القول السديد، والصارم الصنديد، في قطع هرطقات عصيد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
القول السديد، والصارم الصنديد، في قطع هرطقات عصيد
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
تمهيد:
يعلم العارفون، والمتابعون، الراصدون لمجريات المشهد الثقافي والإعلامي في المغرب، أن حماد عصيد، يعد من العناصر المثيرة للجدل، والمثيرة للفضول، بل ويكاد يشكل ظاهرة لافتة للنظر، بسبب حضوره المستمر في المشهد المذكور، باعتباره يحمل مشروعا واضح المعالم، مكشوف المرامي والأهداف، مثله في ذلك، مثل من يقاسمونه نفس المشروع ونفس الأهداف، ممن انقرضوا، وممن لا يزالون يشتغلون بدأب وإصرار، يصلون الليل بالنهار، من أجل ربح الرهان، في تجسيد معالم ذلك المشروع، وتثبيت ركائزه، باعتباره مرجعية مرضية ومستساغة، وقابلة – من منظورهم – للتطبيع معها، وتمثل أفكارها ومبادئها، والخضوع لمقتضياتها.
ويعلم العارفون أيضا، طبيعة هذا المشروع الذي ينافح عنه عصيد، فهو المشروع الحداثي اللاديني، في أشرس طبعاته، وأشدها لددا في مشاكسة كل ما يتعلق بالإسلام، وقيمه وأحكامه، وتصوراته وآدابه، ذلك بأنه في هجومه على الإسلام وأحكامه وشرائعه، وأخلاقه وآدابه، لا يشعر بأدنى تحفظ، ولا يخضع لأي تدرج، ولا يرى بتاتا أي خط يعتبره من الخطوط الحمراء، التي يلزم نفسه بالوقوف عندها، فهو يقتحم كل شيء يتعلق بحرمة الإسلام، من العقيدة إلى النبوة، إلى الشريعة، إلى القيم إلى النظم، إلى الأعراف والتقاليد، بل إنه ليجمع في هجومه وإغارته على مقدرات المجتمع وتراثه بين الدولة والدين، فلا يحترم ثابتا من الثوابت، وهو في كل ذلك يمثل موقع الريادة، وموقع الزعامة لشرذمة ممن يحملون معه نفس الهم، ونفس “الاختيار”، غير هياب ولا متخذ أي تحفظ ولا احتراس، مما يحمل على طرح تساؤل مفاده: من أين يستمد عدته واعتداده، هذا الشخص، الذي يمارس نزواته في النيل من الإسلام في كل وقت وحين، وينفذ هجماته تحت لافتة: ” الباحث والناشط الحقوقي”، ومن موقع انتمائه لدائرة الثقافة الأمازيغية، وتمثله لروح الصراع الهوياتي، في سبيل ربح رهان الهوية البربرية، بمكوناتها في مواجهة الهوية الإسلامية، التي ينتمي إليها مجموع الشعب المغربي.
في هذا المقال الحجاجي، سأتصدى لبعض معارك عصيد التي تحمل هزيمته وهزيمتها في ذاتها، والتي لا تملك أدنى مقوم من مقومات الاستمرار، لتهافتها وسقوطها، وخوائها وهزالها
.
إنها معركة عصيد في مواجهة الدين والتدين، واستفراغه كل الجهد، من أجل الانتصار للاتدين أو الإلحاد، باعتباره حقا من الحقوق التي يناضل من أجل كفالتها في المجتمع المغربي، وصولا إلى تفكيك بنيته، وتمزيق نسيجه الثقافي القائم على الدين، من أجل جعله مطية سهلة، لتنفيذ أجندات الماسونية التي تجد في الدين عقبة كأداء في طريق ذلك التنفيذ.
سأتولى عملية التصدي لمقولات عصيد، من خلال قراءة تحليلية ناقدة في مقالين اثنين، نشرت إحداها بتاريخ 24 نونبر بجريدة هسبريس الإلكترونية، تحت عنوان: “الداخلون في الإسلام والخارجون منه” ونشرت الثانية بتاريخ 04 دجنبر 2020، استعراضا لبعض محتويات محاضرة لعصيد ، وذلك تحت عنوان:” عصيد: النظام التربوي المغربي يصنع المسلمين بالعنف والترهيب”. بقلم محمد الراجي.
