ذاكرة مدينة وجدة المعرفية: سيدي الحاج محمد الرحماني (1932-2020) – الحلقة 82
بدر المقري
مما يلام به المغاربة قديما وحديثا، قلة عنايتهم بتاريخهم و إهمالهم ذاكرتهم الجماعية. و قد ذم مفخرة المغرب الإمام الحسن اليوسي (توفي سنة 1102 هجرية \ 1691م) طبع المغاربة هذا بقوله : ” فكم فيهم من فاضل نبيه، طوى ذكره عدم التنبيه، فصار اسمه مهجورا، كأن لم يكن شيئا مذكورا.”
و أن تخص هذه الحلقة من سلسلة ذاكرة وجدة المعرفية بالتعريف بسيدي الحاج محمد الرحماني يرحمه الله، فلأن ذلك يعد في جوهره تكريما لجيل له من الخصال الحميدة السامية ما يفرض علينا الحرص على عدم انقطاع ذكره بعد وفاة رجالاته، لأنه يقبح أن جيلا زين ذاكرتنا الجماعية بصلاحه لا يبقى له بعد موت أعيانه ذكر.
و لله در الإمام سفيان الثوري (توفي سنة 161 هجرية) في قوله : ” إن لم نكن صالحين، فإنا نحب الصالحين.”
و ما أجمل قول العارف أبي العباس المرسي الأندلسي (توفي سنة 686 هجرية) :
لي سادة من عزهم \\ أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم فلي \\ في ذكرهم عز و جاه
و مما تجب الإشارة إليه أن سيدي الحاج محمد الرحماني يرحمه الله من شرفاء بلاد (تاغجيرت) من (بني خالد) رابع قبائل (بني يزناسن) بعد (بني منگوش) و (بني عتيگ) و (بني وريمش)، و إن كان المعتبر عنده أن شرف العمل هو الذي يرفع شأن شرف النسب.
و لما كنا نعد من أخلاقيات المعرفة ألا نوسم بدفن فضلاءنا في قبري النسيان و الإخمال، فإننا نوجز خصائص مسار سيدي الحاج محمد الرحماني يرحمه الله، في ما يأتي :
1- رحل في طلب العلم بعدما أتم حفظ القرآن الكريم حفظا تاما بين يدي والده سيدي محمد بن عبد القادر الرحماني يرحمه الله (توفي بوجدة في ماي 1992) و بعد مرحلة الطلب الأولى، إلى مدينة فاس و التحق بنظام الدروس في جامع القرويين سنة 1950.
و كأننا بسيدي الحاج محمد الرحماني ينشد قول سيدي يعلى الفاسي(توفي سنة 503 هجرية) :
سافر لتكسب في الأسفار فائدة \\ فرب فائدة تلفى مع السفر
و لا تقم بمكان لا تصيب به \\ نصحا و لو كنت بين الظل و الزهر
فإن موسى كليم الله أعوزه \\ علم تكسبه في صحبة الخضر
2- اضطر لدواع شخصية إلى قطع مساره في نظام الدروس بجامع القرويين في فاس في خريف 1952، و لكن صلته بطلب العلم بطرق تحمل أخرى لم تنقطع البتة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى. و لذلك كان سيدي الحاج محمد الرحماني ممتنا طوال حياته لأجيال سلفه في علو الهمة، فيقول :
” و أما اليوم فلا تسأل عما جرى، كل شيء إلى ورا.”
و كأنه يستحضر قول أحدهم :
زماننا كأهله \\ و أهله كما ترى
لكن للزمان خبايا \\ و في الرجال بقايا
3- كان يرحمه الله لا يفتر عن مراجعة حفظ القرآن الكريم، معتنيا أشد العناية بتصحيح أخطاء الوقف في المصاحف المحفوظة في بعض جوامع وجدة و مساجدها، و كان يوكل رعاية خاصة بالمطالعة، مع ميل إلى علمي الحديث و الفقه. و كدت أقول أن الكتاب الذي شغفه حبا هو (المدخل) لابن الحاج العبدري الفاسي (توفي سنة 737 هجرية).
4- قضى سيدي الحاج محمد الرحماني العامين الأخيرين من حياته في جرد خزانته الخاصة و توثيقها، لأنه عقد النية على إهداءها إلى إحدى المؤسسات المعرفية بوجدة.
5- كان يرحمه الله زوارا للصالحين من حملة القرآن الكريم مهما بعدت المسافات، محبا في من يطلب العلم، و لذلك كان ميالا مع من يجالسه إلى المذاكرة في ما له صلة بالعلم و ما إليه. و لعلي احتفظت بإعجابه الشديد بعالمين من علماء المغرب. فمن المتقدمين الإمام محمد المقري (توفي بفاس سنة 759 هجرية)، و من المتأخرين سيدي عبد السلام الهواري (توفي بفاس سنة 1910).
6- خبرت سيدي الحاج محمد الرحماني من كثب مدة 25 عاما، فوجدته هينا لينا، حافظا للمروءة، جميل المعاشرة، من أهل النية الصالحة، حسن الظن بالناس و لا يرى لنفسه مزية على أحد، كريم الأخلاق، لا تراه مشتغلا إلا بما يعنيه، و لم يزل على حاله إلى حين وفاته.
7- جالست سيدي الحاج محمد الرحماني أياما قبل مرضه الأخير، فلم أجد ما يعكس ذاته في آخر حياته، أحسن من قول أحدهم :
إن يأخذ السقم من جسمي مأخذه \\ و أصبح القوم من أمري على خطر
فإن قلبي بحمد الله مرتبط \\ بالصبر و الشكر و التسليم للقدر
فالمرء في قبضة الأقدار مصرفه \\ للبرء و السقم أو للنفع و الضرر
8- توفي سيدي الحاج محمد الرحماني يرحمه لله بوجدة، يوم الخميس 02 جمادى الثانية 1442 هجرية \ 17 دجنبر 2020.