فن اغتصاب العقول
حكايات من الحياة 2
“فن اغتصاب العقول”
محمد اسماعيلي
يحكى أنه عندما كانت الهند لا تزال مستعمرة بريطانية.. وفي نيودلهي العاصمة.. حيث ﻛﺎﻥ ﺳﻔﻴﺮ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﻴﺎﺭﺗﻪ الفارهة يرافقه ﻗﻨﺼﻞ ﻣﻤﻠﻜته.. ﻭﻓﺠﺄﺓ.. ﺭﺃﻯ ﺷﺎﺑﺎ ﻫﻨﺪﻳﺎً ﻳﺮﻛﻞ ﺑﻘﺮﺓ برجليه.. ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺳﺎﺋﻘﻪ بأن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﺴﺮﻋﺔ.. ﻭﺗﺮﺟّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻣُﺴﺮﻋﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ “ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ”، ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ذلك ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺻﺎﺭﺧﺎً ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻭﻳﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻃﻠﺒﺎ للصفح ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ، ﻭﺳﻂ ﺩﻫﺸﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ، ﺍﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺻﺮﺍخ السفير، ﻭﻭﺳﻂ ﺫﻫﻮﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ.. وفي تلك الأثناء بالت البقرة فقام السفير واﻏﺘﺴﻞ ﺑﺒﻮﻝ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻭﻣﺴﺢ ﺑﻪ ﻭﺟﻬﻪ، ثم سجد لها ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ إﻻ ﺃﻥ سجدوا ﺗﻘﺪﻳﺮﺍً للبقرة التي انحنى لها ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ..!
قام المارة بالقبض على اﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺭكل البقرة ﻟﻴﺴﺤﻘﻮﻩ أﻣﺎمها اﻧﺘﻘﺎﻣﺎ ﻟ”ﻘﺪسية ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻭﺭﻓﻌﺔ ﺟﻼﻟﻬﺎ”..!!
ثم عاد السفير إلى سيارته ﺑﺮﺑﻄة عنقه المتسخة ﻭﻗﻤﻴﺼﻪ ﺍﻟﻤُﺒﻠﻞ ﺑﺒﻮﻝ البقرة ﻭﺷﻌﺮﻩ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭ فبادره القنصل باﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﺣﻘﺎ ﺑﻌﻘﻴﺪﺓ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮ..؟!
فأجاب ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ إجابة تعكس عبقرية الطغيان على العقول، حيث قال: إن قيام ﺍﻟﺸﺎﺏ بركل البقرة هو ﺻﺤﻮﺓ للعقول، ﻭﺭﻛﻠﺔ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ الهشة، ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺮﻳﺪﻫﺎ أن تستمر.. ﻭﻟﻮ ﺳﻤﺤﻨﺎ ﻟﻠﻬﻨﻮﺩ ﺑﺮﻛﻞ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ.. ﻟﺘﻘﺪﻣﺖ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﺇﻟﻰ الأمام.. ﺣﻴﻨئذ ﺳﻨﺨﺴﺮ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ، ﻓﻮﺍﺟﺒﻨﺎ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻲ ﻫﻨﺎ.. أﻥ ﻻ ﻧﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺑﺪﺍ..! ﻷﻧﻨﺎ ﻧُﺪﺭﻙ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ والتعصب الديني والمذهبي ﻭﺳﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ.. ﻫﻲ ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ التي نعتمد عليها ﻓﻲ ﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍلمجتمعات..!!
فهل عرفنا لماذا طغاة الأنظمة الحاكمة سواء من أبناء البلد أو الاستعمارية القديمة والحديثة في عالمنا المتخلف تدعم الجهل والخرافة والتعصب الديني والمذهبي في مجتمعاتنا..؟!
*إنه فن إغتصاب العقول..!!*
وقد صدق الفيلسوف الكبير ابن رشد حيث قال منذ تسعة قرون “التجارة بالأديان هى التجارة الرائجة فى المجتمعات التى ينتشر فيها الجهل، إذا أردت أن تتحكم فى جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف دينى”
م.إسماعيلي
2020/11/09..