كلمة في حق الأخ الراحل د. عبد المجيد بنمسعود
بقلم رشيد لعناني
الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا، الذي لم يستثن من الموت صغيرا أو كبيرا، والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين بشيرا ونذيرا
دونكم هذه الكلمة في حق الأخ الفقيد الدكتور بنمسعود عبد المجيد الذي توطدت معه وشائج القرب منذ عقدين ونصف على معاني الود والحب على غير أرحام تجمعنا أو ميراث يضمنا في زمن غدا فيه الحب في الله عزيزا كالكبريت الأحمر، نادرا كالغراب الأبيض، غريبا حتى بين من ينتسبون إلى الإيمان، في زمن أصبح السلام فيه بالمعرفة، والموالاة فيه للطائفة والحزب والجماعة لا على معنى لطيف صاف يذاق ويستمرأ كما ينتشى عبير الأزهار ويحتسى الماء العذب الزلال. الباعث على هذه الكلمات قول الحبيب المصطفى عليه أزكى الصلوات “وإن حسن العهد من الإيمان” وقول أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي “الحر لا ينسى وداد لحظة ولا تعليم لفظة” عرفانا بالجميل وتوثيقا لمعاني النبل والرشاد، فكم يؤلم القلب تواري من جمعتك بهم لحظات الصفو والعطاء وتعليم ما لا يعد ولا يحصى وروغانهم لأتفه الأسباب كما تروغ الثعالب. كانت بداية المعرفة عام1417هـ 1996م، ولم تنقطع يوما إلى أن فوجئت بخبر الوفاة بعد قرابة أسبوعين لأن معارفه لا يعرفونني حتي يخبرونني، وإن كنت أعرف قلة قليلة منهم ولا يعرفونني. كانت كلماته رحمه الله حانية بانية، مربتة مشجعة. ولكم أن تعجبوا أننا لم نلتق يوما لبعد المسافة بيننا، وهذا ما أثر في حقيقة، وإن كانت العبرة بالأرواح لا بالأشباح، فواحد كألف يكون لك ظهيرا ومؤنسا، وألف كأف لا يسدون فراغا، ولا يذكرونك في دعوة، ولا يتذكرونك حيا، بله ميتا. وفي زمن انعدام الهواتف أو ندرتها كانت الرسائل الطويلة الماتعة صلة الوصل بيننا، ولا زلت أحتفظ برسائله رحمه الله جميعها وأجوبتي عليها، ولولا تضمنها لما لا يهم عامة الناس وتطرقها لبعض الخصوصيات لنشرت بعضها. خطه غاية في الروعة، وأسلوبه رقراق جميل، ينهمر من عل، وكلامه يزخر بالصدق والدفء، له رسالة ومغزى؛ ثم ولى زمن الرسائل الورقية ليخلفه زمن الهواتف الذكية فكانت الصلة بها وبتطبيقاتها . ترجمت له مجموعة قصصية بعنوان الأخدود إلى لغة تاتشر، خَصص ريعها لمسلمي البوسنة والهرسك آنذاك، ونالت استحسان من راجعها من ذوي الاختصاص، ووضعها بيده لدى أمانة رابطة الأدب الإسلامي العالمية بتركيا آملا أن يعتمدوا نشرها، ومرت السنون ومع انتشار البريد الإلكتروني راسلتهم مستفسرا عن مصير الترجمة فأجابوا بإيجاز: نعتذر على عدم النشر فنحن لا نعتمد طباعة الكتب باللغة الإنجليزية. قد أنشرها قريبا إن تيسر وإن كان لا يهمني النشر الآن من عدمه بقدر ما يهمني كسب أخوة أخ مفضال هكذا نحسبه والله حسيبه، ونطمع في لقاء عند الحوض إن شاء المنان بعد تعذر اللقاء في دار الفناء. كان رحمه الله وغفر له في الغالب مبادرا بالاتصال والسؤال عن الأحوال، وكان شغوفا بالكتابة رغم وجع الظهر، ذابا عن حياض الشريعة، مدافعا عن العربية وعن التعليم الأصيل، مدندنا حول سفينة المجتمع وما يتهددها من خرق. له كتاب الأمة بعنوان “القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر، سلسلة كتاب الأمة، العدد ( 67 ) ( 1419هـ / 1998م )، ” و منظومتنا التربوية، إلى أين؟ (1421هـ/2000م )” أرسلهما هدية لي، ولطالما كتب في “المحجة” وكان ضمن هيئة تحرير مجلة “المشكاة” . ترجمت له كذلك إلى الإنجليزية، بناء على طلبه، “قراءة في حديث السفينة” الذي نشر على جريدة المحجة على مراحل، والترجمة منشورة إلكترونيا. وبما أن بر الأبوين لا ينقطع بعد موتهما كما ورد في حديث أبي أُسيد مالك بن ربيعة الساعدي أوصي أولاد الأخ الفقيد بالصلاة عليه {أي الدعاء له}، والاستغفار له، وإنفاذ عهده من بعده، وزيارة صديقه، وصلة الرحم التي لا توصل إلا به، كما أهيب بهم أن يقدموا له صدقة جارية يجري عليه أجرها إلى أن تفنى الدنيا. الله بارك له فيما ارتحل إليه وعوضه خيرا مما ارتحل عنه، واخلفه في عقبه خيرا، اللهم ارزقه في قبره الحبور والسرور، اللهم اكتبه في عليين، وآته كتابه بيمينه تلقاء وجهه، وأمرِه على الصراط كالبرق الخاطف، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، هذا أقل ما يجب فاللهم اجعلنا من أهل الوفاء وارزقنا مرافقة من هم أفضل منا