يقول عصيد في بداية المقال الأول “، في لهجة جازمة تنضح بالصلف والاستكبار: ” الداخلون إلى الإسلام والخارجون منه سواء، فللداخلين حججُهم وأعذارهم وللخارجين كذلك”، فالإسلام عندهم هو الدين الذي يمكنك الدخول إليه بالزغاريد والخروج منه بقطع الرأس، ما يعكس قدرا كبيرا من التخلف الفكري والاجتماعي”
إن عصيد يصدر مقاله بقضية كاذبة زائفة بامتياز، فهل يملك بصيصا من الرشد، من يجعل على صعيد واحد، الداخلين إلى فضاء يغمره النور والضياء، فهم في صفاء وانشراح، ومن تغشاهم ظلمات بعضها فوق بعض، فهم في اضطراب وكساح، ويسوي بين من حججهم داحضة عند ربهم، وأعذارهم باطلة زائغة، وبين من ، منطقهم ثابت سوي، وحجتهم بالغة؟ فهلا استمع عصيد إلى قوله تعالى في التمييز بين الفرقين :” أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍۢ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ” ( الزمر: 22)، وقوله تعالى:” أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُۥ نُورًا يَمْشِى بِهِۦ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍۢ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” ( الأنعام: 122)، وقوله تعالى:” وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِى ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مَا ٱسْتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ” ( الشورى : 16)، وقوله تعالى: “قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَٰلِغَةُ ۖ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ”(الأنعام: 149).
إن تسوية عصيد بين الفريقين، يعكس قدرا غير محدود من الخبال، ومن الجرأة على الله عز وجل، وفقدانا مريعا لأدنى قواعد التمييز، سببه تزيين أعمالهم الشائهة في أنظارهم، كما تشير إليه آية الأنعام، وهو ناتج عن عمائهم عن الحقائق، بسبب فقدانهم للنور الذي يجليها لأبصارهم كما هي في الواقع، بخصائصها وأحجامها وألوانها، وجميع تفاصيلها.
أما قول عصيد: ” فالإسلام عندهم هو الدين الذي يمكنك الدخول إليه بالزغاريد والخروج منه بقطع الرأس، ما يعكس قدرا كبيرا من التخلف الفكري والاجتماعي” فهو قول مغرق في التهافت والبطلان، والتبجح والهذيان، إلا ما كان من قوله باقتران دخول الداخل إلى الإسلام بعد أن لم يكن فيه، بالزغاريد، وهو أمر ينطبق على من من الله عليهم وشرح صدورهم من الغربيين للإسلام، بعد أن عاشوا في ظلمات الكفر والضلال، وضاقت صدورهم بما سببه لهم من غصة خانقة وشقاء مرير، وهو أمر إن حصل، فهو محمود، لأن الدخول إلى الإسلام حدث عظيم، وميلاد جديد، بل هو الميلاد الحق، وإطلاق الزغاريد فيه تعبيرا عن الفرح والابتهاج، شبيه بإطلاقها عندما يخرج المولود من بطن أمه، ويعانق الوجود، بعد أن كان في ظلمات البطن، وقبلها في طي العدم.
أما ما ذكره عصيد من اقتران خروج الخارج من الإسلام بقطع الرأس، فهو زعم كاذب وافتراء ذو وجهين، أما الوجه الأول فيتمثل في أن من وجدوا أنفسهم في الإسلام بحكم ولادتهم فيه، ما كان لهم أن يخرجوا منه بعد أن ذاقوا حلاوته، وأطمأنوا في ظلال رحمته الوارفة، ونظامه البديع، وقيمه الرفيعة، وشريعته السمحة، إلا ما كان من قلة لا يعتد بها من السفهاء، ممن نكسوا على رؤوسهم، وسقطوا صرعى شهواتهم وأحلامهم الصغيرة، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. ومن ثم يتضح لنا أن صياغة عصيد لهذه القضية الزائفة، صياغة مغرضة وماكرة، تهدف إلى إيهام من يجهلون بالواقع من غير المسلمين، بأن عملية الخروج من الإسلام هي عملية مألوفة في مجتمعات المسلمين، وهو أمر غير صحيح قطعا، وشواهد الواقع، وسيرورة التاريخ، تدحضانه بشدة وصرامة.
وأما الوجه الثاني، فيكمن في أن من نعرفهم من الخارجين من الإسلام، ممن ضاقوا به ذرعا بسبب شقائهم وعقدهم النفسية، وأعلنوا انسلاخهم منه بالحال والمقال، بل وحتى من يجاهرون منهم بحربه وإيذاء أهله، يسرحون ويمرحون بين ظهرانينا، ولا أحد يتعرض لهم بسوء، فبالأحرى أن تقطع رؤوسهم بسبب خروجهم من الإسلام، لأن الإسلام غني عنهم، ولا مأرب له فيهم، ولا في دمائهم الملوثة، ورؤوسهم المريضة، وأن قصارى ما هم مطالبون به- ما داموا يأبون الدخول في السلم – لا يعدو أن يكون كف أذاهم وألسنتهم البذيئة، التي حقها أن تسكت عن مشاكسة المسلمين في عقر دارهم، وإحداث الفتنة في صفوفهم، وإثارة غضبهم بسبب حبهم لدينهم، وغيرتهم على مقدساتهم.
