أخيرا بدأ الإصلاح الحقيقي!
يحي طربي
بدأت العديد من المواقع الإخبارية المغربية، خاصة الإلكترونية، في الآونة الأخيرة، مساهمة منها في فضح الفساد و المفسدين، تزف للقارئ، مشكورة، أخبارا سارة و في غاية الأهمية؛ تسلط الضوء على تقديم العشرات من رؤساء الجماعات الحضرية و القروية و نوابهم للمحاكمة، في انتظار سقوط المآت منهم، بعد أن أثبتت التحريات و التحقيقات تورطهم المباشر و غير المباشر في ارتكاب جرائم خطيرة تتمثل خاصة في اختلاس و تبديد المال العام و التزوير و الارتشاء و التلاعب في الصفقات العمومية و التحايل على القانون و السطو على أراضي و ممتلكات الدولة و الأفراد. و قد استحسن كل المغاربة هذه الإجراءات و شجعوها و باركوها، ﻷنها تدخل في إطار التطبيق الفعلي لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأنها مدخلا أساسيا لبناء دولة الحق و القانون.
و قد أثبتت التحريات و الأبحاث الدقيقة حول تصرفات هؤلاء المسؤولون المنتخبون أنهم يستغلون نفوذهم و ثقة المواطنين و الثغرات القانونية لاختلاس الأموال العمومية المخصصة للتنمية البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية لساكنة الجماعات التي يرأسونها، بالإضافة إلى التلاعب في رخص البناء و التجزءات السكنية، و المتاجرة في الأراضي و الأملاك التابعة لجماعاتهم، و الإرتشاء و تزوير وثائق رسمية، و عرقلة عمليات الاستثمار الوطنية و الأجنبية بسبب عقلياتهم البيروقراطية المتحجرة و بتواطؤ مع بعض الموظفين والمقاولين. قمة الفساد و الإجرام و التسلط إذن. لذلك يعتبرهم الجميع السبب الرئيسي في فشل كل سياسات و نماذج التنمية البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية التي نهجها المغرب للارتقاء بالوطن و المواطن و سبب عزوف الكثير من المغاربة عن التصويت في الانتخابات و المشاركة في تدبير السياسات العمومية.
مجرمون و خونة من نوع خاص. لا يجب التساهل معهم. منهم من يتحالف مع الشيطان من أجل مصالحه الشخصية. بل هم أخطر على المغرب و المغاربة من فيروس كورونا و عصابة البوليساريو. يستغلون انشغال السلطات المركزية بالقضايا الكبرى للوطن كقضية الصحراء و جائحة كورونا و محاربة الإرهاب … لتمرير و انجاز مشاريعهم الجهنمية التي تضر بالبلاد و العباد. لذا و من خلال هذه المنابر الإعلامية المواطنة – بكسر الطاء -، نحيي المجلس الأعلى للحسابات و المفتشية العامة لوزارة الداخلية و النيابة العامة و كل هيئات و جمعيات حماية المال العام على غيرتهم على الوطن و دفاعهم عن مصالح المواطنين. كما نتمنى منهم تعميق البحث و التحري مع كل رؤساء الجماعات و نوابهم و مستشاريهم عبر التراب الوطني حول الأموال و الثروات التي راكموها هنا و هناك؛ لأن أغلبهم ” فكرشهم لعجينة “؛ متهمون حتى تثبت براءتهم، و خاصة بالعالم القروي، حيث ” لقاوها خالية “يضنون أنفسهم فوق القانون و لن تطالهم يد العدالة، بتواطؤ من بعض رجال السلطة و أعوانهم، الذين يتسترون عن تجاوزاتهم و خروقاتهم، و يوفرون لهم الحماية من المتابعة القانونية، مستغلين سذاجة و أمية و خوف الساكنة و وطنيتهم العفوية؛ لأن الإفلات من العقاب يضر بدولة الحق و القانون و يسيء لسمعتها.
لقد قضى المغرب على التهريب بكل أنواعه شرقا و شمالا و جنوبا، وقام بتفكيك كل الخلايا الإرهابية، و يكاد أن يضع حدا نهائيا لظاهرة ” التشرميل ” و ” لكريساج ” و ” القرقوبي “، و لم يبقى سوى التخلص من هؤلاء المفسدين كي ينعم المواطنون بالأمن و الأمان و السلم الاجتماعي.
ان مثل هذه ” المخلوقات و الأشكال الآدمية ” لا وجود لها في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها و مواطنيها. و إذا كانت كل الأعراف و القوانين و التشريعات في العالم تحث على مساءلة و محاسبة المنتخبين، ﻷنهم مسؤولون عن تدبير السياسات و الشؤون العمومية و المحلية، فإن دولتنا و خاصة الجهات الوصية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تحاسب هؤلاء بسرعة قصوى و فعالية كبيرة؛ لأن لا شيء يشفي غليل المواطن المغربي البسيط سوى محاكمتهم و استرجاع كل ما نهبوه من المال العام، و كذلك أن تقلص من صلاحياتهم أو القطع معهم نهائيا؛ لأنه لا خير يرجى من مثل هؤلاء، خاصة بعد أن أعمى الطغيان و جنون العظمة بصيرتهم. إنه السبيل الوحيد ﻹعادة ثقة المواطن في السلطات المنتخبة، و ﻹنجاح الجهوية المتقدمة و الديمقراطية التشاركية و بناء دولة القانون..
فإما أن نقضي على الفساد بصفة نهائية و ننعم بالمساواة و العيش الكريم، و إما أن نعيد النظر في دور البرلمان و النقابات و المنظمات الحقوقية…