سفينة الجامعة العربية غرقت وسقط الحمل
بقلم لحسن بنمريت عزاوي ـ هولندا
الجامعة العربية ومنذ نشاتها لا زالت تراوح مكانها .لا هي استطاعت حل مشاكل الأقطارالعربية الصغيرة أوالكبيرة وحررت الأراضي المغتصبة، ولا هي حققت آمال وازدهار الشعوب . جل القمم التي مضت، كانت عبارة عن بيانات فارغة وعبارات رنانة و كلمات استهلاكية لارضاء الشعوب ودغدغة مشاعرهم . وكشعوب عربية ، لم نرى ولم نعش أي أهداف سطرت وبرمجت وطبقت وكتب لها النجاح. بل كل ما بقي راسخا في ذهننا من أغلب القمم الماضية سوى بعض الكلمات المألوفة والجمل المتكررة التي استهجنها المواطن العربي مثل نندد ونشجب ونرفض وندين الخ وعبارة” شكرا على الحفاوة وحسن الاستقبال” الجملة التي كان تختتم بها البيانات وحفظها اطفالنا عن ظهر قلب . القناعة التي وصلنا اليها كشعوب عربية هي أن هذه الجامعة العربية بهذا الشكل لا خير يرجى من وراءها ولن تحقق آمالنا ولا طموحاتنا . والغريب في الأمر أن هذه القناعة وربما من باب الصدفة والقدر، أنها أصبحت مشتركة بيننا كشعوب عربية وبين حكامنا الذين باتو يتهربون من عقد أية قمة في بلدانهم لأنهم أدركو أن الجامعة العربية أصبحت لهوا ولغوا وضياعا للوقت أذا لم تتغيرالعقليات .
ولكن ماهي الأسباب التي أوصلتنا الى ما وصلنا اليه؟ الأسباب في نطرنا تنقسم الى شطرين: اسباب داخلية و أخرى خارجية .اذا بدأنا بالأسباب الداخلية فنجد أن السبب الرئيسي هو انعدام الديموقراطية وغياب العدالة الاجتماعية في أغلب الدول العربية . والسبب الثاني يتجلى في عقلية بعض الحكام العرب ، أي عقلية “بدوية أعرابية” يغلب عليها طابع الأنافة المزورة والرجولة التي تكون في جل الأوقات في غيرمحلها أمام حوت كبيـر يتربص بالأمة العربية والآسلامية . واضرب هنا مثلا بالراحل صدام حوسين رحمة الله عليه الذي رغم أنه قيد حياته، حقق الكثير لبلاده من تعليم وطب وصناعة ودافع عن القضايا العربية واستقبلت العراق الكثير من الطلبة العرب ومنحتهم كل التسهيلات لاتمام دراستهم وقام بمساعدة الكثير من الدول العربية .الا أن العقلية والثقة الزائدة في النفس والانفراد بالقرار دون مشورة مع من حوله ، جعلته يدخل في حرب خاسرة من البداية ضد دولة اسلامية وهي أيران .حرب استشهد فيها آلاف المسلمين من الطرفين وتدهورالاقتصاد واغتيل العلماء وأصبح العراق الشقيق في خبركان. دون أن ننسى غزوه لدولة الكويت الشقيق بايعاز من أمريكا وما تبعها من مآسي ومصائب . أذا تركنا العراق ومررنا الى الجمهورية العربية السورية وطرحنا سؤالا وجيها ؟ هل اعتدت سوريا على أي دولة عربية ؟ هل تدخلت سوريا في شؤون أية دولة عربية صغيرة كانت أم كبيرة ؟ الجواب حسب معرفتنا كشعوب عربية واسلامية ،وحسب ما عشناه وتتبعناه من اخبار داخلية وخارجية ومن وسائل الاعلام ، هو أن الذريعة الوحيدة والأسطوانة التي كررها الأمريكيون ومن تبعهم في تمزيق سوريا ،هي أن الرئيس السوري يعتبر ديكتاتورا ويقوم بقمع شعبه لدى وجب محاربته. وكأن الزعماء الآخرين ملائكة الرحمان ودولهم جنات النعيم يسطع منها نور الحق والعدل.وهذه الكذبة تذكرنا بالكذبة الكبيرة التي نسجها الغرب حول العراق وامتلاكه للأسلحة النووية. اذا، اذا كانت سوريا المعروفة ولازالت بمواقفها المشرفة المتمثلة في الدفاع عن جميع القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس الشريف واسترجاع أراضيها المتمثلة في هضبة الجولان واحترامها لسيادة كل الدول العربية، فما الذي دفع ببعض الدول العربية لتمويل بعض الجماعات المسلحة والمرتزقة لتمزيقها وتشريد شعبها ومحاولة الاطاحة بنظامها ؟ ومن الذي دفع بتركيا المسلمة أن تفتح حدودها وتسهل مرورشبابنا للجهاد في سوريا باغراءات مالية احيانا أو بغسل دماغهم أحيانا أخرى .أليس هذا التآمرالذي تسبب في تشريد الشعب السوري العظيم يعتبرمصيبة عظمى وخطيئة كبيرة ارتكتبتها بعض الأنظمة العربية والاسلامية ؟