أما ما ختم به عصيد حكمه الباطل، بأن مضمونه “يعكس قدرا كبيرا من التخلف الفكري والاجتماعي”، فهو زيادة في البغي والتطاول،وإمعان في سوء الأدب مع الله جل جلاله، ومع الإسلام والمسلمين، لأن التمييز والمفاضلة بين عملية الدخول إلى نور الإسلام، وبين الخروج منه للعودة إلى ظلمات الكفر والضلال، يعكس ،على العكس من ذلك، سمو الفكر والروح، وسلامة المنطق، ورجاحة العقل، واستواء الميزان، وبعد النظر الاجتماعي، لأن التقدم الاجتماعي، والرقي الحضاري، ما كانا ،أبدا، ليكونا قريني الكفر والضلال، بل إن شروطهما الأساس، إنما هي العلم والإيمان، وتحرك الناس في إطار مرجعية عقدية شاملة، توازن بين الروح والجسد، والدنيا والآخرة، والفرد والجماعة، وتحل كلا من الوحي والعقل في موقعه الصحيح، كمصدرين من مصادر العلم والمعرفة، من أجل الوصول إلى اليقين العلمي، والنضج المعرفي، بعيدا عن أي جنوح أو إغراب، أوإفراط أو تفريط.
ويمضي عصيد في مقاله، ممعنا في الهرطقة، وإعطاء مزيد من الدلائل على فقدانه للميزان إلى أبعد الحدود، إذ يقول:” يحتفي المسلمون بمن دخل في الإسلام، لأن ذلك يعطيهم ثقة في إيمانهم الذي أصبح يعاني من هشاشة كبيرة بسبب التحولات الراهنة التي أبرزها الاكتشافات العلمية والدراسات التاريخية التي حطمت فكرة “العصر الذهبي” والشخصيات الدينية المثالية، وكذا انتشار الانترنيت الذي أشاع بين الناس الكثير من الحقائق التي كان يخفيها الفقهاء باعتبارها تضرّ بالدين وبإيمان الأفراد.”
مما لا شك فيه أن عصيد بكلامه هذا، يحيل على المفهوم المبتذل للتدين باعتباره نتاجا للتفاعل الساذج مع الظواهر الكونية، الذي يعد في حد ذاته تعبيرا عن فطرة الإنسان التي تنطق بحاجته العميقة للدين والتدين، بصرف النظر عن صحة ما يقبل عليه من أشكال ذلك،وما يكتسيه بعضها من غرابة أو فجاجة أو بعد عن الصواب، بسبب بعد العهد بالنبوات الصحيحة، أو رسالات الأنبياء، التي أثثت العصور البشرية، وأدركت برحمة الله سائر الأمم، مصداقا لقوله تعالى: ” إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِير” ( فاطر:24).
ومن المثير للاستغراب، والعجب العجاب، أن عصيد، بالرغم من أنه يعيش بجسده داخل نطاق الحضارة الإسلامية- وما تختزنه من حقائق عن الدين الإسلامي، وكونه مرجعية شاملة، وإطارا رحبا زاخرا بالحقائق والأسرار، التي تحمل طابع التحدي والإعجاز، للبشرية على مر العصور، بفضل ما تحمله من مفاتيح العلم، وحوافز الكشف، وشروط البناء الحضاري الراسخ المتين، التي أثبتت جدارتها في الميدان، وقدرتها الفائقة على صنع مجتمع يتعانق فيه العلم والإيمان، من أجل تحرير الإنسان، بالمعنى الحق والشامل للتحرير،ومن ثم تمكينه من أسباب السعادة والأمن والسلام- فإنه يعيش بعقله وروحه ومشاعره وأحلامه خارج نطاق تلك الحضارة، أي وراء البحار، في كنف المدنية الغربية، بفلسفتها ورؤاها، ومعاركها وصراعها، بكل ما يعكسه كل ذلك من قلق واضطراب على مستوى العقل والروح، ومن تمزق وشروخ على صعيد شخصية الإنسان الغربي، والمجتمع الغربي، وما آل إليه من أزمات وإحباطات، تحجبها البهارج عمن يشكون من ضحالة الفكر، وخواء الروح، واختلال الميزان.
