تأكل من أسلوب عيش حياتهم رويدا رويدا، حتى أصبح عموم الأجراء والموظفين تائهون، في تعداد عدد أيام الشهر، عوض الانفتاح على الترفيه عن النفس من خلال الاهتمام بالفن والثقافة، فكثرت العقد النفسية، وفقدت الثقة وتلاشت الحياة الكريمة، ورفع شعار نفسي نفسي، فانتشر اللاأمان الأسري، جراء غموض أفق المستقبل.
ولعل غياب العدالتين الضريبة والأجرية، خصوصا فيما يخص الدخل، وتعميمها بنفس النسبة على الجميع وفي كل الجهات، ظلم جارح، يناقض مفهوم العدالتين الأجرية والإجتماعية.
إذ أن توسيع الوعاء الضريبي من خلال تضريب القطاعات المعفاة من الضرائب، والأنشطة غير المهيكلة، خير من التمادي في قهر الموظف، المقهور أصلا، والمثقل بتكاليف الحياة المعيشية، والأسرية والإجتماعية التي أصبحث موروثة في غالب الأحيان!
فيا عقل تعقل، ويا ضمير انهض، الطبقة الوسطى صمام أمان الجميع، ومحبة للخير والوطن فلا تقهروها!