اذا انتقلنا الى اليمن الشقيق .هذا البلد الغني بعروبته ومبادئه وطيبوبة شعبه، فكيف لنا أن نخوض حربا ضده ونقتل أطفاله ونساءه ونجوع سكانه ونجرب فيه أنواع الأسلحة ؟ أما كان للدول المحاربة أن تسلك أسلوب الحوار المستمر وتصل الى حلول تحفظ وحدتها بدل أسلوب الحرب والقتل والدمار الذي هو ليس في مصلحة أي أحد ؟
أما في الجزائر، فرغم ما أنعم الله عليها من خيرات تمثلت في البترول والغاز ومشتقاتهم ،لا زال الشعب الجزائري الشقيق يعيش فـقرا مدقعا ولا زالت البنية التحتية متردية والحالة الاجتماعية مزرية وما دمنا نتحدث عن عقلية الحكام العرب وعن شعاراتهم الفارغة وزعاماتهم البائدة، فالحكام في الجزائرلا زالوا يحتجزون مغاربة صحراويين ومعهم بعض الأفارقة التي تقطعت بهم السبل في مدينة تندوف بدعوى اقامة دولة مستقلة لما يسمى ب “البوليساريو” .وبما ان الحكام في الجزائرلم يتعلموا من التاريخ و لم يأخذو العـبرة مما يقع ، ولا يواكبون التطورات والتغيرات ولا يدركون أن العالم العربي والاسلامي مستهدف من كل جهة . فهم لا زالوا مصريـن على عدائهم للمغرب ومحاولين اشعال الحرب عن طريق تسليح ما يسمى بالبوليساريو. وكما أشرنا سابقا وقلنا أن الحالة الاقتصادية التي وصل اليها العراق كان أحد أسبابها الرئيسية تهــورواندفاع الراحل صدام حوسين في حرب خاسرة، تعيشها اليوم الشقيقة الجزائربسبب غياب الرؤيا لديها وانعدام الديموقـراطية، والانفراد بالقرار من طرف مجموعة صغيرة من الجنرالات والتحكم في مصير ومستقبل الشعب الجزائري الشقيق .
أما بالنسبة للأسباب الخارجية فهي معروفة ومكشوفة لدي الجميع .اللاعبان الأساسيان المتمثلان في أمريكا واسرائيل لهما مشروعهما الخاص .أمريكا تشعل الحروب بين الدول العربية بهدف التفرقة بغية جني ملايين الدولارات من خلال صفقات الأسلحة،وتعمل جاهدة على اطالة أمد الخلافات العربية الاسلامية حتى يكون سقف الأرباح عاليا. أما مشروعها الثاني هو نهب وسرقة خيرات الدول العربية وخصوصا البترول والغـاز وكمثال على ذلك بترول العراق وسوريا وما خفي أعظم .أما بالنسبة لاسرائيل فزيادة على المشاريع المذكورة والمشتركة مع أمريكا ، فلها مشروعها الخاص المتمثل في اغتصاب الأراضي والتوسع داخل الوطن العربي وابتلاع القدس الشريف والتغلغل داخل الأقطارالعربية واغتيال العلماء .وما قلناه عن أمريكا واسرائيل يمكن تطبيقه على الدول الغربية التابعة مثل فرنسا وانجلترا ودول اخرى .
اذا ، اذا كان مشروع أمريكا واضحا ويستوعبه الصغيروالكبير، فما هو مشروعـنا يا ترى؟ وهل في استطاعتنا أن نستخلص الدروس والعـبـرمما يجري أمامنا ؟ وما الذي يمنعنا في الدخول في حوارجاد لحل مشاكلنا سواء كانت عربية أواسلامية اذا كان مشروع الدول الأخرى معروفا ؟ وهل يستطيع بعض الزعماء في الخليج أن يتجاوزو مرحلة الخوف والرعب من أمريكا ويعملوا ثقتهم في الرحمان أولا، وفي شعوبهم ثانيا ،حتى يتسنى لهم أخذ القرار الصائب لمصلحتهم ولمصلحة شعوبهم ؟
أملنا كبيرفي حضرة صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله لنصرة القضية الفلسلطينية والقدس الشريف وتحريك عملية السلام .جلالته مؤهل بامتياز للقيام بهذا الدورالتاريخي وحكمته وتبصره ومكانته المرموقة في العالم ، وثـقة المؤسسات الدولية في شخصه الكريم ، ومواقفه المتزنة والمسؤولة تجاه الخلافات الخليجية، ودوره المتميز في لم شمل الاشقاء في ليبيا ومساعدتهم على تجاوزالصعاب دون وصاية، كل هذه المواصفات تجعلنا كشعوب عربية نعقد آمالا كبيرة على جلالته .
وستبقى الجامعة العربية جثة هامدة الى أن يعي زعمائنا بأن العالم يتغـيريسرعة ، وأنه حان الوقت للاعتماد على النفس ووضع الثقة في الشعوب ،والابتعاد عن التآمر والتخلي عن الشعارات الفارغة، وحينئذ سنرى أمة عربية في وضع مختلف ، تعتـز بها الأجيال القادمة ويحترمها العالم .