فليعلم عصيد، أن إيمان المؤمنين المسلمين، إيمان راسخ رسوخ الجبال، وأن ” الاكتشافات العلمية، والدراسات التاريخية، هي ملك لهم، ومكتسب من مكتسباتهم، بحكم ريادتهم الحضارية، وما لهم من دين ثابت على الإنسانية في موكب جهادها العلمي الموصول، في سبيل رفع صرح العلم، وأن ما تم تحقيقه وإنجازه من ذلك، قد تم تحت راية القرآن، وبتوجيه من قيمه وتعاليمه، وقواعده وتوجيهاته.
وماذا عن الحقائق التي أخفاها الفقهاء وأظهرها الانترنيت، على حد قول عصيد؟ اذكر لنا هذه الحقائق يا عصيد حتى نناقشك فيها، أما أن تبني كلامك على الوهم والادعاء، وتطلقه على عواهنه في الفضاء، وفي تعميم فج وعماء، فهذا مما لا ينطلي إلا على الحمقى الأغرار، والمغفلين والبلهاء.
ويقوم عصيد بمقارنة بين موقف المسلمين والملحدين، ممن يدخل إلى الإسلام أوممن يخرج منه إلى الإلحاد، فيقول: ” أما الملحدون أو اللادينيون فلا يكترثون بدخول الإنسان في دين ما أو بمغادرته، والسبب أنهم لا يعتبرون الإلحاد مشروعا سياسيا يتطلب نوعا من التجييش والتعبئة، بقدر ما يربطونه بالتحرّر الفردي”
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كل هذا الضجيج، وكل هذا الانشغال بما يمثله المسلمون من تحركات تستهدف تقوية صفهم، وإثبات جدارتهم؟ هذا كذب وهراء، واصطناع للهدوء الفكري، وهو منك يا عصيد براء؟
ثم يضيف قائلا:” بينما الإسلاميون ينتفضون ويقعون في الارتباك كلما انتقل أحد ما من معسكرهم إلى فضاء الإلحاد أو اللادينية، لأنهم يعتقدون أنهم فقدوا “جنديا” من جنود الدعوة والخلافة القادمة التي لن تتحقق إلا في خيالهم.”
والجواب على هذا الكلام، يتمثل في أن حرص المسلمين على بقاء أي مسلم في صف المسلمين، إنما هو بدافع من حبهم الخير لكل مسلم، ولا يدخرون جهدا في ذلك بحسب ما يستطيعون، وإلا فالإسلام لا يعدم جنده، والله سبحانه وتعالى يقول، وهو خير القائلين:” وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم” “(محمد: 38)، ويقول سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(المائدة : 54)
ثم يقول عصيد في لهجة تنضح بالجهل والخواء، بقدر ما تفوح منها رائحة الكبر والاعتداد، :” “وتبرز هذه الظاهرة بوضوح بأن الإسلاميين وحدهم من مازالوا يعلقون على الدين مهاما(كذا) لم تعد من اختصاصه في عصرنا هذا”
ونحن نطرح السؤال على عصيد فنقول: ماهي المهام التي لم تعد من اختصاص الإسلام بعد أن كانت معلقة عليه من قبل؟ وما دليلك على أن البشرية لم تعد بحاجة إلى تلك المهام؟
إننا نعلم، وكل العقلاء يعلمون، أن الدين، أي الإسلام، قد جاء لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، لرفعهم إلى مستوى التكريم الذي أراده الله لهم، بصياغتهم صياغة ربانية، وتربيتهم التربية المثلى التي تقدرهم على حمل رسالة الاستخلاف، وحمل الأمانة العظمى التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15) ،(16) (المائدة)،
فهل انتهت صلاحية هذه المهمة ياعصيد؟ وهل انتهت صلاحية الإسلام في حملها؟ ، وهل انتهت حاجة الناس إلى سبل السلام، وإلى الخروج من الظلمات إلى النور، وإلى الهداية إلى الصراط المستقيم؟
وما ذا طرأ على العالم من جديد ينهي مهمة الدين، ويلغي الحاجة إلى ما جاء يبشر به، ويهيء الشروط لصنعه وبنائه؟ لا شك أنك تقصد ما حققه الإنسان من كشوفات علمية، وإنجازات في عالم التكنولوجيا، فهذه- يا عصيد – كما يعرف العقلاء والعالمون، لا تغني عن الدين، لأن البشرية مع وصولها إلى ما وصلت إليه في ذلك المضمار، لا زالت تعيش في الحضيض على مستوى تدبير شؤون الحياة، ومنهج السير، أي الميزان الذي يضبط السلوك، وينظم العلاقات، في الحرب والسلم، اتقاء للجور والفوضى، والتفسخ والانحلال، والانسياق في وديان الضلال.
