“كلبوساريو 007” الجاسوس خريج المدرسة العسكرية “الرابوني/بنعكنون”
عبدالقادر كتــرة
وأنا أشاهد أحد الأفلام التي تؤرخ لسقوط مدينة القسطنطينة عاصمة الإمبراطورية الرومانية خلال الفترة من 335 إلى 395 (عاصمة الدولة البيزنطية من 395 إلى 1453 حين فُتحت على يد العثمانيين بعد محاولات عدة في 1410 و 1422، دخلها محمد الفاتح، وأطلق عليها إسلامبول أو الآستانة، وأصبحت المدينة عاصمة السلطنة العثمانية وغُيّر اسمها في عام 1930 إلى إسطنبول ضمن إصلاحات أتاتورك القومية)، تذكرت توظيف كلب صغير في حمل رسائل في عنقه، بين الرومان المحاصرين وآخرين مختبئين، لكن في النهاية اكتشف أمره وتم اصطياده بنبل.
مناسبة هذه الإشارة للحديث عن حدث “عميل سري” وجاسوس “بوليساريو” الكلب “جيمس بوند 007” رغم أن الفارق الزماني بينهما شاسع إذ يقارب الخمسة قرون، وكان الضحية الأولى والوحيدة في حرب وهمية لعصابة “بوليساريو” صنيعة ثكنة بن عكنون الجزائرية، تجري أحداثها في مخيلة وأحلام من اختلقوها، كلب تمّ اقتناصه من طرف أراد القوات المسلحة الملكية المرابطة، وهو تحذير قوي وجدّي واقعي لكلّ من سولت له نفسه المغامرة.
“الضحية الوحيدة المؤكدة، حسب موقع “بوليساريي” وبتعبيره هو “كلب رعي” برتبة “عميل سري يشتغل لحساب الجيش الشعبي الصحراوي (الهارب)، كل ذنبه أن القيادة وضعت على رقبته كاميرا تصوير وجهاز تحديد مواقع GPS وأطلقته بشكل عشوائي بالقرب من الجدار، فقنصته قوات المغرب ونشرت صوره على المواقع والمنصات وأصبحت فضيحتنا “بجلاجل”، ومن المنتظر أن تدخل منظمات حقوق الحيوان على الخط”.
وأضاف الموقع بسخرية واستهزاء: “صور الكلب الجاسوس وهو ينام فوق دمائه وحول رقيبته شريطا به كاميرا وجهاز تحديد مواقع حتى لا يتيه في الصحراء، وكأنه مشهد من فيلم حروب قرطاجة ضد روما التي سخرت الفيلة والجمال والأحصنة والأسود والحمائم و… في المعارك، في الوقت الذي يستعمل فيه المغرب آخر ما انتجته التكنولوجيا من أقمار وطائرات مسيرة ورادارات رصد…”.
يشير الموقع بكلّ حرقة إلى أن “رمزية مشهد “جيمس بوند” القضية الصحراوية وهو مدرج بدمائه، تكشف حجم الارتباك والبدائية في التعامل مع الجيش المغربي المتقدم عسكريا على كل المستويات،…فكان الانسحاب عشوائيا باتجاه المعبر الموريتاني الذي أغلقته سلطات نواكشوط في وجه قطاع الطرق الفارين من زحف القوات المغربية، لتضطر بعدها المركبات إلى التوجه شرقا، ومن لطف القدير أن الجيش المغربي فضل ترك فسحة للهروب شرقا ولم يطبق المحاصرة على الهاربين من مدنيين ومقاتلين، وإلا لكانت الفضيحة مضاعفة، ولكان النداء اليوم مركزا على تحريرهم في صفقة تنازلات عظيمة لن تبقي لنا غير ذل المحاولة”.
