الـــ UMT والأمازيغ: جدلية التمزيغ والاستيعاب
عبد الله الفرياضي
فاعل نقابي أمازيغي مشارك في اللقاء التشاوري مع الــUMT
عضو السكرتارية الوطنية لمشروع حزب التغيير الديمقراطي
طالعتنا هذا الأسبوع بعض وسائل الإعلام، ومنها موقع هسبريس، بخبر يفيد أن مناضلي الحركة الأمازيغية قد التحقوا فرادى وزرافات بنقابة الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الإتحاد المغربي للشغل (UMT). بل راح البعض، بفرح طفولي زائد، يتحدث عن “تمزيغ النقابة” والاجتهاد في تبييض تاريخها في التعاطي مع القضية الأمازيغية.
ومن موقع المشارك في اللقاء التشاوري الوطني مع قيادات الإتحاد المغربي للشغل، وكمساهمة متواضعة في النقاش الوطني المثار حول الوضعية الآنية والمستقبلية للفاعلين الأمازيغ على الركحين الحزبي والنقابي، سأحاول أن أقارب دور اللقاء الوطني المذكور على ضوء السؤال الإشكالي التالي: هل تمكن النقابيون الأمازيغ من تمزيغ النقابة؟ أم أن النقابة هي من تمكنت من استيعابهم وتحويلهم من رقم صعب في المعادلة السياسية إلى مجرد أرقام في بطائق الانخراط؟
في السياق والسيناريو والإخراج
اتسم العمل النقابي الأمازيغي (في ظل عدم وجود حاضنة سياسية مست
قلة) بغير قليل من الفرقة والتشرذم، حيث توزع الشتات النقابي الأمازيغي على مختلف (العشائر والقبائل النقابية)، مما جعله عرضة للاستباحة والانتهاك (نموذج ذلك ما وقع من تضييق ممنهج وطرد تعسفي ولأسباب إيديولوجية في حق الفاعلين النقابيين الأمازيغ المنتمين لنقابة حزب النهج ذي التوجه العروبي الذي لا يجمعه بالحركة الأمازيغية إلا داء الضرائر).
لكن ما إن استفاق هذا الشتات على هول الصدمة وقرر أن يوحد جهوده ضمن هيئة تنسيق وطنية أسندت إليها مهمة التشاور والتفاوض مع بقية المركزيات النقابية الأخرى على أساس تعاقدي ملزم وواضح المعالم، حتى تمكن الاتحاد المغربي للشغل، منذ أول لقاء تشاوري معه، من الانقضاض على ورقة “الشرعية الأمازيغية” لتوظيفها بمنطق سياسوي دون أن يكلفه ذلك القيام بأية مراجعة ولو طفيفة لأدبياته المناوئة للقضية الأمازيغية. وبطبيعة الحال، لم يكن ليتأتى له هذا المكسب المنقوص لولا “توافقه” مع المكلفين بالتفاوض معه والذين أغراهم ظل التموقعات ذي الثلاث شعب وإن كان مجرد ظل لا ظليل ولا يغني من اللهب.
غير أنه يبدو أن عرابي فرضية الالتحاق الجماعي بالــUMT ومروجيها على أساس أنها نصر تاريخي وفتح مبين للحركة الأمازيغية، بتسرعهم في تمجيد “الروح الأمازيغية الجديدة” لهذه المركزية النقابية، لم يستفيدوا من درس نقابة النهج الذي كان لا يتوانى بدوره في استغلال الورقة الأمازيغية كلما بدا له أنها ستحقق له مكسبا.