وهل بإمكان هذا التقدم الذي حازه الإنسان، وما حصله من فتوحات في ميدان استثمار مكنونات الطبيعة، بفضل كشف بعض سننها وقوانينها، أن يحل محل الدين في حل مشاكل الإنسان العالقة، وأزماته الخانقة؟
كلا ثم كلا، فالواقع المرير الذي يكبل البشرية ويذيقها من ويلاته الجسام، يجيب بالنفي على هذا السؤال، ولسان حال البشرية المعذبة يقول: لا كان هذا التقدم ولا كانت هذه المكاسب في عالم التكنولوجيا، إذا كانت هذه تستخدم أداة ومطية لإهانة الإنسان واستعباده، وقهره وإذلاله.
فكيف تجرؤ – إذن – يا عصيد على إصدار هذا الحكم الفج والسطحي، والذي يدل على ضحالة فكرك، وقصر نظرك، وتبلد إحساسك، وعماء بصيرتك؟
وقفة مع ما جاء في المقال الثاني:
أما ما جاء في المقال الذي كتبه محمد الراجي بهسبرس – كما أسلفت- مستعرضا فيه محتويات عصيد في محاضرته التي بثها “منتدى الحداثة والديمقراطية”، تحت عنوان:” عصيد: النظام التربوي المغربي يصنع المسلمين بـ”العنف والترهيب”، فيندرج في نفس سياق القضية التي تخصص في حملها والاضطلاع بأعبائها، بكل ما أوتي من كراهية وحقد، وكبر وتعصب، وهي قضية مناهضة الإسلام، ومحاربته في كل المحافل والمنابر ، وعلى جميع الأصعدة، وإساءة الأدب مع الله عز وجل، ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ومع الصحابة رضوان الله عليهم، ومع العلماء الأثبات، وكل من حملوا رسالة البلاغ، والدعوة إلى دين الله، وعبء تطهير الأرض من صولة الأشرار، وفجور الفجار، ومما ران عليها من النجاسات والأقذار.
يقول:”إن تمثل المغاربة لحرية الضمير والمعتقد يتأسس على مبدأ أن “الإنسان مؤمن بالفطرة، لذلك يعتبرون غير المؤمنين أو كل من غيّر دينه خارج الطبيعة الإنسانية”، معتبرا أن هذا التمثل “خاطئ لأن الدين يدخل ضمن المجال الذي يعود فيه الاختيار الحرّ للإنسان”.
إن المغاربة إذ يحملون هذا التمثل، يعبرون عن فهم أصيل، وصدور عن عمق هذه الفطرة، التي هي من حقائق الخلق الإلهي، مصداقا لقوله تعالى:” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” (الروم:30)، وقول الله عز وجل في الحديث القدسي: وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا” (أخرجه مسلم) . وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: “فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ “. ، وإن عصيد وهو يحكم على هذا التمثل بالخطأ، يعبر عن تكذيب صريح لله جل جلاله، ولرسوله الكريم الصادق الأمين، عليه الصلاة والسلام.
ويضيف محمد الراجي في استعراضه قائلا:”واعتبر عصيد في محاضرة بثها منتدى الحداثة والديمقراطية، مساء الخميس، أن هذا التمثل السائد في المجتمع تكرّسه الدولة من خلال المنظومة التربوية، ذاهبا إلى القول إن المدرسة المغربية “تعمل على صناعة المسلمين بالقوة (بزّز)، وبالعنف والترهيب والتخويف، عبر ما يتمّ تدريسه في المادة الدينية”، على حد تعبيره.”
مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن خواء فكري، واختلال منطقي، فضلا عن عقد نفسية تجمع في طبقاتها السوداء، مختلف مشاعر الحقد والضغينة والحسد، ومختلف نزعات الهوس بالحرب ضد الإسلام وأهله، بل ضد أدنى ملمح من ملامحه، أو تجل من تجلياته في المجتمع المغربي، فهو يعتبر – في صفاقة وانعدام حياء –مجرد تدريس ما سماه المادة الدينية( أي التربية الإسلامية)،عنفا وترهيبا وتخويفا، وهذه غريبة من الغرائب، من شخص نذر حياته لمشاكسة كل ما يرتبط بثقافة الإسلام، في أرض، وفي مجتمع رضي به أهله دينا على مر قرون عديدة، رغم الداء والأعداء، ورغم الحملات الرعناء، ورغم كل مشاريع التشويه والتحريف والتدجين، التي استهدفت، في غير ما هوادة، شخصية الإنسان المغربي. ماذا ينشد عصيد أن يحل محل مادة التربية الإسلامية التي اعتبر تدريسها عنفا وترهيبا وتخويفا، حتى يرفع كل هذا الإكراه عن كاهل رواد المنظومة التربوية؟ وبتعبير آخر، ماذا لو قررت الدولة المغربية أن تحذف مادة التربية الإسلامية من المقررات والبرامج الدراسية، وتضع محلها مادة التربية الجنسية، أو الفلسفة الماركسية، أو حتى دراسة التوراة و والتلمود، أو الإنجيل، أو الكنفشيوسية، أو تاريخ الثقافة الأمازيغية وروادها العظام، ممن ليست فيهم رائحة الإسلام؟ أو أي شيء مما يضمن بعد الناشئة المتعلمة عن دائرة الدين القويم، وقيمه البانية السمحاء؟ إذن لقرت عين عصيد، ولارتاح ضميره، ولهج لسانه بالحمد والثناء، على منظومة تخرج الأحرار، وعلى الدولة المغربية التي اختارت طريق الحداثة، وأرادت خيرا بالناشئة، إذ حررتهم من أثقال” المادة الدينية”، وأطلقت لهم العنان، ليسرحوا ويمرحوا في شعاب الحياة، دون قيد أوشرط، إلا شرط الغريزة،ودوافعها الجامحة، وليسلسوا قيادهم للشيطان.
