ذكرى وسياسة
محمد شحلال
غدا،يحتفل العالم الإسلامي بذكرى المولد النبوي الشريف تخليدا لهذا النبي الذي بصم الدنيا بتعاليم الإسلام، ليكون آخر ديانة.
دأبنا نحن-المغاربة-على الاحتفاء بهذه المناسبة كل بطريقته، بما فيها بعض البدع المنتشرة في معظم المدن،بينما كنا في زمن مضى نتحلق في البادية حول أمهاتنا لنفك شفرة بعض الأوراد والأمداح على نغمات الدفوف،وتنافس النساء في جودة الكلمة واللحن.
كان هذا التقليد متوارثا،ويكتسي طابعا خاصا إذا تزامن مع فصل الصيف، حيث تنتظم جلسات المديح تحت نور القمر.
توقف هذا النوع من الاحتفاء منذ رحلت النساء من جيل والدتي -رحمهن الله-وتحولت المناسبة إلى حدث شبه عابر ليس إلا.
ويشاء مكر الأيام أن يتزامن تخليد المولد النبوي هذه السنة، مع حملة مسعورة تزعمها حاكم ،،بلاد الأنوار،،والديموقراطية وخليفة،،دوكول،، الذي لم يتنكر يوما لدور مسلمي شمال أفريقيا في تحرير بلاده من النازية.
لقد تجاوز،،ماكرون،،حدود الرزانة في الأيام الأخيرة،حيث ساقه الاندفاع إلى معاملة بعض الحكومات العربية بتعال مقرف وهو ضيف عليها،مثلما صنع في لبنان.
وأمام إحجام الزعماء العرب عن رد الفعل،فقد أطلق الرئيس الفرنسي العنان للسانه ليشن هجوما قذرا على الإسلام والمسلمين، كان من تداعياته أن أدى الثمن أستاذ تجرأ على نبينا،حيث تولى شاب مسلم من الشيشان قطع رأسه قبل أن يقتل بشكل لا يقل همجية.
كان من المنتظر وكالعادة ،أن يتحرك المسلمون للتنديد بسلوك الرئيس الفرنسي ومن سار على دربه،بل لقد جاءت ردود الفعل من كل الأشكال: فالبعض اختار تشويه صورة الرئيس وزوجته ،والبعض الآخر دعا إلى مقاطعة المنتوجات الفرنسية،بينما لجأ آخرون إلى السباب والقذف لعل ذلك يطفىء شيئا من ،،الغضبة المضرية،، !
إن ردود أفعال المسلمين(الشعوب على وجه التحديد)،تكاد تكون نمطية كما عهدناها في مناسبات عديدة.
وهكذا، فكلما أمعنت إسرائيل في التنكيل بالفلسطينيين أو ضيقت على المسجد الأقصى،إلا وفوجئنا بالمصلين عندنا يتسارعون إلى ترديد شعارات من قبيل: خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سيعود.
تتعالى الصيحات، ثم تعود الحياة إلى طبيعتها والإسرائليون إلى ممارساتهم.
ولعل المناسبة الأقرب إلينا في هذا المجال،هي توقيع الرئيس الأمريكي ،،العريض،، على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلده إلى هناك.
من حق المسلمين أن ينتفضوا كلما شعروا بالإهانة،وهذه الانتفاضة دليل على أن الأمة مازالت حية ،ولا تقبل أن تمرغ كرامتها بهذه الصور المذلة.
وبمقابل هذا الاستعداد للرد على الأعداء،فإنه لا بد للمرء ألا يركب الهوى بديلا عن التعقل في كل الحالات،ذلك أن ديننا الحنيف ذاته ،يدعو إلى التبصر في اتخاذ المواقف،كما يدعو إلى إعداد العدة قبل مواجهة الأعداء.(وأعدوا لهم ما استطعتم)،(خذوا حذركم)…
ترى،هل نحن مستعدون لمواجة الأعداء ؟
لست مخولا لتقديم جواب جاهز،ولكني أعتقد أنه لا بد من التذكير ببعض المعطيات التي نقفز عليها في حالات الغضب،ثم نجد أنفسنا مجبرين على الإقرار بهواننا ولو مع دواخلنا !
إن أول سؤال يجب أن نجد له الجواب الصحيح،هو : هل نحن مسلمون نشكل نسخا حقيقية من النبي الذي ندافع عنه ؟
هل هناك شعب وحكام مسلمون يصلحون نموذجا في تمثل أخلاق النبي وسلوكه ؟
هل تقدم الجاليات العربية والإسلامية في الغرب قدوة في المعاملات والاستقامة ؟ هل نحن صادقون داخل أوطاننا ونجسد سيرة نبينا حتى نطالب الغير باحترامنا ؟
إن واقع الحال يوضح بجلاء أننا لا نمتلك من الإسلام غير الانتساب،بينما تناقض أفعالنا ما ورد في الكتاب والسنة جملة وتفصيلا، واسألوا الواقع يحدثكم.
هذا من جانب،أما من جانب آخر فإننا لا نريد أن نقر بأن العلاقات الدولية تخضع لتداخل معقد أصبحت معه كل دولة مرتبطة بأخرى بشكل يتعذر أويستحيل الإخلال به،خاصة إذا عرفنا بأن دولا عربية تتغذى على المنتوجات الغربية،ناهيك عن الاتفاقيات المختلفة ،والتزود بالسلاح…
يعتقدرالبعض بأن مقاطعة المنتجات الفرنسية كرد فعل،من شأنه أن يؤثر على الاقتصاد هناك،لكن هل فكر هؤلاء فيما يمكن أن تقوم به هذه الدولة وحلفاؤها كما عبروا عن ذلك بخصوص تصريحات الرئيس التركي؟
أعتقد أن أول ما ينبغي أن نتسلح به ،هو إبراز الإسلام بالصورة التي نزل بها بدل سلوك ،،الشيء ونقيضه،،في نفس الآن ،حيث ندافع عن الرسول ص ونتناول خمورنا وخمور الغرب،ونكذب ونسرق…
ولعل المثال الذي يجب أن نحتدي به هو المثال الصيني في التعامل مع الإمبريالية،ذلك أن الصينيين قد فهموا مبكرا بأن القوة العسكرية يجب أن تسندها قوة اقتصادية،لذلك برعوا في تفادي المواجهات المباشرة واستطاعوا أن يبنوا ثاني أقوى اقتصاد في العالم قبل أن تنكشف قدراتهم العسكرية التي من شأنها أن تحمي هذا الاقتصاد.
ليس المراد هو إعلان الانبطاح أمام الغرب، ولكن طرق ردنا من شأنها أن تفتح شهية الأعداء لمزيد من التهجم،علما بأن نبينا الكريم لن تنال من عظمته كل رسومات العالم، فمن كان حبيبا لله،لن يضره هراء الباحثين عن الإثارة.
أهنىء كافة
الإخوة بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وأرجو ألا ينساق إخواننا في المهجر وراء العاطفة ليجنوا مضايقات مجانية من طرف المتطرفين.
حسبنا الله في أهل الفتنة،وصدق ربنا الذي طمأن نبيه حين قال:
(فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم).