بعد شعور الشباب بالإحباط الذي أعقب الأمل الناتج عن الحراك الشعبي ، الجزائر تحتل المرتبة الأولى في الهجرة السرية إلى إسبانيا
عبدالقادر كتــرة
بعد الإحباط الذي أعقب الأمل الناتج عن الحراك الشعبي في الجزائر، عاد الشباب إلى خيار الهجرة السرية إلى الشواطئ الأوروبية، أملاً منهم بحياة أفضل بعدما عجزت حكومة عبدالمجيد تبون الجديدة عن تحقيق أي من وعودها، ما أفقدهم الأمل مرة أخرى.
وعادت الظاهرة بقوة بسبب تبخّر أحلام الشباب وتقلّص آفاق التغيير واليأس السياسي والاجتماعي، إضافة إلى التضييق السياسي والإعلامي، حيث قرر الكثير منهم المغامرة مجدداً والسعي إلى الهجرة السرية من خلال مراكب تقليدية، على الرغم من المخاطر الكبيرة، وعادت الأخبار المتعلقة بإحباط محاولات الهجرة أو وصول مهاجرين إلى السواحل الإسبانية والإيطالية تتصدر نشرات الأخبار واهتمامات الجزائريين.
ومنذ بداية شهر يوليو الماضي، أحبط خفر السواحل الجزائري محاولات هجرة سرية لنحو 472 مهاجراً. وقبل أيام، أوقف 103 مهاجرين، إضافة إلى 146 مهاجراً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع في كل من وهران وتلمسان غربي البلاد، وعنابة وسكيكدة والطارف شرقي البلاد خلال عمليات عدة. وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، أعلن خفر السواحل إحباط محاولات هجرة سرية لـ 218 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع في كل من الشلف ووهران ومستغانم وعين تموشنت غربي الجزائر.
وتشير تقارير صحافية إسبانية إلى أنه خلال فترة قصيرة، وصل أخيراً أكثر من 400 مهاجر جزائري إلى السواحل الإسبانية، كانوا على متن 31 قارباً، وتم وضعهم في مخيمات تسهر عليها الشرطة”. ونشرت صحيفة “الإسبانيول” الإسبانية تقريراً عن وصول 457 مهاجرا جزائريا إلى ساحل جزيرة موريس، وقد تم توقيفهم من قبل الشرطة الإسبانية.
وخلال الفترة الممتدة من 10 إلى 17 نوفمبر الماضي، تمكنت قوات خفر السواحل والدرك من إحباط محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 290 شخصاً كانوا على متن قوارب مطاطية وقوارب تقليدية الصنع بـ8 محافظات من شرق إلى غرب البلاد مروراً بوسطها.
كما تم توقيف 108 مهاجرين غير شرعيين من جنسيات مختلفة بـ5 ولايات جنوب وشرق الجزائر.
معطيات رسمية تؤكد وفق الإخصائيين والمراقبين عودة تنامي ظاهرة الهجرة السرية بالجزائر، بالإضافة إلى كونها منطقة عبور مهاجرين غير شرعيين من الساحل والصحراء باتجاه أوروبا، وسط تحرك رسمي لردع هذه الظاهرة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية.
ووفقاً لآخر أرقام قدمتها الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود المعروفة بـ”فرونتكس” قبل شهرين فقد بلغ عدد المهاجرين الجزائريين السريين الذين سلكوا طريق غرب البحر المتوسط باتجاه إسبانيا نحو 5225 “خلال الأشهر الثمانية الأولى” من 2020، مقابل 865 باتجاه وسط البحر المتوسط نحو إيطاليا.
ووصلت ذروة الهجرة السرية من الجزائر إلى إسبانيا شهر يونيو الماضي، عندما أعلنت السلطات الإسبانية وصول نحو 800 جزائري بطريقة سرية إلى أراضيها “خلال الأسبوع الأخير من يونيو”.
وذكرت أن السلطات تواجه مشكلة نقص في أماكن الاحتجاز ومعدات الوقاية الصحية في ظل أزمة كورونا ومخاوف من تفشيه بين المهاجرين في مراكز الاحتجاز.