وأضاف رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أن “المادة الدينية هي المؤطر للنظام التربوي، بقرار من السلطة التي زرعت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي كمية كبيرة من التدين داخل النظام التربوي من أجل مواجهة اليسار الراديكالي والإصلاحي، والثورة الخمينية الشيعية في إيران”.
إن هذا الرأي من عصيد يعد على النقيض من رأي المراقبين للوضع الديني، والقيمي- ممن ينتمون لدائرة الاختصاص في المجال الاجتماعي والتربوي والثقافي، من ذوي الخبرة الواسعة، والمتابعة لمسار المجتمع، وما طرأ ويطرأ عليه من تحولات على مستوى تشكيل العقليات، واتجاهات القيم، ونوعية الولاء والانتماء، وتمايز الناس في ذلك الولاء، وانقسامهم، بين التدين واللاتدين- ذلك بأن هؤلاء يرون بأن موقع التربية الإسلامية في المنظومة التربوية موقع باهت وهزيل، بسبب التهميش الذي تعرض له عبر مسار النظام التربوي، وما تخبط فيه من انتكاسات، تجلت من بين ما تجلت فيه، في ضمور روح التدين لدى الناشئة، وانحدار مستوى القيم الإيجابية المرتبطة به، والرهينة بقوته وصفائه وسلامته. وهذا يدل دلالة قاطعة، على أن حكم عصيد على حجم التدين، أو كميته – على حد تعبيره- ، في المنظومة التعليمية، بكونه كبيرا، حكم يفتقد إلى الموضوعية والنزاهة، ويقوم على نزعة تضخيمية تهويلية، تهدف إلى تغذية الإسلاموفوبيا في عقر دار الإسلام، بما يعتبر ظهيرا لهذه النزعة المقيتة خارج ديار الإسلام، مما يدل على أن عصيد يتناغم في تحركاته مع هذه الأخيرة، ويمثل دور الوكيل الموتور الذي لا يدخر جهدا في مهمته، بنية إخماد شعلة الدين في المجتمع المغربي، بشتى الوسائل، وعبر مختلف القنوات، تحت لافتة الانتصار للحداثة ، مما يبرهن على أن عصيد يحمل مشروعا واضح المعالم والأهداف، يشكل فيه رأس الحربة وقطب الرحى.
ومما يؤيد حكمنا ووصفنا هذا للدور الريادي الذي يضطلع به عصيد في مضمار محاولات نقض الدين، والتصدي للتدين والمتدينين في إطار الإسلام، وقيمه وثقافته، أن حركته المناهضة للدين والحاقدة عليه، تحاول أن تحقق نقلة نوعية في هذا السبيل، لا نعدو الصواب، إذا وصفناها بأنها ممعنة في الخبث، ومعبرة عن حقد وكراهية كبيرين لكل ما يمت بصلة للإسلام والمسلمين، وللدين والتدين.
وتتمثل هذه النقلة المقيتة، في عدم القناعة بتجسيد الحق في ” حرية المعتقد والضمير” وتجاوزها توا إلى الحق في الخروج عن دائرة الدين مطلقا، أي معانقة الإلحاد واللاتدين.
بتعبير آخر، فإن” عصيد، عبر عن رفضه أن يُختزل مفهوم حرية الضمير والمعتقد لدى النخب والأوساط المنفتحة من الجمهور في “أن يكون لك الحق في هذا الدين أو ذاك دون تصوُّر أن يعيش الإنسان خارج نطاق الدين”، وزاد موضحا: “حرية المعتقد والضمير تعني أيضا ألّا تكون لك عقيدة، أو أن تَعتبر الديانات الموجودة غير صحيحة أو فيها أخطاء” (عصيد: النظام التربوي المغربي يصنع المسلمين بـ”العنف والترهيب: – محمد الراجي – هسبرس: 04- 12- 2020).
