بزوغ فجر 2021..أمواج الأمل وسط بحر من ركام الألم
الأستاذ منير الحردول
مع بزوغ فجر سنة ميلادية جديدة، سنة مرقمة بأربعة أرقام وهي 2021، تطل علينا أحداث كثيرة، غالبيتها يندرج من خندق ألم المآسي والحزن، حزن أضحى يتخذ مسارات بنيوية أكثر منها عارضة.
كيف لا، والعالم شهد في هذه العام التي أشرف على الانتهاء أو انتهى بلا رجعة، مختلف أنواع التخريب والقتل، والقتل المضاد، والمكر بين الدول، والمكر المضاد، وتصاعد المد القومي، واحتقار الثقافات، وتقديس كراسي السطة والولاءات، وذلك على حساب طموح شعوب ترزح تحت أنين الفقر والهشاشة، هشاشة تحصر في ضروريات وحاجيات متطلبات الحياة المتعددة، مقابل البذخ والغنى الفاحش للبعض، وتسابق أغلب الدول لصرف الملايير في شراء الأسلحة، خوفا من وهم مجهول إسمه الحفاظ على التوازن أو الاستعداد لخطر خفي لا يعلمه إلا أصحاب القرارات، الذين يتوصلون بتقارير استخبارتية، يجهل عامة الناس فحواها، وأهدافها، ومراميها المترامية التوقعات!
فهاهي الحروب مشتعلة، أو خامدة تنتظر الضوء الأخضر من هنا وهناك، لتحرق كل شيء بأسماء مختلفة، كضرورة الحفاظ على المصالح القومية، أو الكرامة الإثنية أو القبلية العرقية أو الأوهام التوسعية المرتبطة بافكار تعود لعهود الامبراطوريات القديمة، وزد على ذلك كثير.
ولعل استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وظاهرة الدراماتيك التي عرفتها العلاقات الإسرائيلية مع دول كانت بالأمس القريب ترفض أي تقارب مع هذا المستجد! تعد من أبرز مميزات عوالم السياسة الدولية في سنة 2020، إضافة إلى استمرار الأزمة السورية على حالها، والحرب العبثية في اليمن، والنزاع التركي مع اليونان حول المياه الإقليمية، والتسابق على استغلال الذهب الأسود في البحر المتوسط، وما يحاك حول الثروات النفطية في بحر قزوين، والنزاع المحتمل الناجم عن بناء سد النهضة في إيثيوبا وضرره على الدول المطلة على النيل، والصراع الإيراني المستمر، المذهبي، والعقدي، والانقسامات الكثيرة بين قوى غلبت مصالحها على حساب مصالح شعوبها، يعد من أبرز سمات هذه السنة المنتهية، سنة بغموضها وضبابها الكثيف ستغطي لا محالة على أفق سنة 2021!
زد على ذلك، السياسات الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي قادها رئيس انتهت ولايته، بيد أن قراراته كان لها وقع كبير على الساحة الدولية, اقتصاديا، وسياسيا، وبيئيا واجتماعيا، هذا ناهيك على التخوف الكبير للعالم الرأسمالي من الزخف التنموي للتنين الصيني المخيف للبعض، والمؤثر، مما حول العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى حروب تدار في الخفاء، حروب عنوانها الابتزاز السياسي، والانقلابات، والتسابق على تقديم المعونات والمساعدات، بهدف كسب مزيد من النفوذ على مستوى القارات الفقيرة، كإفريقيا وبعض دول آسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وزد على ذلك كثير! وهذا لوحده لدليل آخر على طموح الألم ورغبته في التوسع، على حساب نقطة الأمل، التي تترجى العودة للفكر الإنساني الخلاق، المبني على احترام التعدد والثقافات، وتقدير قيمة المشترك البشري من شجر وتربة وهواء وتنوع بيولوجي جميل وحياة هادئة، حياة يأبى الإنسان بطغيانه وجبروته الجبان، تركها على مساراتها وسيرورتها الطبيعية الكونية!
كما أن العودة المحمومة لصراع الحضارات والثقافات، وتغذيته من طرف ثلة ممن يدعون التنظير، لدليل آخر على أن الفلسفة المبنية على احترام الاختلاف والخلاف ذاهبة لقبر مظلم عنواه مزيدا من إشاعة الحقد والكراهية بين المجتمعات والتجمعات السكانية والدول التي قدر لها أن تضم خليطا من الأجناس والأعراق والديانات والمعتقدات!
لهدف وحيد، هو تعميق الجراح، وطغيان ثقافة الموروثات التي تدعي كلها أنها على حق، رغم ان الحق لا زال يشكل لغزا عظيما، يترجمه هذا الكون الشاسع الذي يضم ملايير المجرات، ويجهل الإنسان المخلوق الطاغية! ماذا يسود في تلك العوالم، والتي عجز العلم لحد الآن على حسم ومعرفة جبروت الله في خلق لامتناهي، يعلمه هو وحده سبحانه وتعالى.
ولعل هجوم فيروس مجهري في سنة 2021، وخلخلته للبنيات الاقتصادية والإجتماعية، مع ذهول البشرية واتجاهها نحو تبني التباعد والانعزالية، والجنوح نحو الفردانية، كان أبرز ما ميز معالم السنة المنتهية.
بيد أن الأمل مهما حوصر، فعملته تبقى دائما وأبدا نادرة ولا تقدر بثمن، أمل تحمله القلوب الطيبة والعقول الراجحة، المنفتحة، الخصبة، المؤمنة بحقوق الإنسان، في نطاق احترام الثقافات والعادات، وبيئة تربية المجتمعات، أمل يتلخص في العادات الإجتماعية، والتعاون وفتح أو إلغاء الحدود الوهمية، والبحث عن المشترك ومحاولة خلق عالم جديد، يسود فيه القانون والإنسان العاقل، لا الإنسان المدمر، الخائن للطبيعة، تلك الطبيعة المتاصلة في الحياة، أمل في التقليص من الفقر ومحاربة الهشاشة، من تسول، وأمية، وبطالة، مع البحث عن آليات جديدة لوضع حد للجرائم البشعة، من قتل واغتصاب وغيرها من الانحرافات السلوكية المرضية، والمؤثرة على السلامة الطبيعية و الحياة ككل، أمل الحياة الهادئة العادلة، القيمة المتنوعة، المفعمة بالأخوة والمحبة، تلك هي نقطة الأمل وسط أمواج بحر من ركام الألم!