التسول في المدارات ومتفرقات الطرقات ومضايقة السائقين بوجدة يشكل خطراً كبيراً على روادها
عبدالقادر كتـــرة
لا بد للجالس في مقهى بمدينة وجدة أو بإحدى مدن الجهة الشرقية أن يلاحظ في ظرف وجيز عددا غير قليل ، يبعث على القلق، من المتسولين في استعراض لجميع أنواع الحيل المستعملة في الاستجداء يبدأ بالاستعطاف ليصل إلى الإلحاح أحيانا ثم إلى الإزعاج مما يتطلب تدخل النادل أو صاحب المقهى. ويذهب بعض الشحاذين في الأسواق إلى اعتراض سبيل المواطنين وجذبهم من أطراف ملابسهم إذا هم تجاهلوا نداءاتهم وخصوصا كلما همُّوا بتأدية ثمن ما اقتنوه، بل منهم من اقتحم المحلات التجارية واحتلها كما يفعل الزبناء.
لكن ما أصبح يشكل خطرا كبيرا ومداهما هو ما يتعرض له سائقو السيارات والمركبات في المدارات وملتقيات الطرقات، من طرف عدد لا يستهان به من المتسولين والشحاذين، في غياب رادع وناهر ومعاقب من المسؤولين المباشرين وغير المباشرين على سلامة وأمن المواطنين سواء منهم السائقون أو المتسولون..
متسولون من جميع الأعمار والجنسين والأجناس احتلوا مواقع في ملتقيات الطرقات والشوارع، أطفال ونساء وشيوخ وعجائز مغاربة وأفارقة وسوريون، ومختلون عقليا ومتسكعون و”شمكارة”…، يستغلون توقف السيارات عند الأضواء ليهرعوا إلى دقّ النوافذ لتنبيه السائقين على وجودهم، يراوغون السيارات والشاحنات والدراجات النارية دون خوف ولا حرج متجاهلين الخطر، يمدون أيديهم ويلحون في ذلك إذا ما تجاهلهم من يقصدونهم، ثم يعاودون الكَرّة دون ملل ولا كلل…، قبل أن ينطلق طابور المركبات عند إشارة المرور.
ويتحرك ممتهنو وممتهنات هذه الأفعال بمفترقات الطرقات، بين المركبات، بكراسي متحركة وبصعوبة لأنهم لا يعانون من إعاقة والوضع لا يعدو أن يكون حيلة لاستدرار الشفقة والرحمة وبالتالي يسهل الوصول إلى جيب السائق، ومنهم من يدفع بأطفال صغار لمراوغة السيارات واستجداء السائق ومنهن من تحمل أطفالا رضعا، ومتسكعون يجبرونك على غسل الزجاج الأمامي لسيارتك أو يبيعون “كلينيكس” وطريقة أقرب إلى الاستجداء…، غالبا من تعيق تحركات هؤلاء المتسولين حركة المرور وتباطؤها تنتهي بغضب السائقين الذين لا يملكون من أمرهم إلا الحوقلة والتوحيد، بعد أن اضطروا للتوقف مرة أخرى بسبب عدم تجاوزهم للضوء الأخضر في الوقت المناسب.
تعددت الوسائل والطرق والحيل والخدع والهدف واحد، هو الوصول إلى داخل جيب المواطن والحصول على درهم أو أكثر، فمن الشابة المعيلة لأيتام بعد وفاة والدهم إلى المعاق العاجز عن القيام بأي عمل إلى المريض المحتاج لأدوية فمسافر تمت سرقته و”تقطع به الحبل” بمدينة وجدة…وتلك أم وضعت على يد طفلتها جبيرة ونزعت عن قدميها نعليها ووضعت على نصف جسمها قطعة قماش ورمت بها بين السيارات في أحد مفترق الطرقات عند الأضواء تتنقل بين السيارات أمام أعين “الأم” المراقبة لتحركات الطفلة (إن كانت طفلتها حقيقة) من أحد أركان المفترق تحسب عدد الأيدي الكريمة…
ورغم ما يقال عن هذه الظاهرة ورغم ما نسمعه عبر وصلات إشهارية تطلب من المواطنين الامتناع عن التصدق حتى لا يساهم المرء في تشجيع مهنة التسول، ورغم ما نقوله عن هؤلاء الممتهنين لها، رغم كل ما يقال تبقى ظاهرة التسول والاستجداء من مظاهر تخلف المجتمعات ونتاج سياسات حكوماتها وثمار أنظمتها الاقتصادية. ولا شك أن الذي يختار مهنة التسول، قد اختارها قهرا لظروف معينة واختار معها أن يتخلى عن كرامته وأنفته ومروءته ولا شيء أشد من الذل والهوان من مد يد سفلى ليد أعلى تمنح أو تمنع وتقبل كلمات الطرد والنهر والقهر بل أقل قساوة واحتقارا من التجاهل وإشارات بالانسحاب…
إحصائيات رسمية، وضعت المغرب في صدارة الدول العربية التي تعاني من ظاهرة التسول، حيث أن عدد المتسولين يصل بالمغرب إلى حوالي 195 ألف متسول، متبوعا بمصر بـ 41 ألف متسول، وتأتي الجزائر في المرتبة الثالثة بمجموع 11 ألف متسولا.