ويضيف الراجي قائلا: “ودافع الناشط الحقوقي المثير للجدل عن “حق كل مواطن في أن يعتنق الدين أو أن يكون لا دينيا”، مبرزا أن “ما رسّخ فكرة وجوب أن يكون الإنسان متدينا في وعي المجتمع المغربي هو الفكر الفقهي الإسلامي انطلاقا من مفهوم الفطرة التي يولد عليها الإنسان”. ( نفسه)
والرد على هذا الزعم، يتجلى في: أن الفكر الفقهي الإسلامي، لا يعدو كونه قد عكس الأمر القرآني والحقيقة القرآنية التي تدعو إلى الإيمان، الحقيقة التي حملها أنبياء الله ورسله إلى أقوامهم عبر العصور، وهي المتمثلة في العبارة التي رددها كل منهم أمام من أرسل إليهم: مما جاء في قوله تعالى”:
قَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) ( سورة الأعراف)
وأضاف عصيد أن الدولة سايرت هذا النهج “وتَعتبر أن كل مواطن مسلم منذ الولادة، واعتمدت هذا المبدأ في كل قوانينها، الذي لا يعترف للمواطن بأن يختار الدين الذي يريد”، معتبرا أن القانون الجنائي “مناقض للدستور، الذي هو الوجه الذي تتعامل به الدولة مع الخارج، بينما القانون الجنائي هو الوجه الذي تتعامل به مع المغاربة في الداخل”.
إن أمر عصيد أمر عجب بين المهرطقين الشانئين للإسلام والمسلمين، فهو يهرف بما لا يعرف، ويضرب عرض الحائط بأدنى مبدأ من مبادئ المنطق، التي تشكل قاسما مشتركا بين الناس، أفليس من أغرب الغرائب أن يأخذ على الدولة كونها ” تعتبر كل مواطن مسلم منذ الولادة”؟ حاكما عليها بأنها ترتكب تناقضا مع الدستور؟ فهل يريد من الدولة أن تعتبر كل مولود كافرا، أم أن تستنطقه في المهد للتعرف على الدين الذي يعتنقه، أو أن تخترع جهازا يمكن من الكشف على ما يخبئه كل قلب من قلوب الأطفال، حتى تتمكن من تسجيل دينه في سجلات الحالة المدنية؟
أوليس كل مولود يولد على الفطرة يا عصيد؟ و هذه الحقيقة هي ما نطق به القرآن والحديث – كما أسلفنا – وما دخل الدستور هنا، الذي دمغت الدولة بتهمة التناقض مع مقتضياته، وهل نص الدستور على كون كل مولود يولد محايدا، وأن على الأسر والمجتمع المدني بمنظماته ومجالسه ومؤسساته، خاصة منها منظمات حقوق الإنسان، وعلى الدولة أن تنتظر المولود حتى يشب عن الطوق، لتسأله عن الدين الذي يختاره بمحض إرادته، وحينها يتم تعهده في الاتجاه الذي اختاره؟
إنه فتح جديد اهتدى إليه عصيد في عالم التنشئة والتربية وحقوق الإنسان، قد يسمح له أن يسجل في سجل العباقرة المجددين.
كما قال المتحدث ذاته “إن هناك خلطا بين منظور القرآن لحرية المعتقد وبين منظور المرجعية الدولية لحقوق الإنسان لهذا المفهوم، وزاد موضحا: “حرية المعتقد في المرجعية الدولية لحقوق الإنسان تعني أن من حق الإنسان أن يؤمن أو ألا يؤمن، بينما يعني هذا المفهوم وفق المنظور الإسلامي أنّ غير المؤمن شخص ضالّ، وهذا ما أدّى إلى المفاضلة بين المؤمنين وغير المؤمنين”.
إن عصيد ينحاز هنا- بالضرورة – لمنظور المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، القاضي بتخيير الإنسان بين الكفر والإيمان. وللتفاهم حول هذه القضية لا بد أن نميز بين أناس في حالة الرشد، يجدون أنفسهم في موقف الاختيار بين أن يؤمنوا وأن لا يؤمنوا، وهذا في غير بلاد المسلمين، وبين أناس درجوا في بيئة الإسلام، وتشربوا ثقافته وقيمه، فالأمر في الحالة الأولى طبيعي، أما في الثانية، فيكاد يكون بعيدا -كما أسلفت البيان – إلا من شرذمة قليلة أحيطت بملابسات نفسية واجتماعية وتربوية نكدة، ألقت بهم في لحظة مأساوية في أتون الكفر والجحود.