قطاع الطرق المسلحون التابعون لعصابة “بوليساريو” فروا بسرعة البرق لتجنب أي سيناريو محتمل، وتناسلت بعدها بيانات “الرابوني”، منها المستنكرة ومنها المنددة والمحبطة…، ومنها التي أعلن فيها فك الارتباط بوقف إطلاق النار…، والوضع الآن على الأرض يقول أن عناصر العصابة تسيطر على سهول الفايسبوك وهضاب الواتساب وجبال تويتر، بتعبير الموقع البوليساري، فيما القوات المسلحة الملكية الباسلة تمد قدميها بمنطقة “الكركرات”، وأن المعبر عاد للاشتغال من جديد وتتدفق عبره السلع، وقرر تدشين صرْح ديني بالبوابة الحدودية، يُراد به ضمان الحاجيات الروحية للمسافرين.
لم يصدق المراسلون الصحفيون الذين أمنوا تغطية التطورات الأخيرة في المنطقة العازلة من “الكركرات”، بعد التدخل الحازم للقوات المسلحة الملكية، أعينهم وهم يقلبون مخلفات الخيام التي أحرقها عناصر ميليشيات “بوليساريو”، قبل أن يطلقوا أقدامهم للريح فرارا في عرض الصحراء.
فقد خلف “قطاع الطرق بالمعنى الحقيقي للكلمة”، بتعبير وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، وراءهم مصبرات سمك وعلب حليب وتمر وأكياس عدس وقوارير مشروبات غازية وأدوية وأواني وعلب سجائر وأجهزة تلفزيون، إلى جانب فؤوس، وعصي حديدية، ولوحات ترقيم جزائرية، ونرجيلة، ومنشطات جنسية، ومنشورات دعائية وحقن وأمصال.
مصدر معظم هذه المنتجات من الجزائر باعتبار أن الراعي الرئيسي لحرب الأشقاء ضد المغرب، ليس سوى هذا البلد الذي لا يجد غضاضة في التعبير عن حلم يراوده بتطويق المغرب، وعزله عن إفريقيا جنوب الصحراء.
منتوجات أخرى تم العثور عليها في الموقع نفسه مصنوعة بأوروبا، وتم إرسالها إلى مخيمات تندوف من قبل برنامج الغذاء العالمي، وهو ما يطرح مرة أخرى السؤال المشروع حول استخدام والوجهة النهائية للمساعدة الإنسانية الدولية.
من جهة أخرى، كشفت مصادر إعلامية موريتانية، أن السلطات عثرت على وثائق وبقايا ومخلفات محروقة بمنطقة “الكركرات” الحدودية، بعد فرار بلطجية “بوليساريو” منها، مشيرة إلى أن عددا ممن كانوا يقطعون الطريق ويخربون الممرات بالمعبر الحدودي “الكركرات”، منهم من يحملون جنسيات جزائرية ومصرية.
وأوضحت المصادر الإعلامية نفسها، أن عناصر جزائرية وأشخاص يحملون الهوية المصرية، بالإضافة إلى مرتزقة وقطاع طرق تم استقدامهم من داخل مخيمات تندوف لتنفيذ مهمة تخريب الطريق، بدعم من المخابرات الجزائرية وميليشيات “بوليساريو”، التي سمحت لهؤلاء بعبور الحدود نحو المناطق العازلة المغربية.
وأوضحت ذات المصادر الإعلامية، أن وجود بلطجية يحملون بطائق هوية جزائرية، يؤكد تورط النظام العسكري الجزائري في الأحداث التي وقعت في معبر “الكركرات”، بهدف تأزيم الوضع بين المغرب وموريتانيا، وفتح المعبر الحدودي بين الجزائر ومنطقة الزويرات الموريتانية، وذلك لأهداف سياسية عدائية ضد المغرب.
وهكذا، فقد كان يوم 13 نونبر الجاري حاسما في هذه المعركة ضد ثنائي الجزائر و”بوليساريو”، وأعاد المغرب الوضع إلى طبيعته، وسوى المشكل بصفة نهائية، كما أعاد انسيابية الأشخاص والبضائع في هذه المنطقة الواقعة على الحدود بين المملكة والجمهورية الإسلامية الموريتانية .
وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال اتصاله الهاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش.
ويظل المغرب، القوي بالدعم العربي والإفريقي والدولي، والمتشبث وقف إطلاق النار، عازما تمام العزم على الرد بأكبر قدر من الصرامة، وفي إطار حق الدفاع المشروع، على أي تهديد يستهدف أمنه وطمأنينة مواطنيه.