وكان موضوع ظاهرة التسول مصدر نقاش مستفيض بمجلس المستشارين، الثلاثاء 4 يونيو 2019، حيث أجمع كل المتدخلين بمجلس المستشارين، بأن ظاهرة التسول تقتضي إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية، لكون تحسين هذه الظروف يكون سببا مباشرا في الحد من ظاهرة التسول أو تخفيض نسبتها العامة، التي ترسم أرقاما مهولة على الصعيد الوطني.
وفي هذا الصدد، أبرز الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي شعباني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الظاهرة الاجتماعية أصبحت ممارسة خطيرة وفي تطور مستمر في المغرب، فكل فئات المجتمع، من جميع الأعمار ومن الجنسين، فتيات ونساء ورجال وكبار السن يمتهنون على حد سواء “مهنة التسول”.
وأشار عالم الاجتماع إلى أن “التسول يعرف تزايدا لأسباب وعوامل مختلفة ومتعددة”، مسجلا أن ظاهرة التسول أثبت، من وجهة نظر اجتماعية، ومنذ فترة طويلة، أنها حرفة تدر دخلا هاما لا يتطلب شهادات أو جهدا.
وأوضح أن بعض المتسولين الذين يرفضون عروض عمل يتلقونها من المصانع أو المطاعم أو غيرها، معتبرين أن مد اليد يتيح لهم كسب دخل يومي مهم يتراوح بين 250 و300 درهم كحد أدنى.
وفي هذا الإطار، قامت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة باتخاذ تدابير مختلفة للقضاء على هذه الظاهرة. ويتعلق الأمر على الخصوص، بإطلاق الوزارة بتعاون مع رئاسة النيابة العامة والقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية المعنية والجمعيات في نهاية سنة 2019 وبداية 2020، خطة عمل حماية الأطفال من الاستغلال في التسول، بغية وضع منظومة متكاملة لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، تشمل الحماية القضائية والتكفل الطبي والنفسي والرعاية الاجتماعية وإعادة الإدماج في مؤسسات التربية والتكوين.
وقد مكنت هذه الخطة، في تجربة نموذجية شملت مدن الرباط وسلا وتمارة، من سحب حوالي 100 طفل من الاستغلال في التسول، وذلك إلى غاية بداية الحجر الصحي.
من جهة أخرى، أكد رئيس النيابة العامة المغربية محمد عبد النباوي أن حملة مكافحة استغلال الأطفال في أنشطة التسول تمكنت من رصد نحو 142 قضية تتعلق التهم باستغلال الأطفال في التسول بالعاصمة الرباط وضواحيها، ما انتهى بإصدار قرارات توجب إرجاع الطفل إلى وسطه الأسري، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وكان عبد النباوي، قد أكد، في كلمة له بمناسبة انطلاق الحملة قبل أيام، على أنه ومنذ ما يزيد عن عام كانت قد أعطيت الانطلاقة لخطة العمل لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، وذلك بشراكة بين رئاسة النيابة العامة والوزارة المكلفة بالتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، وبتنسيق وتعاون مع قطاعات أخرى رسمية ومدنية، ما أعطى الحملة قدرة على الوصول إلى نتائج ملموسة في وقت وجيز.