فما الذي تغير إذن وفي لقاء أولي واحد حتى غدت الــUMT نقابة أمازيغية؟ للإجابة عن هذا السؤال، وحتى لا تتكرر أخطاء الماضي القريب، يتوجب على قيادات هذه المركزية النقابية وعرابي الالتحاق بها من الجسم النقابي الأمازيغي عدم إغفال الإجابة عن ثلاثة تساؤلات أساسية وهي:
أ- ما موقف الـــ UMT من الوحدة العربية؟
ب – ما موقف الـــ UMT من المغرب العربي؟
ج – ما موقف الـــ UMT من ترسيم الأمازيغية؟
الـــ UMT والوحدة العربية
من بين التنظيمات ذات النزعة القومية العروبية (الإقصائية و الاستئصالية) التي تفاخر مركزية الاتحاد المغربي للشغل بالانتماء إليها يبرز اسم ما يطلق عليه “اتحاد النقابات العربية” الذي وضع من بين أهدافه تحقيق حلم الوحدة العربية المزعومة (طبعا على حساب الإثنيات الأخرى في هذه المنطقة وعلى رأسها الأمازيغية).
ولعل التشبع بهذه النزعة الاستئصالية هو ما دفع اتحاد هذه النقابات العروبية إلى إسناد رئاسة مؤتمرها الثاني المنعقد في مراكش 2018 إلى رئيس الاتحاد المغربي للشغل الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة وبصفته تلك، كلمة لو أخضعناها لقراءة إحصائية سريعة لتبين لنا أن تردد كلمة “العرب” ومشتقاتها فيها قد بلغ 29 مرة. وهو رقم سيكشف لنا بوضوح منسوب النزعة العروبية في الفرش الإيديولوجي لمركزيته النقابية.
الـــ UMT والمغرب العربي
سيكون من المفيد أيضا أن نلفت انتباه رفاقنا إلى أن “المغرب العربي” الوهمي يعتبر من الرهانات الاستراتيجية التي لا تخفي الــUMT نضالها من أجل تحقيقه، فهذه المركزية النقابية تتمتع بالعضوية الكاملة والمؤثرة في ما يسمى “الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي”. ولاستجلاء حقيقة الأمر يمكن في هذا الصدد الرجوع إلى نص البيان الختامي للمؤتمر الخامس لهذا الاتحاد المنعقد بتونس في 8 فبراير 2019 المنشور على الموقع الرسمي للاتحاد المغربي للشغل وأيضا إلى البيان الصادر عن الــ UMT نفسها بتاريخ 7 دجنبر 2020.
الـــ UMT ودسترة الأمازيغية
الأمثلة المعضدة للتوجه العروبي للاتحاد المغربي للشغل وعدائه الطبيعي للأمازيغية كثيرة وغير معدومة (وصفنا هذا العداء بالطبيعي لاعتقادنا بحتمية انسجام الاتحاد مع خلفيته الإيديولوجية)، إلا أن المقام لا يسمح بالاسترسال في سردها جميعا. لكن رغم ذلك بقيت واقعة مفصلية لا يمكن المرور دون ذكرها. الأمر يتعلق هنا بالمذكرة المرفوعة من قبل هذه المركزية النقابية إلى اللجنة الملكية لتعديل الدستور سنة 2011، مذكرة تحدثت عن كل شيء إلا عن مطلب ترسيم الأمازيغية (والمفارقة هي أن المركزية النقابية للتيار الإسلاموي – العدو الأيديولوجي الشرس للقضية الأمازيغية – قد طالبت في مذكرتها بدسترة الأمازيغية ولو بطريقتها التبخيسية الإلحاقية).
على سبيل الختم:
إذا كان العمل النقابي حقا مكفولا بمقتضى التشريعات الوطنية والدولية، بل وبمقتضى القانون الطبيعي نفسه، فإن التحاق بضعة أفراد من مناضلي الحركة الأمازيغية بالاتحاد المغربي للشغل حق لا يمكن لأي كان أن ينتصب للوصاية عليهم في تحقيقه أو الحجر عليهم في تصريفه. إلا أن المؤاخذة التي نسجلها على رفاقنا هو تعمدهم الترويج لهذا الالتحاق المحدود عدديا على أنه التحاق جماعي للفاعلين النقابيين الأمازيغ (أي المنتمين للحركة الأمازيغية)، بل التمادي في تسويق هذه المركزية النقابية على أنها نقابة الأمازيغ الموعودة دون أية ضمانات تعاقدية فعلية وملزمة.