متى يتحرك التاريخ عند العرب؟؟
محمد المهدي
عندما كتب المفكر الياباني/الامريكي فكوياما مقالته الشهيرة ” نهاية التاريخ” كان يعتقد البعض ان انتصار الرأسمالية اصبح حتميا و خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و معه المعسكر الاشتراكي، و سيتوقف التاريخ الانساني عند الرأسمالية الغربية، وبالتالي الاعلان الرسمي عن نهاية الأيديولوجيا. هذا ما ادى بالنتيجة الى بداية تشكل نمط جديد من التفكير، بل نمط جديد من العلاقات الدولية، حيث ارتفعت اسهم السياسة كممارسة تدبيرية آنية لا غير، ممارسة محكومة بالمصلحة الاقتصادية والجيو-استراتيجية للدول.
الا ان كل هذا لم يجد له صدى في معظم دول العالم المتخلف، وفي مقدمته العالم العربي والاسلامي عموما، حيث طفت الى السطح النزعات الطائفية و القومية والدينية التي حلت محل الأيديولوجيا، حيث بدأنا نشهد بروز الحروب و الصراعات البينية على امتداد العالم العربي/ الاسلامي، التي لا تزال الى حدود الساعة.. حروب كان اول فتيلها العصبية الدينية و الاصطفاف القومي والاثني، ولم يكن ليتم هذا من دون تدخل القوى العظمى المتحكمة في العالم بشكل مباشر من خلال غزوها العسكري و تغيير الأنظمة مثلما حدث في العراق و افغانستان و اليمن وليبيا، او بشكل غير مباشر بتفويض مهام التدمير والهيمنة لعملائها ووكلائها في المنطقة وهم كثر، وعلى رأسهم العربية السعودية والامارات وقطر، بتوظيف أموالهم و عتادهم و كل الياتهم التدميرية. فكان ان اجهضت ثورات وانتفاضات هذه الشعوب من اجل التحرر والكرامة والعدالة الاجتماعية، و خربت البنى التحية – على علاتها- لمعظم دول المنطقة، مما عاد بتلك البلدان الى ما قبل القرن التاسع عشر او ما قبله. وكل ذلك دفع في اتجاه خدمة أجندة القوى الصهيونية العالمية بكل أذرعها السياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها دولة “إسرائيل”.
عودة الى فكوياما ونهاية التاريخ .. لنقول : ان التاريخ توقف فعلا عندنا، بل توقف و استلقى على قفاه الى اجل غير معلوم. فلا الأيديولوجيا عادت كما كانت، ولا السياسة تمارس عندنا كما تمارس في دول العالم، فقد أضحت “السياسة” مجرد معبر سهل للاغتناء والارتقاء الاجتماعي والتسلق الطبقي، بل امست مرتعا للنصابين و اللصوص و المحتالين و المتاجرين بأحلام و امال الفقراء و المحرومين .
فعلا.. لقد انتهى التاريخ وتوقف عند العرب، و توقفت معه احلامهم في الوحدة والتنمية، لكن هذا التوقف لم يأت كحتمية تاريخية لا مندوحة عنها، بل هو نتيجة للسياسات اللاشعبية و اللاوطنية التي انتهجها قادتهم على امتداد عقود مضت من الحكم الجبري، سياسات ورثت الخيبات والفقر والبطالة و الجهل، وكل انواع الامراض الاجتماعية و العاهات الاقتصادية. وحتما لن يعاود التاريخ حركته في هذا الجانب من العالم، الا بحصول القناعة لذى القادة و المسؤولين ان وجودنا و كينونتنا كأمة و كشعوب لن يتحقق الا بالتوجه نحو المستقبل برؤية جديدة و فلسفة متنورة جديدة، تجعل من الانسان محور ارتكازها و جوهر اشتغالها، وقد اثبتت تجارب الامم المتقدمة ان الاستثمار في الانسان هو أساس اي نهضة، لأنه اعظم ثروة يمكن لأي أمة الافتخار بها والاعتماد عليها.
فمتى يتحرك قطار التاريخ عندنا، ليعاود السير على السكة الصحيحة نحو الغد، للحاق بركب العالم الاول، ولمالا تجاوزه ..!!
محمد المهدي
الجمعة 20 اكتوبر 2020