واحتلت الجزائر المرتبة الأولى، إلى حدود نهاية سنة 2020، من حيث عدد المهاجرين عير الشرعيين الجزائريين الوافدين على إسبانيا هذا العام، فيما يستمر عددهم في الزيادة مقارنة بجنسيات أخرى في إسبانيا، وذلك حسب ما أوردته صحيفة الباييس الإسبانية .
وتوقع تقرير للمفوضية الأوروبية، على المدى المتوسط، أن “يظل ضغط الهجرة الجزائري مرتفعا، بالنظر إلى أن شبكات المرور التي قامت بتعديل أسلوب عملها وتنظيم رحلات مغادرة متزامنة، لتتجاوز قدرات السلطات الجزائرية على الرغم من قيود كوفيد_19″.
وحسب نفس المصدر، فقد “ازداد وصول قوارب الهجرة غير الشرعية إلى مرر الجزائر – إسبانيا منذ غشت 2019 كالمعتاد من كل عام، غير أن هذا الضغط استمر خلال الأشهر الأولى من هذا العام”، مضيفا “كان هناك انخفاض طفيف في ضغط الهجرة من الجزائر في أبريل، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى سوء الأحوال الجوية، ولكن وصول المهاجرين غير الشرعيين تضاعف ثلاث مرات تقريبًا خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر ماي” .
وذكر التقرير أن 46٪ من الواصلين بالقوارب عبر المضيق وبحر البوران – الجناح الغربي للبحر الأبيض المتوسط الذي لا يشمل مسار جزر الكناري – غادروا الجزائر، حيث بقيت النسبة نهاية 2018 و 2019، تمثّل ما بين 5٪ و 10٪ . وإلى غاية 3 ماي 2020 يؤكد التقرير وصول1389 شخصً بشكل غير شرعي إلى إسبانيا قادمين من الجزائر وكانوا جميعًا جزائريين.
وعبرت السلطات الإسبانية عن قلقها لاستمرار هذا التدفق للوافدين عبر هذا الممر، على اعتبار أنه يأتي في سياق انخفضت فيه الهجرة بنسبة 50٪ في عام 2019. ولا تزال تنخفض في عام 2020 بسبب قيود الحدود المفروضة على بلدان المنشأ والعبور للمهاجرين، لكن الجزائريين هم الجنسية الوحيدة التي لا تنخفض بشكل ملحوظ في سجلات الدخول غير الشرعي.
وأشارت صحيفة الباييس نقلا عن التقرير الأوروبي ان “الإحباط السياسي، الذي يؤثر بشكل خاص على جيل الشباب الجزائري ، يضاف إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي زادت ضغوطاته بسبب الوباء، ظروف زادت من تحفيز الجزائريين على الهجرة”.
كما لاحظت السلطات الإسبانية وجود اختراق أمني على الطريق التقليدي، حيث أصبح معظم الجزائريون ينظمون رحلات القوارب بمفردهم، دون الاعتماد على التنظيمات الإجرامية للهجرة، غير أنها تلفت أيضا أن نشاط المافيا تكثّف وتطور بشكل مقلق.
الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، قدم قراءة تفصيلية لتزايد وتيرة الهجرة غير الشرعية من الجزائر باتجاه جنوب أوروبا، أوضح خلالها، في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن الأمر يتعلق بـ”أسباب عميقة وموضوعية حاضرة بشكل دائم مرتبطة بواقع المجتمع الجزائري، على عدة مستويات سياسية واقتصادية، وعلى مستوى الشباب والديمغرافي”.
واعتبر أن هناك من الأسباب تعمل على زيادة حدة الظاهرة أو تقلل منها، ومن أبرز الأسباب التي دفعت لزيادة الهجرة السرية بالجزائر مؤخراً ما وصفها الأكاديمي بـ”يأس الشباب الجزائري”.
وقال: “لاحظنا أن الشباب وسط الحراك الشعبي العام الماضي ولم يعد لهم تفكير في مغادرة البلاد، لكن هناك نوع من اليأس اليوم في المجتمع الجزائري”، مشيرا إلى “عدم تحسن ظروفهم المعيشية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وغياب حلول سياسية”