رجل هادىء…..ناصر بوريطة
شحلال محمد
تسعى كل دول العالم العريقة إلى اختيار الرجال الذين يشرفونها،خاصة في المحافل الدولية، ولعل المجال الدبلوماسي هو الذي يحظى بالاهتمام أكثر من غيره ،لأن تحقيق الأهداف يتم عبر لباقة الكلمة وحسن،،البيان،، الذي قال عنه الرسول عليه السلام:(إن من البيان لسحرا).
يحتفظ التاريخ المعاصر بأسماء وزراء خارجية وسفراء بصموا فترات مهامهم بمنجزات خالدة،بل لقد تحولوا إلى نماذج مرجعية في معالجة القضايا الكبرى.
من حق الشعب الأنجليزي أن يعتز بشخصية ،،وينسطون تشرتشل،، والصينيين بوزير الخارجية في عهد،،ماو تسي تونغ،،الراحل ،،شوان لاي،،من غير حاجة لاستعراض الأسماء اللامعة الأخرى عبر العالم.
لم يكن المغرب فقيرا في المجال الدبلوماسي،حيث تشعبت علاقاته مع مختلق الأقطار الكبرى منذ القدم،وهو ما اهتم به المرحوم عبد الهادي التازي فأصدر مؤلفا ضخما عبارة عن عدة مجلدات بعنوان:
التاريخ الدبلوماسي للمغرب.
لقد جمع الراحل في هذه السلسلة أحداثا تاريخية ووثائق نادرة فيها خير الأجوبة على ألسنة الفضول التي تسعى إلى النيل من عراقة المغرب.
لا زال بلدنا ينجب رجال دولة مرموقين في مجالات مختلفة، بالرغم من كل النقائص التي يعاني منها مسارنا الديموقرطي الفتي،ولعل وزير خارجية بلدنا الحالي،واحد من رجالات الدولة الذين يلبسون منصبهم بكل المقاييس،وهذه ليست دعاية مجانية،بقدر ما هو اعتراف لصاحب الفضل عندما يستوفي الشروط.
لقد تزامن تولي وزير الخارجية الحالي لمنصبه مع تحقق إنجازات ومكتسبات سياسية معتبرة لبلدنا ،لا سيما فيما يهم قضية الوحدة الترابية.
صحيح ان هذا المسؤول مؤطر بالتوجيهات الملكية والخبراء،ولكنه يملك كذلك مؤهلات يسرت له التوفيق في مهامه.
يتميز السيد بوريطة بهدوء استثنائي يسمح له باختيار كلماته،فإذا أضفنا إلى ذلك ،،اللوك،،الذي حباه به الله عز وجل(قياس الخير عليه)،فإن الرجل صار يمتلك القبول العفوي لدى مخاطبيه،والذي يبذل من أجله الآخرون ثمنا لا يخلو من شبهة.
أمس ،تتبعت مقابلة أجراها صحفي مغربي مع وزير الخارجية بمدينة العيون،فشعرت بالاعتزاز وأنا أقارن ردوده مع ردود الساسة الجزائريين.
خلال المقابلة كاملة لم يصدر عن الرجل لفظ واحد يخدش مشاعر
الخصوم،بل كان يتحدث عن الجزائر وكأن العلاقات بيننا،،سمن على عسل،،كما يقول عامة الناس.
استحضرت أسلوب الجيران مسؤولين ومهتمين وهم يخصصون كل ساعات اليوم للتهجم الرخيص على بلدنا ومسؤوليه،إلى درجة أن من يسمع هذه الردود الانفعالية،يتهيأ له وكأن المغرب قد اقترف كل جرائم الدنيا في حق هذه الدولة، بل إن المغرب يوشك أن يمحو الجزائر من على سطح الأرض !
أما العيب الكبير الذي تجذر في الساسة والنخب الجزائرية،فهو هذا المرض النفسي الذي يعرف ب،،الشوفينية،، chauvinisme،ذلك أن هؤلاء يعتقدون بأنهم يشكلون النموذج الأوحد في التفكير والنظرة إلى الأمور،وكل من يرى غير ذلك فهو عدو يجب محاربته بافتعال كل المبررات الممكنة، لتهييج شعب جرى تعويمه في الشعارات التي طال أمدها وحان موعد وقفها.
لعل كل متتبع لهيستيريا إعلام الجيران،يتساءل كيف يربط هؤلاء الناس كل المخاطر المحدقة ببلدهم بما يحدث في المغرب ولو كان مأتما ؟
يقول الفرنسيون :(qui n’avance pas, recule)بمعنى أن من لايمضي إلى الأمام،محكوم بأن يعود إلى الخلف، ولعل هذا حال جارتنا الشرقية التي تتجاهل أن على رأس أقوى دولة ،رجلا يأمر ولا يستشير أحدا خارج بلده ،ولكن الحكام هناك لم يقرأوا الرسالة جيدا.
في نهاية هذه الخاطرة ،التي استوحيتها من هدوء السيد وزير الخارجية-وفقه الله-تمنيت لو كان الكلام يصل إلى أسماع إخواننا،،الواعرين،،في الجزائر ليدركوا بأن الرئيس ،،ترامب،،قد قدم لهم خدمة ثمينة،ذلك أنه قد أوجد لهم مخرجا من مأزق الصحراء الذي افتعلوه ،ليكونوا في حل من التزامهم الخاسر تجاه من بقي من الصحراويين ليعودوا إلى موطنهم قبل أن يلفظهم الجميع.