نعم “إن غير المؤمن شخص ضالّ” والمؤمن أفضل منه في منظور القرآن، وإنها أفضلية صادرة ممن خلق الإنسان، وقال في محكم التنزيل:”
“هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير”ٌ (التغابن:2)، وهل تنكر يا عصيد أن تكون هناك مفاضلة بين الجوع والشبع، وبين الموت والحياة، وبين الخير والشر، وبين الاستقامة والانحراف، وبين اليقظة والغفلة، وبين الذكر والنسيان، وبين العلم والجهل، وبين الخيانة والأمانة، وبين الإخلاص والعمالة، وبين الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والولاء للشيطان وأتباعه من المجرمين، وبين الجنة والنار؟
قد يكون جوابك بالإيجاب، وعند هذه اللحظة، وعند ذاك لن يبقى هناك مجال للنقاش والحوار.
ولمزيد من تنفيس عصيد عما يعتلج في نفسه من نيران الحقد على الإسلام، يقوم بقفزة في مجاهل التاريخ الإسلامي، ليقول: “إن أحكام أهل الذمة، التي كانت تؤطر علاقة المسلمين باليهود والنصارى، “أحكام عنصرية لأنها تضع غير المسلمين في الدرجة الثانية، وهذا مخالف لمنظومة حقوق الإنسان التي تعتبر المؤمن وغير المؤمن متساويين في الحقوق والواجبات، وأن المعتقد اختيار حر” .
وفي هذه الفقرة يؤكد عصيد نفس الفكرة السالفة الذكر، ولكن في قالب آخر، يرتبط بموضوع أهل الذمة، وهو موضوع يوجد في ذمة التاريخ، نظرا لانعدام شرطه الذي كان يؤمن وجوده، مما يدل على أن إثارة عصيد له، إنما هي بدافع الشغب الممعن في الابتذال واللامعقول.
ومع ذلك، فإن كلام عصيد السالف في هذه النقطة كلام مجانب للحقيقة التاريخية، لأن اليهود والنصارى عرفوا أزهى فتراتهم في ظل العصور الذهبية الإسلامية، على مستوى ما متعوا به من حقوق دينية ومدنية. فلم يكونوا أبدا – على هذا الأساس- مصنفين في الدرجة الثانية، بل كانوا على قدم المساواة مع المسلمين، ومكنوا حتى من أعلى المناصب والمهام، في سدة الحكم، وتدبير شؤون الدولة.
أما التفاضل أو المفاضلة عند الله، المتعلقة بالاعتقاد، إيمانا أو كفرا، فمن شأنه سبحانه وتعالى الذي قال في كتابه العزيز:” أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ،( القلم: 35، 36)، وقال عز من قائل:”
” أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار”(ص:28).
خاتمة:
خلاصة القول أن عصيد، يخوض حربا خاسرة بجميع المقاييس، خسارة فادحة باهضة، لأنها تكلفه نفسه التي يرديها موارد الهلكة، إذ يوبقها في نار جهنم التي أعدها الله عز وجل لكل من يناجز دينه العداء، فضلا عن هوة القلق والاضطراب التي يلقي بها في أتونه، مصداقا لقول الله تعالى :”إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” :”:( فصلت 40)، وقوله تعالى:” وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ”؟( الحج:31).
وقد تبين بالدلائل القاطعة، والحجج الدامغة، أن كل ما قاله مضروب في الصفر، وقصارى ما يتركه من تأثير، هو إثارة القلاقل والتشويش، والشغب، وهو ما سماه القرآن الكريم باللغو الذي يلجأ إليه من يريدون صرف الناس عن الإسلام، والحيلولة دون أنواره، وذلك في قوله تعالى:” وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسْمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ” ( فصلت: 26).
وما كانت هرطقات عصيد أبدا لتنال من قناة الإسلام، وما أصدق قول الشاعر عليه وعلى أمثاله حيث يقول:”
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
إن عصيد أوتي من باب الجهل بالإسلام، ومن جهل شيئا عاداه، وما أحراه أن يتواضع لله، ويعرف حجمه الحقيقي، فلا يتطاول على رواسي الجبال الشامخة الرفيعة، وأن يجلس إلى شيوخ العلم، ليتعلم مبادئ الإسلام، فذلك خير له وأرحم.أما أن يتمادى في الغي والعدوان على الدين، فلن يجني إلا علقما، وليعتبر بمن سبقوه في هذا الطريق الخاطئ، وبما انتهوا إليه من بوار وخسران، فلم تغن عنهم البهارج الكاذبة والألقاب الزائفة. وصدق الله القائل:” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ” ( الرعد: 17).
وجدة في 07 – 12- 2020